سعيد العزوزي، رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة

تحديث المخيمات أصبح مسؤولية الدولة بمختلف قطاعاتها

 

تتطلع جمعية الشعلة للتربية والثقافة، إلى جانب الحركة الجمعوية التربوية ببلادنا، إلى موسم التخييم 2023 في جو من التفاؤل والترقب لما ستكون عليه منظومة المخيمات بعد الآمال التي أطلقتها الحكومة في شخص وزير الشباب والثقافة والتواصل بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم، والرامية إلى تحقيق شرط الجودة والتتبع الدقيق للمضامين التربوية بهدف الرفع من جودة الخدمات المقدمة للطفولة واليافعين والشباب.
وبالقدر الذي عانينا فيه من اختلالات كبيرة في تدبير هذا الملف، خلال عقود من الزمن، تمثلت في مسلسل الإهمال الممنهج وتفويت العديد من الفضاءات والتخلي عن أخرى لفائدة لولبيات العقار، ناهيك عن التراجع في أعداد المستفيدين وتقليص مدة التخييم من 21 يوما إلى 10 تم 12 يوما… ، تعيش الحركة الجمعوية ببلادنا ومعها آلاف الأسر المغربية اليوم حدثا تربويا متميزا، يتمثل في افتتاح موسم المخيمات الصيفية بمشاركة أزيد من 400 جمعية وطنية وجهوية ومتعددة الفروع، إضافة إلى لجمعيات المحلية وفروع الجمعيات الوطنية والمؤسسات الاجتماعية المهتمة بمجال التخييم، وهي فرصة لتجديد طرح الأسئلة الحارقة التي ظلت تشكل هاجسا لدى المنظمات التربوية من قبيل: ماهي القيمة المضافة اليوم في مجال التخييم في ظل حكومة تراهن على الخيار الاجتماعي كرافعة للتنمية ببلادنا، وأي موقع اليوم للطفولة المغربية في السياسات العمومية؟ وفي مقدمتها مجال التنشيط التربوي والثقافي والإدماج الاجتماعي الذي يلعب فيه المخيم دورا محوريا من خلال تربية الطفولة وتكوين الشباب على قيم المواطنة وحقوق الإنسان، كما يوفر فرصة للاستجمام والترفيه وصقل المواهب والاعتماد على الذات والقبول بالآخر في سياق التربية على العيش المشترك، وذلك بالوقوف لحظة تأمل في المسار التاريخي للمخيمات الصيفية، وعلى مدار أزيد من 10 عقود من المساهمة في التربية على قيم المواطنة وحقوق الطفل، حيث لعب المخيم أدوارا وطنية هامة تمثلت في التوعية والتحسيس بأهمية التشبع بقيم المواطنة والثقافة المغربية في غناها وتعدد مشاربها كمقوم أساسي من مقومات تاريخ المغرب، إلى جانب تنمية الحس بالهوية الوطنية و صيانتها..
وانتصارا لهده الروح الوطنية، ساهمت الجمعيات التربوية كمكون أساسي من مكونات الحركة الوطنية الديمقراطية في بناء أسس الدولة الوطنية من خلال أوراش كبرى للطفولة والشباب ساهمت في التبشير بمشروع مجتمعي متكامل بهدف الاستثمار الأمثل في الرأسمال البشري على قاعدة المشاركة الواعية والمسؤولة في بناء الوطن و تحديت وتطوير مؤسساته، لتنضاف لهدا المسار تجربة متفردة مطلع ثمانينيات القرن الماضي من خلال تأسيس اللجنة الوطنية للتخييم كفضاء وحدوي لتنسيق الجهود بين مكونات الحركة التربوية ببلادنا وتوحيد المواقف والرؤى و التصورات الرامية للرفع من جودة الخدمات التربوية، إلى جانب الترافع عن مؤسسات الطفولة والشباب وفي مقدمتها فضاءات التخييم …
في هذا السياق التاريخي استطاع المغرب الحفاظ على المخيمات الصيفية واستدامتها رغم كل الإكراهات السياسية والتنظيمية والمالية التي كادت في مراحل مختلفة أن تعصف بهذا الإرث التاريخي والموروث الحضاري لبلادنا باعتباره جزءا أصيلا من مشروع مجتمعي وطني تملكته الجمعيات التربوية وساهمت من خلاله في تربية وتكوين أجيال من الطفولة و الشباب…
وبالرغم من أن واقع الحال أتسم آنذاك ببساطة الفضاءات ومحدودية البنيات التحتية وضعف ميزانية المرصودة ومحدودية عدد الجمعيات المهتمة بالتخييم، إلا أن الحس التطوعي والتشبع بقيم التضحية والإيمان القوي بجدوى الرسالة التربوية، شكل حافزا قويا لجعل المخيم فضاءا حقيقيا للتربية على القيمة الإنسانية، بما هي قيم التسامح و المشاركة والتضامن والاعتماد على الذات والعيش المشترك وقبول الآخر والإيمان بالاختلاف والقدرة على تدبيره وإبراز الخصوصية الثقافية والهوية المحلية والجهوية المكتسبة من العادات وتقاليد واللهجات المحلية وهو الشيء الذي شكل بصمة في حياة ومسارات تعلم أجيال من الطفولة.
اليوم، رغم المجهودات التي يبذلها القطاع الوصي في بناء فضاءات من الجيل الجديد ورغم الرفع من منحة التغذية و و توفير منصة رقمية لتتبع و تدبير المخيمات وفق شروط الحكامة الاجيدة في شراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم ، ‘لا أن العدد لا تتعدى 120 ألف طفل مما يؤكد أن الخصاصات جد مهولة حيت لا نوفر اليوم سوى 1,3% من العرض المفروض توفيره إذا كنا نؤمن حقا أن التخييم حق لكل طفل مغربية ما بين 7 و 17 سنة الذي يصل عددهم ل 9 ملايين طفلة و طفل. وبالتالي فإن أي حديث عن تحديث المخيمات و الرفع من حمولتها أصبح مسؤولية الدولة بمختلف قطاعاتها، ولا يقتصر على قطاع الشباب. كما أن جودة المخيمات تتطلب: اعتبار المخيم مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية نعمل من خلاله بشكل دائم على تجويد المضامين التربوية لمسايرة التحولات الاجتماعية التي تعرفها الإنسانية عموما وبلادنا على وجه الخصوص وملاءمة المضامين مع متطلبات العصر والحاجيات الحقيقة لطفولة ويافعي وشباب اليوم في انسجام مع الهوية و المقومات الحضارية المغربية بالمخيمات كتتويج لعمل تربوي يستمر سنة من الممارسة التربوية الدامجة تحت إشراف نخبة من الأطر التربوية المؤهلة وليس لحظة منفصلة مبنية على مشروع بيداغوجي يهتم بالدرجة الأولى بالمضامين التربوي التي يجب أن تراعي التنوع الجغرافي والتعدد والخصوصية الثقافية لكل فآت المجتمع كما ينص على دالك دستور المملكة في ديباجته.
و لابد من التأكيد على المقاربة التشاركية بين الجمعيات الحاملة لمشروع ثقافي وتربوي تم تجويده عبر سنوات من العمل إلى جانب الطفولة والشباب وما بين قطاع الشباب المكلف بتنفيذ السياسات العمومية في مجال الطفولة والمخيمات على وجه الخصوص من أجل الرقي بمنظومة المخيمات لتستجيب لطموح وآمال فئات عريضة من الطفولة والشباب المغربي.


الكاتب : سعيد العزوزي

  

بتاريخ : 08/07/2023