الناقد السنيمائي حسن نرايس يناقش بالدار البيضاء قدرة الكوميديا على كشف تناقضات المجتمع المغربي

في إطار فعاليات مهرجان كوميديا الحي المحمدي في دورته الثانية و المنظم من طرف مقاطعة الحي المحمدي بالدار البيضاء بتنسيق مع جمعية أهل الخلود، أيام 28 و 29 و 30 ابريل 2023 بنفس المدينة. تم عقد لقاء فكري أكاديمي بفضاء قاعة العروض بالمركب الثقافي الحي المحمدي، يومه السبت 29 أبريل 2023، على الساعة العاشرة والنصف صباحا ضمن مناسبة ثقافية اختار من خلالها الناقد السنيمائي و الباحث حسن نرايس أن يقارب موضوع الفرجة الكوميدية و فن الإضحاك خاصة على المستوى المغربي من خلال التأصيل العلمي والتتبع للمسار التاريخي لأشكال من الكوميديا المغربية، عبر محاضرة أكاديمية كان لها صداها الواضح أمام جمهور من الفاعلين الثقافيين والفنانين، أمثال محمد مفتاح والمخرج نور الدين الخماري والسيناريست إدريس كسرى إلى جانب آخرين. أعطى طارق خلدي مدير مهرجان كوميديا الحي المحمدي ، انطلاقة هذا اللقاء الفكري حيث عمل حسن نرايس في بداية هذا العرض التواصلي المفتوح على مقاربة فعل الضحك لدى الإنسان من خلال الاستعانة بدراسات وأبحاث علمية، قاربت الموضوع من زواياه المختلفة. ضمن هذا السياق تم اعتبار الضحك فعلا إنسانيا منتجا لعدد كبير من الاسئلة، التي تناقش ماهية الضحك في أبعاده المتعدد، مرورا بالتأكيد على أن هذا السلوك يصعب الإحاطة به وتفسيره اعتمادا فقط، على حقل معرفي واحد. وإنما هو ظاهرة معقدة تستلزم تعدد المقاربات وزوايا النظر مثل، التفسير التاريخي و النفسي والأنتربولوجي للضحك، الذي أشار نرايس من خلال اقتباس له لما جاء في كتاب عبد الله كداري «الهزل والسخرية» أنه سلوك يختزل الحقيقة الوجودية للإنسان، و فعلها داخل السيرورة التاريخية الممندة. كما أشار المحاضر إلى واقع آخر يفرض نفسه الآن، وهو الشبه غياب للكتب العربية المشتغلة على موضوع الضحك عبر معطى يوحي بأن الإنتاج الأدبي العربي للضحك غير موجود. والصحيح أن تراثنا المكتوب يشهد بأن فن الإضحاك كان له حضور في الممارسة الثقافية العربية باكرا، حيث راجت سوق الضحك في صدر الإسلام، وصار فعل الفكاهة طقسا من الطقوس الحاضرة بقوة، داخل هذا البلاط الخليفي أو ذاك، خاصة إبان العصر العباسي. فبرز اسم جحا بقوة في هذا الباب من خلال نجاح هذا الأخير، حسب نرايس في تقديم فكاهة ساخرة ظهرت ملامحها، في الكتابات الأدبية التي أرخت لهذا النوع من الكوميديا الشعبية التي عبرت في عمقها، عن نزعة مقاومة لواقع تاريخي آنذاك اعتمادا على روح الدعابة و تسليط الضوء على متناقضات المجتمع، عبر قالب فكاهي. ويشكل كتاب البخلاء حسب نفس المحاضر كتابة نصية تنطق بالكوميديا، حيث استطاع مؤلف الكتاب الجاحظ إلى عالم البخلاء و تناقضاتهم مع القيم المجتمعية حينها والمبنية على الإعلاء من قيمة الكرم. شكلت هذه المعطيات التاريخية أرضية أكد من خلالها حسن نرايس، على أن الفعل الفكاهي قادر على فضح متناقضات المجتمع. مقدما ضمن نفس الإطار عناوين لكتابات تراثية، كان موضوعها الرئيسي هو السخرية و الفكاهة مثل كتاب الإمتاع و المؤانسة لأبي حيان التوحيدي، الذي قدم فيه هذا الأخير منجزا كوميديا من نوع خاص.
اعتبر حسن نيرايس أن الفكاهة حسب بعض الدارسين هي آلة نقدية، قادرة على أن تمنح للإنسان مساحات حرة للتعبير عن إنسانيته وتناقضاته، لحد يمكن أن تجعل الفرد متحررا نوعا ما من سلطة الجماعة و الفعل الجمعي المشترك. والفكاهة حسب تحليله هي ممارسة إنسانية عريقة، كانت دائما محط اهتمام وتساؤل، عند عدد لابأس به من المفكرين والفلاسفة أمثال أفلاطون وأرسطو والجاحظ و ميخائيل بختين، حتى تطور الأمر في الأخير إلى صناعة وإنتاج عدد من المؤلفات في الزمن الراهن سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، موضوعها الأساس هو الفكاهة والضحك. ضمن إشارة أخرى اعتبر المحاضر، و من خلال