كما كان متوقعا حدث الزلزال التنظيمي والسياسي بالمؤتمر الدولي للاتحاد العالمي للشباب الاشتراكي المعروف اختصارا باليوزي، والذي يعتبر أعرق وأكبر منظمة سياسية شبابية في العالم بتاريخ يتعدى 115 سنة، وبعدد أعضاء يفوق الثمانين عضوا من كل أرجاء العالم، حيث تمكنت الشبيبة الاتحادية والتي تعتبر عضوا كامل العضوية منذ ثمانينيات القرن الماضي من استعادة مقعد حصلت عليه لمرة واحدة في تاريخها داخل منظمة كانت تعتبر من أحصن قلاع شبيبة البوليساريو، فما هي مراحل هذا التطور ؟ وكيف تمكنت الشبيبة الاتحادية من اقتحام آخر حصون شبيبة البوليساريو داخل المنتظم الدولي الاشتراكي والاشتراكي الديموقراطي؟
يمكن أن نعتبر أن مرحلة الثمانينيات كانت هي مرحلة بروز العمل الدولي المنظم للشبيبة الاتحادية فإذا كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عضوا مؤسسا لعديد المنتظمات الدولية منذ مؤتمر القارات الثلاث الى الآن، وإذا كان أيضا أحد أقدم وأهم أعضاء الأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي، وهو ما يفسر تكريم الحزب في مؤتمر الأممية الاشتراكية الاخير كأحد أهم أحزابها، فإن الشبيبة الاتحادية انطلق عملها داخل المنتظم الدولي بعدة علاقات ثنائية مباشرة كان أهمها في فترة سياسية معينة علاقتها مع شبيبات الأحزاب الاشتراكية والقومية العربية، لتنخرط بعدها بشكل طبيعي في الاتحاد العالمي للشباب الاشتراكي، وهي الواجهة التي كانت تعرف سيطرة مطلقة لشبيبة «البوليساريو» بحكم هيمنة شبيبات الأحزاب الاشتراكية والاشتراكية الديموقراطية السكندنافية على المنظمة، وبحكم دعم الطيف الشبابي الاشتراكي لتوجه خصوم الوحدة الترابية المغربية، ومن هنا جاء أول اجتماع تنسيقي بواسطة شبيبة حزب» PSOE « الإسباني لفتح باب انضمام الشبيبة الاتحادية لليوزي، ورغم دخول الشبيبة الاتحادية ورغم إدخالها لصوت المغرب داخل هذا المنتظم الذي يعتبر خزانا لقيادات العالم المستقبليين إلا أن هذا الصوت ظل محاصرا وغير مسموع، وبقيت هيمنة البوليساريو حاضرة وواضحة في قرارات المنظمة حول النزاع وفي تواجدهم الدائم داخل مجلس رئاسة المنظمة المعروف (Présidium) .
بعد هذه المرحلة، وفي ظل صعوبة إحداث اختراقات كبيرة، كانت الشبيبة الاتحادية مواظبة على حضور ما أمكن من المجالس الدولية والموتمرات، حرصا على إسماع صوت المغرب، لكن الأمر كان بدون تأثير داخل «اليوزي» باستمرار سيطرة تيارات معادية للمغرب على أجهزتها وتمويلها أيضا، ويمكن اعتبار أول نقط الضوء داخل «اليوزي» هي تمكن الشبيبة الاتحادية من التوصل إلى توافق حول دخول ممثلة الشبيبة الاتحادية أميمة عاشور سنة 2011 إلى 2013، حينها، إلى لجنة مراقبة «اليوزي»، وهو الجهاز الذي لا يقل أهمية عن «البريزيديوم» حيث أنه هو المسؤول عن متابعة قانونية ونظامية مساطر القرارات والتمويل داخل المنظمة، وينتخب مباشرة من المؤتمر، كما أن مقاعده أقل بكثير مقارنة ب»البريزيديوم» حيث يتكون من 4 مقاعد ولا يمكن تمرير أي قرار دون مراجعته المباشرة، لكن ورغم أهمية الجهاز إلا أن تواجد الشبيبة الاتحادية فيه في هاته الفترة لم يحدث فرقا كبيرا رغم العديد من المبادرات الجيدة التي قامت بها الشبيبة الاتحادية، والتي كان على رأسها تنظيم زيارة ميدانية للأقاليم الجنوبية ومخيمات تندوف تحت إشراف «اليوزي»، وهي الزيارة التي أدت إلى توتر العلاقات مرة أخرى بين الشبيبة الاتحادية و»اليوزي» بعدما تم إقبار تقرير الزيارة، والذي كان في صالح المغرب بإيعاز من الكاتبة العامة المنتخبة حديثا حينها السويدية Evin incer .
