مخيمات تندوف على صفيح ساخن :احتجاجات واعتصامات ردا على حملات القمع التي استهدفت صحراويين كشفوا فضائح جديدة لقيادة البوليساريو

 

ما زالت مخيمات تندوف تعيش على صفيح ساخن، بعد الفضائح المتتالية التي تغرق في مستنقعها قيادة الانفصاليين، والتي تلجأ إلى مختلف أنواع القمع والتنكيل للتغطية عليها.
وفي هذا الإطار، ذكرت مصادر متطابقة بعين المكان، أن عددا من الصحراويين المحتجزين قاموا، منذ يوم السبت، بالاعتصام أمام مقر قيادة الانفصاليين المسمى بالرابوني، احتجاجا على عمليات القمع والاعتقال التي تعرض لها شبان صحراويون، ومن بينهم محمد سالم ماء العينين اسويد، الذي اعتقل قرب بوابة تندوف، وتم اقتياده شبه عار، بالإضافة إلى التنكيل بأخته وتهشيم أسنانها، وتعريضها للضرب والركل، بعد تصديهم لعمليات تهريب الوقود إلى موريتانيا عبر شاحنات لفائدة زعماء الميليشيا الانفصالية، التي تتاجر باسمهم وتغتني على حسابهم منذ عقود.
وفي هذا الإطار، أوضح «منتدى فورساتين» أن عائلة المختطف محمد سالم ماء العينين اسويد، ومعارفه وزملاءه في مجموعة الشباب الذين فضحوا عملية سرقة وتهريب قيادة البوليساريو للمحروقات لبيعها على الحدود الموريتانية، قاموا بالدعوة إلى اجتماع، لكن قيادة الميليشيا الانفصالية حاولت إفشاله ونشرت قواتها القمعية بمداخل المخيم، ومنعت الناس من الالتحاق بمكان الاجتماع، فما كان من بعض المحتجين إلا الهجوم على بعض مقرات ومؤسسات «البوليساريو»، وإحراق سيارة وكيل ميليشيا البوليساريو المسمى « سيد ابراهيم مولاي الزين»، مؤكدا إصرار المعتصمين على مواصلة الاحتجاج رغم محاولات المنع. وذكر المنتدى بهذا الخصوص، أن دائرة السخط على قيادة البوليساريو، تتسع وتكبر بسبب الممارسات القمعية التي تنتهجها ضد سكان المخيمات، الذين حرموا حتى من حقوقهم البسيطة في العيش والتنقل والتعبير، أمام تمتع هذه القيادة وذويها بحياة الترف والبذخ في أرقى الفنادق والمنتجعات.
من جهة أخرى، ذكرت يومية « أوكي دياريو» الإسبانية، أن الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان، الموجود مقرها بمدريد، راسلت وزارة الخارجية الإسبانية وقنصل إسبانيا في وهران قصد التدخل لإنقاذ المعتقل محمد سالم ماء العينين اسويد، الذي يحمل الجنسية الإسبانية، وأوضحت الرسالة أن المعتقل تعرض للاختطاف عند مدخل تندوف على يد عناصر تابعة للدرك الجزائري، التي سلمته إلى ميليشيا البوليساريو، ومنذ ذلك الوقت يجهل مصيره.
وتبرز هذه المعطيات، صفحة أخرى قاتمة، من صفحات جرائم الميليشيا الانفصالية، ومتاجرتها بالمساعدات التي تقدم إلى المحتجزين، وآخرها ما تم تأكيده من جديد في تقرير برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، لاسيما في القسم المخصص لتقييم «البرنامج الاستراتيجي للجزائر 2019/2022».
وعلى ضوء هذا التقرير، ذكر الباحث والكاتب الفرنسي-السويسري، جان ماري هيدت، الذي ندد بهذه الجرائم، أن برنامج الأغذية العالمي وثق بشكل لا يقبل الجدل تحويل وبيع المواد الغذائية من المساعدات الإنسانية في أسواق مدينة تندوف الجزائرية وخارج المخيمات وكذلك في البلدان المجاورة، في وقت يعيش فيه سكان المخيمات ظروفا مزرية تتميز بنقص التغذية المزمن، وخاصة بين النساء والأطفال.
