وسط تجمع نسائي مهم معزز بمجموعة من المناضلين، ترأست حنان رحاب بمقر الحزب بشارع صفرو، لقاء تواصليا صحبة الأستاذة الجامعية سعاد بنور، لمناقشة مضامين مقترحات المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة، التي ترافع من أجلها منظمة النساء الاتحاديات.
فبعد جولة عبر التراب الوطني تعدت الخمسين محطة نضالية قدمت خلالها شرحا موضوعيا شاملا، أكدت من خلالها الحاجة الماسة لتغيير المدونة، جاء دور عمالة مقاطعة عين الشق ومناضلاتها ومناضليها ليتعرفوا عن قرب على تفاصيل المقترحات التي يرفعها ويرافع لأجلها الاتحاد الاشتراكي عبر منظمة النساء الاتحاديات، والتي تتم من خلالها المطالبة بإحداث تغييرات مهمة في هذه المدونة، مستحضرة حماية الأسرة، المرأة …الرجل.. والأطفال على الخصوص.
وجاء في تدخل الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات أن المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة تسعى إلى حماية المجتمع، وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة للإصلاح والتغيير، لأن المدونة ليست بالقانون العادي، مشيرة إلى أن هناك تقصيرا في التواصل المواكب لتنزيل مدونة الأسرة، وذلك من أجل شرح مقتضياتها حيث تم تداول بعض الشروحات المغلوطة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، القول في بداية تطبيق بنود المدونة، استحقاق المطلقة لنصف ثروة الزوج، والحال أن مستحقاتها محددة، في حين أن هذا المعنى ما هو إلا تطبيق لمقتضيات المادة 49 من المدونة والمتعلق باكتساب الأموال المشتركة بين الزوجين خلال فترة الزواج . وأشارت رحاب إلى الإشكال الثاني المتمثل في عدم الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة إلى محاكم متخصصة للأسرة، تكون لها موارد بشرية مستقلة من قضاة وكتابة الضبط وكتابة النيابة العامة، مبرزة أن هذا المعطى أثر بشكل كبير على عدم تحقيق أهداف المدونة خاصة على مستوى إجراءات الصلح التي تحتاج إلى وقت كبير، وإلى تفرغ تام من قبل الأجهزة القضائية المكلفة بتطبيق مقتضيات المدونة .
أما بالنسبة للاختلالات المرتبطة بالنص القانوني، فأوضحت الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات أن أولها مرتبط بالمادة 400 من المدونة، هذه الأخيرة تشكل بمفردها مدونة، إذ تحيل على المذهب المالكي والاجتهاد في كل ما لم يرد فيه نص، وهو ما أدى إلى تزاحم مدونتين على أرض الواقع؛ مدونة تتكون من 399 مادة مقننة، ومدونة “عرفية” موزعة على كتب ومصنفات الفقه المالكي لا تستعمل بالضرورة نفس اللغة القانونية. أما ثاني الملاحظات فقد أكدت رحاب أنها مرتبطة بالتوسع في منح السلطة التقديرية للقضاء في بعض الأمور التي كان على المشرع التدخل صراحة ومنع إعمال القاضي للسلطة التقديرية بخصوصه، ومن بينها تقدير المتعة، وإن كان القاضي يسترشد ببعض العناصر التي جاء بها المشرع، الأمر الذي جعل هذا التقدير يختلف من محكمة لأخرى، حتى وإن كانت عناصر التقدير واحدة أو متشابهة الأمر الذي خلق نوعا من التذمر وزعزعة الثقة لدى النساء المتقاضيات في القضاء. إلى جانب تقدير مبلغ النفقة وسكنى المحضون وواجبات الأعياد والمناسبات لسلطة التقدير، وهو أمر غير مرغوب فيه، بالإضافة إلى عدم توحيد المحاكم في تطبيق بعض المقتضيات، إذ اختلفت في تفسيرها ومن ذلك المبرر الاستثنائي أو الموضوعي لمنح التعدد، حيث ذهبت بعض الأحكام إلى اعتبار إصابة المرأة بداء السكري مبررا موضوعيا وكذا عدم إنجابها الذكور.