مرحلة ما بعد المؤتمر التاسع للحزب
بعد نجاح المؤتمر التاسع للحزب وإطلاق دينامية تنظيمية قوية على مستوى الجهات وعلى مستوى الشبيبة الاتحادية إعدادا لمؤتمرها الثامن، والذي يبقى لحظة مفصلية في تاريخ المنظمة الحديث حيث وبعد انتخاب قيادته وعكس كل التقارير والأحكام، التي كانت تقول إن الشبيبة الاتحادية لن تجد مكانا لها داخل «اليوزي»، قررت هذه القيادة أن تخوض هذه المعركة بنفس آخر، وكانت أولى جولات المعركة في المخيم الصيفي الدولي بمالطا سنة 2014، وعكس كل التوقعات تمكنت الشبيبة الاتحادية من تقويض كل جهود إنجاح اللقاء الدولي للبوليساريو المعنون» western Sahara last colony in Africa»، حيث غادره عديد المشاركين بعدما تم توضيح العديد من المغالطات للوفود المشاركة داخل النقاش، والذي كان بمثابة حرب دون نار أسلحتها المحاججة واللغة والثقة، هنا وفي تلك اللحظة، وفي هذا اليوم، لمحت أول ملامح الخيبة ولأول مرة داخل»اليوزي» على وجه أعضاء «الپوليساريو»، والتي استمرت باستمرار اللقاءات الثنائية للشبيبة الاتحادية التي فاقت 20 لقاء ثنائيا، ورغم كل ذلك استمرت هيمنة البوليساريو، ولكن مع تحسن طفيف لمستوى علاقات وتأثير الشبيبة الاتحادية، ولتتوالى بعدها المعارك بكل من اللجنة الإفريقية بجوهانسبورغ والمجلس الدولي بأرمينيا والمؤتمر الدولي بصربيا والمجلس الدولي بسوسة، مرورا بخيانة وظلم ألبانيا، وهي التي سنعود لها بالتفصيل في سياق آخر وغيرها من المعارك التي كانت تكرس هيمنة شبيبة «البوليساريو» لكنها كانت تؤكد كذلك استمرار الشبيبة الاتحادية في ربح إنشات أو أمتار داخل رقعة الملعب .
ما بعد المينا لاتينا
مباشرة بعد المؤتمر العاشر، وبعد حدوث تغيير كبير كان أساسه سياسي وطبيعي أيضا بحكم تغير التركيبة السنية للجنة العلاقات الخارجية للاتحاد الاشتراكي، جاءت الفكرة بتأسيس منظمة دولية تكون بمثابة ساحة جديدة لخلق علاقات مباشرة بعيدا عن تأثيرات «اليوزي» ولجانها الإقليمية، ومن منطلق ضعف العلاقة المباشرة مع شبيبات أمريكا الجنوبية قررت الشبيبة الاتحادية إعادة بناء مشروع «المينا لاتينا» رفقة شبيبة التكتل التونسي، التي كانت تجمعها بها علاقة جيدة جدا داخل الاتحاد العربي للشباب الاشتراكي، والذي كانت ترأسه شبيبة الاتحاد الاشتراكي في شخص الحسين حسني بالإضافة للشبيبة الفتحاوية من فلسطين، هذا المشروع أي «المينا لاتينا»، كان هو الخطوة التي غيرت كل شيء، فبعد تنظيم أول لقاء تأسيسي في المغرب وانتخاب الشبيبة الاتحادية في شخص منسق لجنة علاقتها الخارجية حينها أيوب الهاشمي شكل اللحظة التي بدأ فيها انهيار البوليساريو، وصعود نجم الشبيبة الاتحادية، ففي أقل من ثلاث سنوات تمكنت الشبيبة الاتحادية وعبر لقاءات بالمغرب وأخري بدول أمريكا اللاتينية والكاريبي من التغلغل بقوة في مجال جغرافي صعب كان حكرا على الخصوم كما أن قوة إشعاعها وتنظيمها جعلتها قبلة لكل شبيبات العالم الاشتراكي، خاصة بعدما تمكنت الشبيبة الاتحادية من عقد علاقات جد قوية مع الكاتب العام الجديد والرئيس الجديد «لليوزي» بالإضافة إلى علاقة شبه أخوية مع رئيسة لجنة مراقبة «اليوزي» بعدما راهنت على دعمهم بكل قوة قبل المؤتمر، وهو الرهان الذي كسبته وأكسبها مكانة مغايرة ظهرت في آخر مؤتمر لليوزي، والذي تمكنت فيه الشبيبة الاتحادية من الحصول على 64 صوتا في سباق مجلس الرئاسة، كما أن القرار المساند «للپوليساريو» حول الصحراء تعدى بفارق صعب جدا لا يتجاوز 10 أصوات وسط امتناع وتصويت رافض من طرف عديد من رفاقهم التاريخيين.