قراءته لنصوص متخصصة، أن الفكاهة هي أداة وأسلوب مقاومة، قادر على أن يمنح الإنسان قوة للتغلب على أحزانه و تأكيد حضوره الفردي والجماعي، مشيرا في نفس الآن أن الفعل الفكاهي يشكل محددا ثقافيا باستطاعته الحفاظ على الذاكرة الإنسانية وتراكماتها. يظهر أن المحاضر حاول أن ينتصر بشكل واضح للأوار الأساسية التي يمكن أن تقوم بها الفكاهة و على رأسها إمكانيتها ترجمة تخوفات الأفراد والجماعات، من سلب وجودهم وثقافتهم ضمن صراع جدلي بين القاعدة الشعبية في المجتمع وفئة محدودة من هذا الأخير. وفي سبيل تحقيق فهم أكبر للممارسة الكوميدية اشترط عرض حسن نرايس، وجود العقلانية لمقاربة الفعل الفكاهي كظاهرة اجتماعية عميقة تسعى إلى التحرر من القوالب النمطية المفروضة من طرف المنظومة العامة. و قد ذهب نفس المحاضر إلى اعتبار الضحك مطلبا يحاول أن ينادي بأدنى الشروط الازمة، لعيش إنساني حقيقي ضمن رسائل تواصلية لا تؤمن إلا بالإفصاح عن المسكوت عنه. وهو ما يؤكد على صعوبة حصول فعل الإضحاك عند المتلقي. ضمن نفس السياق حاول نرايس أن يبسط القول في الشروط الممكنة لصناعة كوميدي حقيقي، ومن ضمنها الإحساس المرهف والبساطة، في الانتماء الاجتماعي وهي ما يمنح صدقية لهذا العمل الكوميدي أو ذاك. قيمة النكتة بدورها حضرت في هذه المحاضرة الاكاديمية، التي اعتبر صاحبها أنها تكمن في لغزيتها وقدرتها، على إحداث التفاوت بين المظنون والواقع، إضافة إلى أنها ميكانيزم دفاعي يلجأ له الفرد للدفاع عن ذاته. خصوصا إذا علمنا أنها حضرت كأداة لتحقيق نوع من التماسك الاجتماعي داخل المجتمع إبان أزمة كورونا. على المستوى اللغوي النكتة فضاء حكي وقول، يتحرر فيه العقل الفردي من الرقابة التي تمارسها عليه سلطة الجماعة، عبر مناقشة مختلف المواضيع حتى الحساسة منها في قالب فكاهي.
كانت المحاضرة مناسبة أيضا من طرف حسن نرايس للوقوف على الفعل الفكاهي المغربي في تاريخيته، حينما أكد على قيمة فن الحلقة في التدشين لممارسة جماعية لفن الضحك، بالمغرب خاصة في ساحات الحي المحمدي، التي ظهر فيها رواد أوائل أمثال خليفة حاولوا أن يرسموا فكاهة ساخرة، لها تمثلات شعبية يتقاطع فيها الامعقول بالمعقولية، من خلال «حلقات» كانت بمثابة مدارس تكوين حقيقة، لعدد من المتفرجين كمشاريع كوميدية قائمة الذات في منظور الحليقي.
في حديثه عن علاقة السنيما بالفكاهة بالمغرب، فأكد نرايس أن الصناعة السنيمائية المغربية، لم تلتفت إلا مؤخرا للفن الكوميدي، مقارنة بتجارب دولية رائدة في هذا الباب مثل التجربة المصرية. في حين أن ما يطبع الأفلام الكوميدية المعروضة سنيمائيا اليوم في المشهد الفني المغربي، ترتبط في جلها بحضور و طغيان شخصية البطل أكثر من ارتباطها بكوميديا الموقف. معطيا أمثلة في هذا الباب، كفيلم «الطريق إلى كابل» لبطله عزيز داداس. مبرزا في الآن ذاته أن الإضحاك على شاشة السينما، لا يمكن أن يتم إلا بتوظيف عنصر المفاجأة وحضور كتابة نصية متماسكة مع ضرورة حسن اختيار الممثل القادر على ترجمة العمل الكوميدي. ثم جاءت لحظة تقديم حسن نرايس لجمهور الحضور بالقاعة لكتابه المعنون «السخرية في زمن كورونا»، وهو مؤلف حاول من خلاله أن يرصد واقع الفعل الكوميدي ومحدداته التي أنتجها سياق أزمة كورونا. وقبل ختام هذا العرس الفكري الثقافي، شارك شاعر الزجل المهدي الكويدي جمهور القاعة، قصائد زجلية نطقت في قالب كوميدي، بالمشاهد الاجتماعية التي أفرزتها جائحة كورونا في المجتمع المغربي تحت إعجاب وتصفيقات الحاضرين. وفي الختام عبر أحمد طنيش المسؤول الإعلامي لمهرجان كوميديا الحي المحمدي عن قوة العرض الأكاديمي الذي قدمه حسن نرايس، والذي شكل أرضية علمية حقيقية للمهرجان. بعد ذلك تم توزيع عدد مهم من نسخ كتاب نرايس دون مقابل مادي، في بادرة استحسنها الجمهور الحاضر بعد أن تكلفت مقاطعة الحي المحمدي بتمويل العملية.


الكاتب : سمير السباعي

  

بتاريخ : 03/05/2023