وإذا كانت الاختلالات السابقة ناجمة عن سماح المدونة للقاضي لإعمال سلطته التقديرية، في حالة تفسير النص إذا كان غامضا أو مبهما، أو في حالة عدم وجود النص، تبرز القيادية، فإن محكمة النقض ذهبت أبعد من ذلك حيث لم تستعمل سلطتها التقديرية في الحالات السابق ذكرها التي يسمح فيها المشرع بإعمال السلطة التقديرية، وإنما خرجت عن صراحة النص وأقرت اجتهادا أصبح هو القاعدة المعمول به من قبل كل محاكم المملكة، هو حرمان الزوجة المدعية التي تطلب تطليقها للشقاق من حقها في المتعة،على الرغم من أن النص القانوني صريح يعطيها الحق في الحصول على المتعة سواء أكانت طالبة للتطليق للشقاق
أومطلوبة. وأكدت رحاب أن الأعطاب التي تعاني منها المدونة كثيرة، سواء المرتبطة بصياغة النص أو في تنزيله حيث يضيق المقام لتعدادها، مشيرة إلى أن هذه الأعطاب أوالاختلالات تعتبر سندا مشروعا وحجة قطعية ومبررا للمطالبة بفتح ورش الإصلاح بغية تجويد المدونة وجعلها مسايرة لمتطلبات العصر لتوطيد الاستقرار الاجتماعي، والنهوض بوضعية المرأة والأسرة؛ وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني، وهو أمر ممكن التحقيق الآن، ودون المساس بخصوصية النظام العام المغربي، وذلك من خلال فتح نقاش هادئ وعميق ومسؤول يسمح بإيجاد نصوص قانونية من شأنها تحقيق التوازن الأسري المنشود في كافة المجالات، من زواج وطلاق ونفقة وغيرها.
وأوضحت الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات أنه إسهاما من المنظمة والحزب في هذا النقاش العمومي، وبعد استعراض الأعطاب التي تشوب المدونة فإنها تدعو إلى ضرورة توحيد إجراءات الطلاق والتطليق ووضع بعض العناصر الثابتة التي يسترشد بها القاضي في تحديد المستحقات المالية المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية، وذلك لتلافي ذلك الاختلاف الحاصل بين المحاكم في كيفية تحديد المستحقات، والعمل على إقرار المساواة بين الأم والأب في كل ما يتعلق بتدبير مصالح الأطفال المعنوية والمادية، من دون تمييز أو أولوية لأحد منهما وتحت مراقبة القضاء. وتوحيد سن الزواج في 18 سنة مع حذف الاستثناء، إلى جانب خلق مؤسسات ترصد لها موارد مالية من أجل المواكبة والمصاحبة المادية والمعنوية للنساء المطلقات مع إعطاء الحق لهذه المؤسسات استرجاع المبالغ المالية التي أدتها من بين يدي الزوج، وذلك حماية وحفاظا على الأسرة من التفكك والانحراف، وأيضا لتجنيب الزوجة أو المطلقة الحاضنة سلوك مساطر قضائية قد تستغرق وقتا طويلا وتكاليف مالية، ومن دون الوصول إلى الحصول على المستحقات المالية المتخذة في ذمة الزوج بسبب تهرب أو تماطل هذا الأخير عن الأداء، وذلك تفعيلا للفصل 32 من الدستور، حيث حسب هذا الفصل تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة.
