«ذهبنا الى الصين وعدنا من المستقبل» لعبد الحميد جماهري

كيف صنع الحب بحيرة في الصين

 

نعم ذهبت إلى الصين، هذه المرة وكنت ذهبت مسبقا..أصبح الحال غير الحال..ذهبت وأخذتني معك بأسلوبك الرشيق الأنيق، طوفت في مدن وأقاليم ، توقفت عند أشياء وتجاوزت عن أخرى .فمن يلم ببلد المستقبل العظيمة بلد ماو تسي تونغ. الزعيم الوحيد التاريخي للصين الشعبية الاشتراكية..
أقف حائرا من أين أبدا معك مما ابتديت ..؟ أم من أين انتهيت..من الطيران إلى هناك ..أم من البحيرة الأعجوبة الساقطة بعد صراع مع المخلوقات أي مع الحياة ،أم مع الأسطورة. إنها بحيرة صنعها الحب. فتخيل كيف يصنع الحب بحيرة….؟ المهم أنها هاهي موجودة على الأرض بكل جمالها وبهائها فهي الجوهرة المنتزعة لتصبح حقيقة.
وأين..؟ في بلاد كالصين العظيمة. ولعلني أفكر أن أطير لتاريخ البلد العريق. آلاف السنين قبل الميلاد مع سور الصين العظيم والطباع في الألفية الثانية قبل الميلاد…
ولأقف أمام شيء حسرني على حالنا..( عيد القراءة).. في شيامين مقابل فرموزا تشين كاي شيك ، وبلد النظارات الشمسية الأولى عالميا…وكم من أولى عالمية في بلاد العم ماو..
البلد الذي محى الأمية وقضى على الفقر…بلد المليار وأربعمائة مليون..
يتأرجح بي الإعجاب لأشهد معك بلدا تقدم تقدما زراعيا فريدا زراعة الحمضيات والموز في المناطق الباردة. وألهث وراءك لأزور مدينة ابن بطوطة الطنجوي وتمثاله العظيم هناك..وأتوقف أمام منظر القرآن وسجادة الصلاة في غرفكم الفندقية.واتجاه البيت الحرام…فمن أين أتيتم أيها الكذابون بكذبة اضطهاد المسلمين هناك أيها الكذبة .أتوقف مرغما أمام الجوامع العديدة والنظيفة وألعن المزيفين وأذناب الغرب وأكاذيبهم .
بلغتك السهلة الممتنعة وبحرفية الصحفي الحذق رددت على كل الاكاذيب التي انطلقت من محطات عربية وغربية لتدحض كل تلك الاكاذيب..ولتقول إيحائيا:تعالوا وشاهدوا ولا تستمروا في ترديد إشاعاتكم البائسة المفضوحة..
ادخل معك مدينة شنغهاي التي أسميتها مدينة المستقبل .بما وصلت بقطار ممغنط سار بك بسرعة 300 كم في الساعة وهو قادر على زيادتها لتصل الى 500 كم ، ويطمحون ليصلوا الى 750كم أي سرعة لطيارة عادية..إنها مدينة الروبوت بحق ، والثلاجة الذكية التي تخبرك بكل شيء عما يتعلق بغذائك ، والتي حولت الصوت لأحرف.إنها مدينة ناطحات السحاب والمصاعد التي تقطع ثمانية طوابق في الثانية…هل تتخيل ذلك..
جعلتني أيها الحبيب وبأسلوبك الفذ أصعد مع مسبارهم الفضائي الذي لم يرسل للدعاية، بل أخذ معه العلم، فأرى نبتة لقطن تنجح في النمو على سطحه ولازور أو أعرف ولأول مرة أنهم استطاعوا الهبوط على جانب القمر المظلم..إذن هم هنا لا يفاخرون وإنما يتقدمون علميا لصنع مستقبل بهذا العلم وبشمسهم الصناعية.
ورغم كل هذا ركزت على احترامهم للوقت بالثانية والكفاءة وغياب التفاخر والأنا تماما عندهم، والتي تجوب وطننا العربي من محيطه لخليجة وبلا إنجازات تذكر..
وها نحن نرى معاهد التكوين الحزبي..ومعاهد علمية وثقافية لمختلف الأعمار..والأهم من كل هذا، الاهتمام الواضح بالطفولة والشباب مع عين مفتوحة ومن بعيد على كل شيء. فالعدد هائل والمساحة كبيرة..والمؤامرات والدسائس عليهم لا تتوقف..قرأت تواضع العلماء..نعترف بأننا ننقل عن الأخرين..ثم ندرس الشيء ونتفحصه .وبعد ذلك نخترع بعقلنا نحن..
شنغاي المدينة التي كتب فيها ( ماو) وثيقة الحزب الشيوعي الصيني السرية..زمن ما كان ممنوعا..