جرس الخطر، نهاية الأسطورة ..
بعد مؤتمر «اليوزي» الما قبل أخير، ورغم انتصار «الپوليساريو» إلا أن كل المؤشرات كانت توضح أن الوضع قد تغير تماما وأن الشبيبة الاتحادية لم تعد تلك المنظمة غير المسموعة داخل «اليوزي»، وأن كل ما هو قادم لا يمكن إلا أن يكون في صالحها، وهنا تجدر الإشارة إلى قوة قيادة الحزب ونظرتها الاستراتيجية، فهي لم تتأثر بخسارة معركة واحدة وكانت واثقة من الوصول إلى الهدف بل على العكس كثفت بشكل أكبر كل أنشطة شبكة «المينا لاتينا»، وأعدت بشكل محترف وقوي لانتزاع مقعد نيابة پيدرو سانشيز داخل الأممية الاشتراكية، وهو الحدث الذي كان حاسما كذلك في فوز الشبيبة الاتحادية بمؤتمر بنما، حيث أن موقع الحزب القوي داخل الأممية وشبكة العلاقات الكبيرة التي نسجتها «المينا لاتينا»، داخل العالم بأكمله، مكنت الشبيبة الاتحادية من الأعداد باحترافية عالية على مستوى المساطر، وعلى مستوى التنسيق حيث كانت جزءا لأول مرة في تاريخها من التنسيق الدولي المتوافق حوله بنسبة فاقت الثمانين في المئة، كما أنها اشتغلت لسنوات من أجل ضمان خروج «الپوليساريو» و داعميها من اي تنسيق حول توزيع المقاعد داخل الأجهزة .
بنما نهاية الأسطورة
في بنما انتهت أسطورة أن «اليوزي» هي للبوليساريو، وأن السكندنافيين لن يسمحوا يوما بتقوية المغرب، في بنما جفت دموع مناضلين وطنيين ومناضلات وطنيات من بنات وأبناء المدرسة بعد الظلم الذي مورس عليهم من العديد من مدعي الشفافية والديمقراطية وحرية الرأي والقرار، اليوم انطلقت حقبتنا، حقبة تفوز فيها الشبيبة ب 95 صوتا في شخص منسقة لجنة العلاقات الخارجية للشبيبة الاتحادية وعضو مكتبه الوطني هند قصيور، وتخسر فيها «البوليزاريو» ب 46 صوتا، لن نبالغ في لفظ الزلزال فكل من يعرف «اليوزي» يوافقني دون تردد، اليوم نضيف «اليوزي» للأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي و»المينا لاتينا» وغيرهم، اليوم نؤكد أننا أهم وأنجح مدرسة حزبية في علاقاتها الخارجية في المغرب، وواحدة من الأهم والأنجح في حوض البحر الأبيض المتوسط والعالم، اليوم نؤكد أننا امتداد لحركتنا الوطنية وقيادتنا التاريخية، وأننا في الصفوف الأولى للدفاع عن كل شبر في أرضنا، اليوم نؤكد أن العمل الجاد والمثابرة والأمل هم أهم أسلحة السياسي في كل أرجاء العالم، لقد علمتنا الشبيبة الاتحادية اليوم أنه لا مستحيل في السياسة، وأن قضيتنا عادلة، وأن أطروحة الانفصال إلى زوال حتى داخل أعتى قلاعهم التاريخية .
(*)عضو سكرتارية العلاقات الخارجية للحزب.