ندوة «الدبلوماسية المغربية زمن الأزمات»

كيف دبر المغرب أزماته الديبلوماسية
دون التفريط في سيادته

 

نظم «مختبر المغرب والعالم الخارجي: التاريخ والمجتمع التراث»، بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، يوم الأربعاء 10 ماي الجاري، ندوة وطنية حول موضوع «قضايا في التاريخ الدبلوماسي المغربي -الدبلوماسية المغربية زمن الأزمات».
وترأس الجلسة الافتتاحية لهاته الندوة التي التأمت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الأستاذ شعيب حليفي، والذي شدد على أن الأخيرة تأتي في سياق الندوات التي ينظمها مختبر المغرب والعالم الخارجي.
أما عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية، وخلال كلمة له بالمناسبة، فقد أبرز أن مجلسه دأب على توقيع شركات مع الأكاديميين باعتبارهم المؤهلين لمناقشة مثل هاته القضايا، مردفا أن السياسات العمومية مدعوة إلى الاهتمام بقضايا الدبلوماسية عن طريق تشجيع ودعم الباحثين، لاسيما أن المغرب يعيش في تماس مباشر مع مجموعة من الدول خاصة في قضية الصحراء.
من جهته، ثمن خالد سرتي مدير «مختبر المغرب والعالم الخارجي» وأستاذ مختص في التاريخ الوسيط بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الأهمية البالغة التي يكتسيها هذا اللقاء معتبرا أنه بمثابة ثمرة تعاون مع مجلس الجالية المغربية. وأشار ذات المتحدث الى أن الندوة تعد بمثابة تقييم لتجربة مسار طويل من تدريس شعبة التاريخ والحضارة لماستر الدبلوماسية في تاريخ العلاقات الدولية، وأن موضوع العلاقات الدولية أصبح تكوينا قائما بذاته، خاصة أنه أصبح يمس الجانب الديني والاجتماعي والثقافي، كما أنه يثير اهتمام الباحثين إضافة إلى تقاطعه مع شعب مختلفة.
الأستاذ جلال زين العابدين – منسق الندوة – وأستاذ مختص في تاريخ المغرب المعاصر والراهن بذات الكلية، أثنى بدوره على الندوة وعلى الموضوع الذي اختاره المشاركون والأكاديميون، موضحا أن موضوع الدبلوماسية ذات له أهمية كبرى لكون التاريخ المغربي يحتفظ بالعديد من القضايا المصيرية في أوقات الحرب والسلم.
وشهد حفل ختام الجلسة تسليم عدد من الدروع فخرية لكل من الأساتذة خالد سرتي، عبد الله بوصوف، سمير بوزويتة وعبد القادر كنكاي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك .
الجلسة العلمية الأولى ترأسها الأستاذ إدريس لكريني، حيث خاض من خلالها الأستاذ خالد سرتي، في مداخلته في سرد وقائع «حادثة المسطح» التي وقعت بين الدولة الموحدية و دويلة «بيزا» بإيطاليا باعتباره حادثا شكل اصطداما مباشرا بين الطرفين بعد قرصنة سفينة موحدية تنقل السلع من طرف أشخاص ينتمون للدويلة البيزية، والذي أدى إلى تحريك الدبلوماسية المغربية بدل الحرب، الأمر الذي فسره الأستاذ على أن المدن الإيطالية كانت تفرض قوتها مند القرن الثاني عشر ميلادي، إضافة إلى عدم قدرة الدول آنذاك على مراقبة سفنها.
على العموم تم تجاوز الأزمة بين الطرفين كما تم إبرام اتفاقية بينهما تمنح امتيازات واسعة لبعضهما البعض، وهو ما أبرزه الأستاذ في دور الدبلوماسية في تدبير الخلافات وتحويلها إلى علاقات جيدة.
الأستاذة مليكة الزهيدي أبرزت في كلمتها دور السلطان سيدي محمد بن عبد الله في تعزيز العلاقات مع دولة إسبانيا بعد ما كانت متأزمة، خاصة بعد محاصرته لمليلية ، وكذا حملة إسبانيا بقيادة كارلوس الثالث على الجزائر، وأشارت الى أن العلاقات بقيت متقاربة إلى حدود وفاة السلطان سيدي محمد بن عبد الله.
