معرض الكتاب: سياسة التغييب والانتقائية

 

بعد أن تم تحويل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء للسنة الثانية للتوالي إلى العاصمة الرباط، بطرق ملتوية وتحت مبررات واهية كان مبتداها وباء كورونا، فإن منتهاها مازال مثار تأويلات وتناقضات وتساؤلات، لم يحسمها إلا ما أقدمت عليه الوزارة الوصية يوم الجمعة الماضي 19 ماي، بتهريب ندوة صحفية الى «رواق باب الرواح» خصصت لتقديم الخطوط العريضة للدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب المزمع عقده مابين 2 و12 يونيو المقبل.
وصف «تهريب» لم نطلقه جزافا، بل إن له ما يبرره إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم إخبار وسائل الاعلام بتنظيم الندوة كما كان يتم في كل الدورات، عبر بلاغ تعممه الوزارة أو من تعهد له الوزارة بالتواصل، وقد تأكدنا أن بعض المنابر التي حضرت الندوة ، حضرتَها فقط عن طريق «العنعنة»، ما يفيد صراحة النية المبيتة في إقصاء «المغضوب عليهم» من منابر وصحف بعينها، واستدعاء « الذين أنْعمتَ عليهم»، وهو منطق لا يستقيم وخروج الوزارة في أكثر من مناسبة للإعلان عن تنظيم المهنة وتجويدها والسعي الى بناء إعلام قوي، فهل بإعلام «مُغَيَّب» ستتحقق هذه الإرادة؟ وهل سياسة «مع» أو «ضد» هي التي ستكسبنا رهان الاعلام الحقيقي القادر على تأدية مهامه التي تتعقد اليوم في المغرب على أكثر من صعيد ؟ وهل يمكن أن نكون طيبين وحتى ساذجين لنبالغ في «حسن النوايا» ونقول إننا سقطنا سهوا من مفكرة قسم التواصل بالوزارة (جريدتان وموقع)؟ هذا دون الحديث عن جرائد أخرى غُيبت كذلك.
قد نختلف في تقييمنا لأداء الوزارة، وقد ننتقدها في محطات عديدة أخلفت فيها الموعد مع رهانات ثقافية عديدة، لكننا نتفق حول مركزية الثقافة في كل مشروع تنموي، وحول ضرورة النهوض بصناعة ثقافية وإبداعية تكون محركا للإقلاع وخالقة لفرص النمو والعمل، لكن الاختلاف لايمكن بأي حال من الأحوال أن يبرر الإقصاء، خاصة لجريدة واكبت منذ تأسيسها في بداية الثمانينات الحدث الثقافي بل كانت لفترات صانعة له، كما واكبت مسار المعرض منذ دورته الأولى في 1987 إلى آخر دورة له يونيو 2022. مواكبة لم يمنعنا هذا الإقصاء المقصود من الإقلاع عنها، ونحن نتابع وقائع الندوة عبر الأنترنيت، (والحمد لله على ديمقراطية اليوتيب).
هذه المواكبة غير المباشرة، وبعيدا عن التصريحات والعبارات الرسمية المسكوكة ولغة الأرقام، تدفع إلى الوقوف عند تصريحين يحتملان أكثر من قراءة:
الأول: تصريح رشيد العبدي، رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، حول الاتفاقية التي تجمع مجلس جهته مع الوزارة، حيث ركز – كما فعل في ندوة السنة الفارطة حول المعرض نفسه – على الجانب المادي الذي حسم «معركة» تنظيم المعرض لصالح العاصمة الإدارية، حين صرح أن «الاتفاقية بخصوص معرض الكتاب هي اتفاقية متطورة في المبلغ، وأن البنية المخصصة للمعرض ستكون هذه السنة أحسن وأفخم»، وهو بذلك يلخص 37 سنة تاريخ معرض الكتاب، في الشق المالي والفني فقط.
الثاني: تصريح أسماء اغلالو، عمدة جماعة الرباط، حول بقاء المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط للسنة الثانية على التوالي، أن» الرباط نالت شرف كونها عاصمة للثقافة الإفريقية «، وأن المعرض «هدية كبيرة للعاصمة»، فهل الهدية تُمنَح عن طيب خاطر أم تُنتزَعُ وفي هذه الحالة: مَن أهدى، وباسم مَنْ ؟
العبدي واغلالو عبرا عن شكرهما لمحمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، نظير إبقائه هذا المعرض الدولي بالرباط، لما له من رمزية وفوائد بالنسبة لعاصمة المملكة، فهل الدار البيضاء التي احتضنت 26 دورة من المعرض لا تستحق هذه الرمزية والفوائد؟
الجواب نتركه لتقدير القارئ.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 22/05/2023