نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..
كانت خطةالسلطان المولى عبد العزبز تسعى الى تقليص رقعة الخلاف وكسب المزيد من الأعوان خصوصا أن الوضع الداخلي كان يعرف تأزما بسبب الضغط الأجنبي الخارجي ، وما تولد عنه من اضطرابات كان أخطرها تمرد الزرهوني (بوحمارة ) في الشمال ، وذلك ما دفع بالسلطان الى اعتماد قواد الحوز لمواجهتها . وتؤكد المراسلات المخزنية العديدة استنفار قواد الحوز ، ومن بينهم القائد عيسى بن عمر .
فقد كان القائد عيسى بن عمر من أهم القواد الذين استنفرهم السلطان ، وبعث له سنة : 1320هجرية ~~ 1902ميلادية ، برسالة يأمره بالتعجيل في فرض العدة على قبيلة عبدة وهي :
) خمس عشر مائة نفر تامة كاملة مطابقة كلها للوصف المقرر لهم بقصد استخدامهم في عسكرنا السعيد ، وتنظيم جميعهم على ضابطة المؤشر الحميد ، وأمرناك أنت بحوز العدد المذكور منهم ، وتوجيهه فورا لحضرتنا العالية بالله . وربما وجد القائد صعوبة في جمع العدد المذكور فلم يرسل منه الا احدى عشر مائة، فبقي ينقص أربع مائة ، لهذا بعث السلطان يستعجله في ارسال الباقي ، يأمره بالقيام على ساق الجد بتوجبه الخاص المذكور فورا من غير تأخير ولا توان . ووضع القائد على رأس هذه الحركة ابنيه الهاشمي والعربي..
لما توجهت معظم حركات القبائل لمنازلة بوحمارة ، كان مألها الفشل ، فعلم السلطان بذلك وعاد الى فاس، فعقد لمحمد الأمراني على حملة بوحمارة من جيش جرار يقدر تقريبا بخمسة ألاف مقاتل وثلاثة عشر مدفعا، وأمر بالالتحاق بالمكان الذي هزمت ثم بعث للقائد عيسى بن عمر على وجه الاستعجال. (فبوصوله اليك نأمرك أن تقدم لشريف حضرتنا عاجلا بجميع حركتك بحيث تبل رأسك هناك وتحسنه عنذنا، فنحن في انتظارك .). ولعل هذه الرسالة تطرح مسألتين :
الأولى : وهي القدوم بحركة أخرى غير الحركة التي بعث بها القائد تحت اشراف ابنيه الهاشمي والعربي، مما كلف القائد عناء جمع حركة أخرى جديدة .
الثانية : وهي مسألة الاستعجال بهذه الصفة وبهذه الصيغة ، قصد الالتحاق بالحضرة الشريفة بفاس ، وترك مقر قيادته، ولاشك أن ذلك كان من أجل مهمة مستعجلة وصعبة. وفعلا، التحق القائد بالحضرة السلطانية بفاس، استخلف على قيادته ، ابنه أحمد بن عيسى ، وبمجرد التحاقه عقد السطان لعامله عيسى بن عمر على جيش من المحال أن يخطر على بال ، والحقه بهم أيضا .
وهذا تأكيد على المكانة التي كانت للقائد وتقدير من السلطان لكفائته واخلاصه ، حيث وضعه على رأس كل حركات قبائل الحوز .
كما أكد القائد عيسى بن عمر مرة أخرة عن جدارته في ساحة القتال ، حيث أبان عن مقدرة وجرأة ، وكان من الأوائل الذين جابهوا الزرهوني بوحمارة ، بعد أن بدأهم بالقتال أول النهار ، فبعضهم ذهب اليه وهو العبدي والمنبهي ، وبعضهم جلس من بينهم مولاب عبد الكبير . ورغم المشاق الصعبة التي تكبدها القائد عيسى بن عمر ، والحركات العديدة التي ساهم فيها بجانب بقية قواد الحوز للقضاء على تمرد بوحمارة ، الا أن فشل هذه الحركات، وعودة القواد غير المظفرة الى قبائلهم ، جعلتهم يتشككون في قدرة مخزن المولى عبد العزبز ،مما يتكون له نتائج ومضاعفات على سير الأحداث في الجنوب عموما ، مع ذلك بقي القائد عيسى بن عمر مخلصا للسلطان المولى عبد العزيز.
(امتداد نفود القائد وتوسع سلطته :).
بمجرد عودة القائد الى ايالته، كافأه السلطان لتعيينه عاملا على مدينة أسفي ، وأعاد له نفوده الذي كان له على بعض قواد الحوز ، واذا كنا لا نتوفرعلى ظهائر تحدد بالضبط توليه هذه المسؤوليات ، الا اننا نعثر على بعض الاشارات تؤكد ذلك . فبالنسبة لتولته عاملا على أسفي ، لدينا من الرسائل الصادرة من دار النيابة بطنجة باسم محمد بن العربي الطريس ما يؤكد تسميته عاملا بأسفي ، واول رسالة عثرنا عليها بهذا الاسم ترجع الى تاريخ 25 جمادى الأولى 1321هجرية،الا ان رسائل أخرى اكتفت بتسميته قائد أسفي السيد عيسى بن عمر العبدي .ومهما يكن فان سلطة عيسى بن عمر ،قد امتدت الى مدينة أسفي ، وأسند أمرها الى ابنه أحمد بن عيسى ، الذي عينه خليفة له على أسفي ، وضمن بعض الرسائل العائلية الخاصة ، نعثر على هذه الاشارة 🙁 خالنا الأبرز الارضى الفقيه السيد الطاهر بن أحمد ..وبعد وصلنا كتابك الأعز بأنه تطرق سمعك بالتولية على أسفي ، وفرحت بذلك غاية لا شك عنذنا في محبة الخير لجنابنا ، لأننا وأياك من باب لا فرق ، وعدم اخبارنا لك بذلك في الدار لأنك لم تبحثنا ، وانا ما قلت لك شيئا …ثامن شوال عام 1323هجرية ..احمد بن عيسى لطف الله به.
كما تؤكد بعض المراسلات المخزنية أن نفود القائد أصبح ساريا على جهات واسعة من الحوز ، ومن بينها قبائل أحمر ودكالة.
فبعد قيام أولاد سعيد ضد عاملهم واستفحال أمرهم ، استنفر السلطان المولى عبد العزيز القائد عيسى بن عمر للنهوض بحركة قصد التضييق عليهم ، الا ان القائد تقاعس عن القيام بهذه المأمورية ، فكتب له السلطان يحثه على الاسراع في ذلك ، ويقول :(فقد كنا اعتقدنا منك المبادرة فيما يظهر من نصحك في تنضيض حركات القبائل التي التزمت نهوضها للربط على فساد أولاد سعيد والتضييق بهم حتى يرجعوا للجادة ، ويستقيموا للخدمة مع عاملهم ولا زال لم يظهر أثر …وما عهدنا منك التراخي في مثل ذلك … وعليه فبوصوله نأمرك أن تنهض بحركة معتبرةمن أيالتك وتنزل على المفسدين المذكورين ..
وبعث السلطان الى القائد بمجموعة من الظهائر لاستنفار قبائل أخرى كانت تحت سلطته وهي قبيلة أحمر …ودكالة ..وهذا تأكيد على أن عيسى بن عمر كان يمارس سلطته على هذه القبائل وكان يتولى استنفارها للحركات ،تقول احدى هذه الرسائل.