«تاكسي الغرام» المصري، «تاكسي درايفر» الأمريكي، «تاكسي» الإيراني، «تاكسي البلد» اللبناني، هي عناوين من بين أخرى جمعت السينما بالتاكسي، مثل ملصقنا بطل الحكاية، فلينطلق العداد ونتعرف عليها.
نشأة التوجه المينيماليزي، لم تكن بقصد ترشيد الموارد البيئية والحفاظ عليها فحسب، بل في اعتقادي كانت من أجل الانفلات من سطوة «الكثرة»، في كل ما يحيط باستهلاك المجتمع الحالي، مُفقِدةً إياه التركيز والفهم، سيما سيل المعلومات والأخبار المتدفقة عبر الصورة.
وبدوره لم يسلم الفن من هذا التأثير، إن في الديكور، الموسيقى، التشكيل والتصوير، إضافة للملصقات، هذه الأخيرة التي نادرا ما ينجح مصمموها، في الحفاظ على روح «التقليل»، باعتبارها حاملةً لصفةِ/دورِ الإخبار والإعلام، ولا شأن لها بالفهم والتحليل.
لكن أن تجد ملصقا، ينطوي على البساطة وغنى الدلالات، كملصق الدورة الرابعة، من مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي، فالأمر فعلا يستحق التوقف عنده، والإشادة بمصممته شيماء لحنين.
إذْ يقتصر على عناصر أربعة مرموزة، في تأكيد على عمر الدورة الحالية: سجادةٌ حمراء، طاكسي من النوع الصغير؛ كما كُتب على إطار سطحه، بكرةُ شريط التصوير الضوئي، وقرصٌ للشمس.
كما لا يخلو من رسائل مباشرة، تتضمن نوع الحدث ومكانه وتاريخه.
الناظر إليه يجد راحة في تراكيبه، حيث تتقاطع جميع العناصر في مستوى النظر نفسه، استخدام الألوان الأربعة فيه متوازن، الكتابة خطها عريض، وإضاءته هادئة ذات إيحاء، بأن مصدرها شاشة العرض الكبيرة.
فما الذي يخبرنا به الملصق يا ترى؟!
إجماعا تعني السينما فيما تعنيه، الحركة، اليومي، الحكاية، التجربة، وبالتالي فلا غنى لنا عنها، مثل التاكسي الذي لا نستغني عنه في حياتنا اليومية، فمن منا لم يستقل ولو لمرة في اليوم، التاكسي لإيصاله لوجهته، ومن منا لم يتقاسم بوحه أيا كانت درجة حساسيته، مع الراكبين أو مع السائق، العارف بالاتجاهات والطرق، كما المخرج في البلاتو المتحكم بمسار فيلمه، وما الرجل الظل خلف المقود إلا تلميح لذلك.
بينما يرمز التاكسي الصغير للحرية، فلا محطة ولا وجهة محددة له، صحيح أن للسائق سلطة على العربة، غير أن الزبون هو صاحب قرار الرحلة، لكن هل يمكننا إسقاط ذلك على السينما، بالتأكيد نعم، وعناصر الملصق توحي بذلك أيضا.
لنتخيل جميعا، أن شكل البكرة فوق سطح التاكسي، هي الكاميرا على الشاريو/الحامل، تُصوِّر كل أماكن البيضاء، وما انتثار شريط التصوير الضوئي فوقها إلا إقرار بذلك، كيف لا وهو يمر بكل شوارعها وحواريها، يجر معه تاريخها، مثل البكرة كتقنية للتصوير الكلاسيكي، والسائق هو المخرج، المسؤول عن حكي القصص المنسوجة داخله، ومثلما له كامل الحرية في اختيار تقنيته واتجاهه، فللجمهور/الزبائن الحرية أيضا، في تلقي واستقراء الفيلم.
تركيب البكرة مع التاكسي، يعطيان شكل مسلاط العرض في قاعة السينما، عضّده ضوء المصباحين الأماميين، واللذين يشكلان في الآن نفسه حدودا على السجاد الأحمر، في إشارة لأصفف المقاعد.
أما الرقم التسلسلي أربعة؛ فيحيل على عمر الدورة، بينما لا يحمل أرقاما في اللوحة الترقيمية، ببساطة لأن المهرجان في ملكية كل البيضاويين/ات.
تطالعنا في خلفية الملصق شمس المغيب، حيث تأخذنا إلى ليالي البيضاء الحالمة والسامرة، بعد انفلاتها من وحش النهار، فالشمس في بطاقة تعريفها الفلكية هي نجمة، لذلك فللمتلقي حرية الخيال، في أن يستقي من مفردات عالم السينما لقب النجمة، ويلحقها بالمدينة، بعد أن تتحول في أيام المهرجان، إلى قبلة لاستقبال كل النجمات والنجوم الضيوف.
وبما أن التاكسي الأحمر رمز للبيضاء، فكذلك هي رمز لمهرجان الفيلم العربي، أما عن طرازه القديم فيوحي بالحنين، الذي يثيره فينا لفظ «الفيلم العربي».
قد يقول قائل ان لونه علامة الحنق، الذي يظهر على وجوه الغاضبين من اختناق المرور في المدينة، ومن سرعة الحياة بها، لكنه في الملصق انعكاس للون السجاد وكراسي القاعة، لحرارة الحماسة التي تظهر على محيا الحاضرين/ات، وهم/ن يمشو/ين الخيلاء على السجاد الأحمر؛ يومي الافتتاح والاختتام، أو بعد انتهاء العروض والخروج من القاعة.
ولا يمكن بأي حال، إغفال أهم تمظهرات تجربة الركوب، وهي انتقاد الأوضاع، ففي التاكسي تتم مناقشة كل المواضيع، وهو ما يحصل بعد كل عرض، كنشاط أساسي في المهرجان، أي مناقشة الأفلام؛ من طرف الجمهور والنقاد، مع صناعها.
لكن ما يلاحظ، هو استثناء الفنون والسينما من نقاش العربة، اللهم فيلما أحدث ضجة، لاختراقه أحد الثالوثات المحرمة، فماذا لو صارت السينما حديث المرتفقين بفضل مهرجان، اتخذ من البيضاء موطنا واسما له، هو مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي، فتشيع بين سكانها، أوليس من تعريفات السينما الشعبية.
وفيما يخص المعلومات عن الحدث أعلى الملصق، فالمثير هو شكل حرف الألف الممدودة، المكونة لكلمة البيضاء، إذ هي صومعة مركب محمد زفزاف، في إشارة إلى الشراكة بين المركب الثقافي والمهرجان منذ نونبر 2022، مكان احتضان الدورة السابقة منه.
بيد أن ما يلتمع في الذهن، هو قصدية تكرار الرقم أربعة، على غرار عدد الألوان وعدد العناصر، رقم الطاكسي ورقم الدورة، فنجدها ترمز في روحانيات الأرقام، إلى الاستقرار والصلابة والهدوء والاتساق، استقرار المهرجان بالدار البيضاء، صلابة في تقدمه، هدوء في تأسيسه، واتساق في تنظيمه.