عرجت أيضا على سياستهم في التعامل مع الدول الأخرى..والتي تقوم على مبدأ الشراكة والمساواة المطلقة..وعدم التدخل في الشؤون الداخلية..
أفهم الآن عبارة نقلتها عن مسؤول هناك…من يكتبون عن الصين يكتبون بعيون مغلقة ويكذبون بعيون مفتوحة..
طور الصينيون نظريتهم الاشتراكية..فخرجوا من ( الصراع الطبقي) ليحطوا في ( تحرير قوى الإنتاج )، وهذا أمر يحتاج لوقفة أمام مبدأين..لا مجال لمناقشتهما هنا..وسموا اقتصادهم ( اقتصاد السوق الاشتراكي).. وهذا أمر آخر يحتاج لوقفات
ووضعت لها أهدافا ثلاثة:
الخروج من دولة مستعمَرة ( بفتح الميم) إلى دولة متحررة..
الثاني: الخروج من دولة فقير ة الى دولة سوق اشتراكية. ..أما الثالث وهو مهم في السياسة العالمية:
الخروج من دولة معزولة الى دولة قوية الحضور دوليا..أي تعددية الأقطاب عالميا كما أفهم.
فهل تحقق ذلك ؟
تأملوا قيمة الصين العالمية الآن. ..كل هذا مع الحفاظ على القيم الأساسية للصين…وهذه ثقة كبيرة في النفس وعدم إهمال خصوصيات الذات الصينية كما أفهم.
ثم وماذا بعد يا «جماهري»
سيعتمدون لتحقيق أهدافهم على ثالوث مقدس:
1-جبهة داخلية قوية.
2-الجيش الثوري ..أي العقائدي.
3-بناء حزبي قوي .
ومن هنا جاء الاهتمام بتثقيف الكوادر باستمرار، مهما كانت رتبة المسؤول..
ثم أجد نفسي فاتحا شدقي كي أشاركك الرد على الابتسامات من الشعب والمسؤولين المتواضعين في كل مكان.. ثم أرطب جوي لأتخيل الجمال الصيني في أعلى تجلياته ونظافته أيضا.
الصينيون لايخجلون من تاريخهم ،ويميزون هويتهم مع تقدمهم الحضاري.
ثم ماهي هذه الإنشاءات والبنايات التي تبدأ من الأعلى وليس من الأسفل كما تعودنا.. هنا أنا ( لخمت) ولم أعد قادرا على التخيل إلا بشكل ضبابي..فأحتاج لأرى لأعرف..سامحك الله يا رجل..! تركتني في حيرة..
في الصين عشرون مليون مسلم ..يؤمهم…حوالي أربعين ألف إمام.
في الصين حزب شيوعي يتشاور مع ثمانية أحزاب أخرى..وحول مختلف القرارات..
كما توقفت تماما أمام عبارات أطربتني..( كان فمها كأضمومة زهرة ) ما أجمل التعبير ..توقفت أمامه وأنا شيخ. ثم وصف لشعر مسؤولة ..( ألحت أن تجعله في قصة وقورة).. وبت أتخيل..قصير حتى ليكاد يلامس رأس الكتف .تم رتبته ليوحي بوقار ما..أرجو أن لا أكون قد أخطات..
..استيراد…تقليد.. ابتكار.. هذه طريقتهم ولا يخجلون..فالابتكار يعني تصنيعا بعقل الصين وروحها..
ثم آه لحرير الصين.. ! كفرشاة سحاب في قصيدة لمحمود درويش..أو كلمسة لشفة امرأة أغواها نزار قباني..وادخلها ربيع اللغة..
عبارات ولا أجمل..
ولم تنس أن تعلمنا كيف نفاوض الصيني الحذق لنأخذ السلعة أحيانا بعشر ما يطلب..
ولم تنس أن تأخذني لمدينة باذخة يتجول الورد والزهر في شوارعها نايننغ إن لم أنس ..ويقولون ..بلد التخلف لأقول معك ..اللهم ارزقنا هذا التخلف..وتصنع المدينة المتخلفة..نصف مليون دراجة نارية سنويا…
ثم لا تكف على أن تبهرني بعبارة..( المشاهد البارعة تتلوى أمامنا بقهقهات من الخضرة ).. فكيف تكون هذه القهقهة..!؟.
ثم كيف يصنع الحب بحيرة؟ والتي مررت على ذكرها سابقا. هذا الأمر يعني تقديس الحب الحقيقي وتكريمه..
إن أطلقت يدي سأتعب في يوهان بلد الثورة الأولى..لكنني أركض وراءك وأنا شيخ فكان لابد أن آخذ شيئا من الراحة..أتوقف لأراجع ، أستسمحك
العذر قليلا..
أطربتني وأدهشتني.. ركضت وراءك آلاف الأميال..وعرفتني على بلد الثقل القادم أكثر بكثير مما كنت أعرف. ..فشكرا.. شكرا..أكررها كثيرا..

(*) كاتب وروائي فلسطيني


الكاتب : إبراهيم الخطيب (*)

  

بتاريخ : 07/07/2023