وأبرزت رحاب أن ما أدلت به يعتبر بعضا من الاقتراحات التي تراها المنظمة ذات أهمية، والتي يمكن من خلالها إغناء النقاش، على أمل الوصول في نهاية المطاف إلى مجموعة من الاقتراحات بغية تجويد وملاءمة النص القانوني مع الاتفاقية الدولية التي صادق عليها المغرب، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، وأيضا لوضع نص قانون يواكب التغيرات السريعة الحاصلة داخل المجتمع المغربي عامة
والأسرة المغربية خاصة، إن إصلاح مدونة الأسرة باعتبارها نصا شرعيا، لن يتأتى إلا من خلال خلق نقاش هادئ وهادف يكون منطلقه الأساسي هو حماية الأسرة المغربية وتحقيق المصلحة الفضلى للطفل. وأوضحت الفاعلة السياسية والحزبية أن مبادرة الإصلاح لا يمكن أن تخرج عن سيناريوهات أو خيارات تتمثل في إمكانية تفعيلها من خلال تدخل ملكي بتكوين لجنة استشارية لاقتراح مراجعة المدونة، تفعيلا لدور المؤسسة الملكية كجهة يبقى لها الاختصاص الفعلي في تحريك المبادرة التشريعية في هذا الموضوع، تفعيلا لمؤسسة إمارة المؤمنين، أو قد تأتي المبادرة من طرف البرلمان أو الحكومة، أو قد تأتي أيضا من خلال تفعيل مؤسستين دستوريتين جاء بهما دستور 2011، وهي فرصة ومناسبة لتفعيل دورهما على أرض الواقع في إغناء القرار العمومي، ويتعلق الأمر بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة المنصوص عليه في الفصل 169 من الدستور، وهيئة المناصفة ومكافحة كلّ أشكال التمييز، خاصة وأن القانون يجعل من بين اختصاصاتهما تتبّع ملاءمة التشريعات والبرامج الوطنية التي تهمّ الأسرة والطفولة وتقديم الاقتراحات أو التوصيات للحكومة أو البرلمان، واختتمت رحاب عرضها بالتأكيد على أنه في مجمل القول، لا يختلف اثنان حول أن المجتمع المغربي راكم رصيدا محترما من تدبير الحوار المجتمعي وتدبير الاختلاف، مما يجعله يدبر لحظات النقاش العمومي بشكل يخدم مصلحة هذا الوطن، لأن الهدف في نهاية المطاف، هو البحث عن الحلول والمقاربات الأسلم والأقرب إلى الصواب في ظل مجتمع له خصوصياته التاريخية والثقافية والحضارية.
من جهتها تطرقت الأستاذة الجامعية سعاد بنور في مداخلتها إلى الجانب القانوني وعلاقته بالدين، وتحرر مجموعة من القضاة في ملفات المدونة على اعتبار أن أحكامهم لا تخالف ما جاء به القرآن الكريم، ورغم ذلك تعرضوا للمساءلة، وأكدت في مداخلتها أنه حان الوقت للتمسك بإجراء تغييرات جذرية بالمدونة، مشيرة إلى أن القوى التقدمية وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي كانت سباقة للمطالبة بإصلاح مدونة الأسرة وعلى غرار ذلك، تطالب منظمة النساء الاتحاديات بالمراجعة الشاملة لهذه المدونة .
هذا وقد جرى تنظيم الندوة من طرف نساء فرع عين الشق لمنظمة النساء الاتحاديات، والتي سيرتها ليلى بوهو المستشارة الاتحادية بمجلس مقاطعة عين الشق، واختتمت أشغالها بتكريم كل من حنان رحاب وسعاد بنور تقديرا لهما على حضورهما لعين الشق، والمساهمة في خلق هذا النقاش الفكري في موضوع يحظى بأهمية مجتمعية كبيرة ويهمّ كل الأسر المغربية.
فرع عين الشق يشارك في النقاش العمومي الذي تقوده منظمة النساء الاتحاديات حول المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة : حنان رحاب: المجتمع المغربي راكم رصيدا محترما من تدبير الحوار المجتمعي وتدبير الاختلاف : سعاد بنور: حان الوقت للتمسك بإجراء تغييرات جذرية بالمدونة
الكاتب : محمد تامر
بتاريخ : 30/05/2023