كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
أصحاب «الوضع الاعتباري» أو «أصحاب المكانة «، سواء كان هذا الوضع الاعتباري موجودا من قبل أو تم إنشاؤه وخلقه، يوجدون في قلب استراتيجية الحكم غير المباشر والإدارة بأقل تكلفة لأنهم يشكلون أداة وسيطة بين السكان والسلطان.بالنسبة لهذا الاخير، فإن التسويات التي يتم خلقها أو منحها أو تقويتها بواسطة الامتيازات التي يمنحها، لا تسمح فقط بتقليص النفقات والموظفين والهياكل الإدارية، فهو إذ يلعب على التنافس بين النبلاء المحليين، فإن هذه المستويات تتيح كذلك تطويق سلطتهم والدفع بهم نحو ممارسة «وظيفتهم الطقوسية»، أي تلك الخدمات التي كنا نسميها اليوم ونضيفها كوظائف عمومية ( كل هذه التعابير مستمدة من فيبر ). بيد أنه، وعلى المدى الطويل، تبين أن هذا الحكم المتقشف، عبر تقوية أو خلق وضع اعتباري، هو حكم فيه مخاطرة وباهظ الثمن: حيث أفضت عمليات منح الاستقلال ومراكمة السلطة والمال الى «الحرْكة»، وصار تداول الامتيازات والهبات والعطايا يتطلب ثمنا مرتفعا يوما عن يوم.
من قبل كان هذا النظام يملك انسجامه ـ كما شرح ذلك ابن خلدون في مقدمته ـ، فالوسطاء صاروا يراكمون الخيرات أكثر فأكثر وبدأ ظلمهم يتزايد يوما عن يوم وأصبحوا يعربون عن نزعات استقلالهم وانعتاقهم أكثر فأكثر، فكان النظام يرد على ذلك بعمليات التطهير ـ (عبر الحرْكات، أو الاستدعاءات
والاغتيالات) ، وهي عمليات تطهير تعود من جديد مع وسطاء آخرين. وهذا النظام بدأ يتعثر عندما أدرك السلطان، تحت الضغط الأوروبي، أن مسؤولياته
تمتد على كل التراب الامبراطوري وعليه الزيادة في التحصيل الجبائي.