وسجل أن هذا الوضع هو استثنائي في العالم في ما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني، حيث أنه منذ ما يقرب من 50 عاما، لم يتم تحديد هوية هؤلاء السكان ولم يتم تسجيلهم كلاجئين أو إجراء تعداد لهم، مما حرمهم من جميع الحقوق التي تضمنها اتفاقية 28 يوليوز 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين.
وأشار الخبير إلى أن التقرير يؤكد استحالة وصول وكالات الأمم المتحدة المتخصصة إلى المخيمات دون عوائق، واصفا الرقابة الداخلية على توزيع المساعدات الإنسانية التي تنفذها «البوليساريو» بأنها سيطرة متحيزة بطبيعتها.
واعتبر أن هذه السيطرة التي منحتها الجزائر لهذه الميلشيات لتوزيع المساعدات الإنسانية، «تندرج في إطار التخلي غير الشرعي، بموجب القانون الإنساني الدولي، للسلطة على مخيمات تندوف إلى جماعة انفصالية مسلحة لها صلات وثيقة مع الجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل».
وأكد هيدت أن الفرص المربحة التي أتيحت من خلال التحويل المنهجي للمساعدات الإنسانية لقادة «البوليساريو» تمكنهم من «الحفاظ على نمط حياة فاخر على حساب دافعي الضرائب الأوروبيين وعلى حساب نساء وأطفال مخيمات تندوف».
وذكر في هذا السياق بتقرير عام 2015 لمكتب مكافحة الغش في الاتحاد الأوروبي، الذي أشار إلى «تحويل منهجي لأكثر من أربعة عقود من المساعدات الإنسانية الممنوحة للصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية»، مضيفا أن هذا التقرير يسلط الضوء، بناء على تحقيق أجراه المكتب الأوروبي، على «مسؤولية الجزائر المتواطئة النشطة في تحويل مسار هذه المساعدات التي تبدأ عادة بمجرد وصول الشحنة إلى ميناء وهران الجزائري».
وأكد أنه تم الإبلاغ عن عمليات التحويل هذه في تقارير التفتيش الأخرى لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فضلا عن المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية الأخرى.
وأضاف الخبير أن البرلمان الأوروبي تبنى بدوره قرارا يشير إلى أن الجزائر فرضت ضريبة بنسبة 5 بالمائة على هذه المساعدات، كما رفضت طلبات التعداد السكاني، موضحا أن القرار يطلب أيضا من الاتحاد الأوروبي التدقيق في استخدام المساعدات الإنسانية الأوروبية من قبل «البوليساريو» منذ العام 2015.
وسجل هيدت أنه في عام 2021، لفت تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الانتباه إلى اختلاس الأموال والمساعدات الغذائية المخصصة للسكان الذين تحتجزهم «البوليساريو»، مؤكدا أن جميع قرارات مجلس الأمن، منذ عام 2011، تطالب الجزائر بالموافقة على إجراء تعداد سكاني لسكان مخيمات تندوف، وفقا للقانون الدولي الإنساني.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه الاحتجاجات ضد قيادة الميليشيا الانفصالية وفضائحها المتوالية، تواصل هذه الأخيرة سياسة الانتقام والتنكيل في حق معارضيها، خصوصا بعد الفضيحة الأخيرة، التي قام شبان صحراويون بتوثيقها بالصوت والصورة، والمتعلقة بتهريب شاحنات الوقود إلى الحدود مع موريتانيا، لإعادة بيعها، مما يؤكد مرة أخرى الطبيعة الإجرامية لهذه الميليشيا، وإصرار عرابتها الجزائر على إغلاق المخيمات وخنق أصوات المعارضين، ورفض السماح بإحصائهم وتمتيعهم بحرية الحركة والتنقل، لمواصلة استثمار هذا النزاع المفتعل، ورفض الحل السياسي الواقعي الذي تدعو إليه الأمم المتحدة ويحظى بتأييد واسع من المنتظم الدولي .


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 09/05/2023