هامش خطأ حكومي قدره.. 20 مليون قنطار!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
في ظرف يقارب الشهرين،(من 14 مارس إلى 19 ماي)، غيرت الحكومة تقديراتها حول الحاصل الزراعي للبلاد من الموسم الفلاحي الحالي.
وغيرت، حسب تغير المقام، مقالها، بين مذكرة رئيس الحكومة إلى الوزراء والوزراء المنتدبين والمندوبين السامين والمندوب العام والمندوب الوزاري، رقم 6ـ 2023، المنشورة بتاريخ 14 مارس، والمجلس الوزاري، تقلص الإنتاج الفلاحي من 75 مليون قنطار إلى… 55 مليون قنطار.
ولنا أن نتملىَّ هذا الهامش (الضئيل) في التقديرات والذي يقارب نسبة خطأ بنسبة 20 ميلون قنطار!
ويقول أهل الاختصاص إنه كلما زاد هامش الخطأ، قل اعتقاد المرء بأن نتائج الاستطلاع قريبة من الأرقام الحقيقية!
أما في الحالة الفلاحية للحكومة فإن الأرقام الحقيقية تم تضخيمها عمدا كي يكون هناك تقريب في نسبة النمو يصل إلى 4 ٪!
«زيد الحبوب زيد النمو»، كما كانت تقول جارتنا المتوفاة رحمها لله!
طبعا هذا المعطى، الذي سبق أن أثير في جلسات مؤسساتية، سيتغيَّرعند انعقاد المجلس الوزاري، ويعود إلى حقيقته، أي أن يسلم الجهاز التنفيذي بأن 55 مليون قنطار هي قدرة إنتاج البلاد من الحبوب!
الهامش من الخطأ إذا نزعت منه القصدية والعمدية يبقي مع ذلك طابعه الكاشف عن نوعية التعامل مع حقائق الواقع وتقديرات الموقف.
وفي هذا الباب، لم يكن هناك، إلى حدود المعرض الدولي للفلاحة، ومنها اللقاء الشهري لرئيس الحكومة، حول السيادة الغذائية، ما يفهم منه أن الحكومة تفكر في خطة استعجالية لمعالجة الوضع الفلاحي.
بل لن نجانب الصواب إذا قلنا إن خرجات وزيرنا في الفلاحة كانت ترى المغرب… أخضر ورديا ولا شيء يستدعي الاستعجال أو صفارات الوقاية المدنية وسيارات الإسعاف!
سيتغير الأمر رأسا على عقب، في الجانب الثاني من سوء التقدير، عند انعقاد المجلس الوزاري: وذلك بهامش يبلغ… 10 ملايير درهم هذه المرة!
فقد خصص المغرب، بإيعاز من جلالة الملك، 10 ملايير درهم لمواجهة الوضع الفلاحي في البلاد، ونتج عن المجلس الوزاري المنعقد، يوم الجمعة 19 ماي الماضي، قرارٌ بتنفيذ برنامج لدعم الفلاحين بهذا الغلاف المالي، وفي مسوغات القرار: «دعم الأعلاف المستوردة، ودعم المواد الفلاحية المستوردة، وتعزيز قدرات تمويل القرض الفلاحي من أجل الرفع من تدخله في مواكبة الفلاحين، وتغطية حاجة السوق من القمح اللين».. إلى حدود نهاية السنة!
التقدير الملكي لوضعية الفلاحين، يضعهم في صعوبة مرحلة «الكوفيد» الشاملة في البلاد، إذا ما نحن استحضرنا أن المبلغ نفسه كان هو قوام الصندوق الملكي لمواجهة الوباء!
ويظهر أن الطمأنينة التي كانت تبشر بها الحكومة لم تكن عن تقدير دقيق للوضع الذي يعيشه الفلاحون والمزارعون، ولا سيما الضعاف منهم، والحقيقة أن السيادة الغذائية كما كتبنا من قبل (انظر عمود كسر الخاطر : حق الشعب في الاكتفاء الذاتي والسيادة الغذائية) كان عمادها الأول، في تعريفات الأمم المتحدة والهيئات الدولية خدمة المنتجين الفلاحيين ودولهم، الصغار والمتوسطين، إلى جانب المستهلك!
وإن توسع من بعد وصار يتجاوز الحق في سياسة خالصة لفائدة الفلاحين إلى الحق في الغذاء والإنتاج الفلاحي، أي كل السكان لهم الحق في تغذية صحية، والفلاحون لهم الحق في موارد إنتاج الغذاء، ولعل هذا الشرط هو المتضمن في البلاغ الصادر عن المجلس الوزاري والذي يتحدث عن «دعم الأعلاف المستوردة، ودعم المواد الفلاحية المستوردة وتعزيز قدرات تمويل القرض الفلاحي»! ولا شك أن الانتباه الملكي إلى الفلاح (المدافع عن الملكية وهي الحريصة على تجديد التعاقد معه كل مرة)، يترجم في الوقت نفسه، كما كان الحال مرات سابقة، بإلغاء ديون الفلاحين حماية جماهير الفلاحين من تأثيرات النظام الفلاحي برمته!
وعليه لا شيء ظرفي أو طارئ عندما يتعلق الأمر بفلاحي المغرب الصغار والمتوسطين!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/05/2023