بعد ذلك تطرق الأستاذ عمر لمغيبشي، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، في مداخلته، إلى سرد الأسباب الكامنة وراء اختيار المغاربة اليهود لتدبير الأزمات ودورهم في حلها مقدما بعض النماذج، وموضحا أن أسباب اختيارهم كدبلوماسيين يعود لعدم انتمائهم لأية زاوية أو رابطة قبلية. كما أشار إلى تطور الدبلوماسية المغربية منذ عهد الدولة السعدية ونضجها خلال الفترة الدولة العلوية.
د.محمد بوعزة أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس، فاس ناقش موضوعالمغرب وإدارة الأزمات خلال القرن 19م»، مشيرا إلى ضرورة تسليط الضوء على قوة الدبلوماسية المغربية التي تم تبخيسها من قبل مجموعة من الباحثين، ثم عرج للحديث عن مفهوم الأزمة عند الصين وأوروبا وتطوره من القرن 15 إلى القرن 18. كما وضح أن المغرب أدار القرن 19 بدبلوماسية متنوعة وفق ما وفرته السبل وما فرضته سياقات القرن التاسع عشر.
الجلسة العلمية الثانية ترأسها سمير بوزويتة ، وتطرق خلالها ذ. جلال زين العابدين الى موضوع الدبلوماسية المغربية في مواجهة الضغوط الأجنبية خلال مطلع القرن 20، حيث أكد أن خلال هاته الفترة تم استنزاف طاقة الدبلوماسية المغربية، ودخولها في مرحلة حرجة بسبب تزامنها مع مجموعة من الأزمات، ويتجلى ذلك في فشل السفارات المغربية مما أدى إلى تصاعد حدة الأزمة وانقسام النظام المخزني إزاء الوضع الداخلي المتأزم، إضافة لسياسة القروض التي أغرقت خزينة الدولة وفشل التفاوض مع الدول الأوروبية خاصة فرنسا رغم تدويل المسألة المغربية في مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906م، كل هاته التراكمات دفعت المغرب لتوقيع الحماية بعد الضغط العسكري والسياسي… من طرف فرنسا.
ومن جانبه ساهم الباحث يوسف الزيات بمداخلة حول زيارة محمد بن يوسف إلى مدينة طنجة الدولية سنة 1947 «الرمزية السياسية والأبعاد الدبلوماسية»، مبرزا دور الزيارة في إعادة رسم العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الدولة الحامية، كما أنها جسدت المبادرة المخزنية في استرجاع السيادة المغربية على المستوى الدولي وتكسير طوق الحماية، وهو ما يُبَين أن السلطان محمد الخامس كان فاعلا تاريخيا حيث استطاع التكيف مع لحظات حرجة في تاريخ المغرب كما أعاد بناء شخصية المخزن التاريخي.
مداخلة محمد حاتمي، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس،كانت بعنوان «الدبلوماسية المغربية في فترة التأسيس وأدوار محمد الخامس بين (1956/1961)»، وقارب فيها تحدي الدولة المغربية في صنع دبلوماسية بعيدة عن المد الشيوعي والقومي آنذاك، بالموازاة مع تدبير مشاكل الحدود واستكمال الوحدة الترابية، وهو مايبين حسب الأستاذ مستوى الدهاء السياسي للملك الراحل محمد الخامس.
علاوة على ذلك، انبرت مداخلة المحلل السياسي عبد الحميد الجماهري -رئيس تحرير جريدة الإتحاد الإشتراكي- بعنوان «المغرب: دبلوماسية الصدمة قوة النموذج»، إلى التعريف بمفهوم دبلوماسية الصدمة ثم تطرق إلى تطور الدبلوماسية المغربية في الوقت الراهن، مبرزا تشابك وتعقيد قضاياها التي سجلت حضورا قويا في النظام العالمي الجديد.
وكانت آخر مداخلة لإدريس لكريني -أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش- بعنوان «قضية الصحراء ودبلوماسية الخطوط الحمراء»، التي أكد فيها أن ملف الصحراء يؤثر بشكل مباشر على الدبلوماسية المغربية باعتباره المرآة التي يرى بها المغرب شركاءه. كما حدد دبلوماسية الخطوط الحمراء بمحددات سياسية واستراتيجية.مشيرا إلى تغير مفهوم القوة مما هو عسكري إلى مجالات أخرى كقوة الاعلام والاقتصاد والبحث العلمي…مضيفا أن الدبلوماسية المغربية اليوم أصبحت تقوم على الكيف أكثر مما تقوم على الكم انسجاما مع الحضور البراغماتي، دون التفريط في الشركاء التقليديين، فضلا عن محاولة الموازنة مع قضية الصحراء.


الكاتب : تقرير: محمد السعدي

  

بتاريخ : 18/05/2023