«المدرسة أو صناعة العقل» لنور الدين البودلالي

هل لاتزال المدرسة قادرة على تكوين العقل؟

قد يقول قائل هي «غير ترجمة»، وآخر أنها لا تهم الشعر أو الحكي وإنما كتابة متخصصة لا تهم سوى أصحابها. هي كذلك: ترجمة تلامس موضوعا تربويا له علاقة بالفلسفة.
كانت فكرة صغيرة، عابرة في أول الأمر، لكنها أخذت تلح على صاحبها وتشاكسه، حتى صارت واقعا ملحاحا. ثم قال: لماذا لا؟ هكذا هو دوما، حتى حين يراسل بعض المفكرين الذين يكتبون بالفرنسية: لماذا لا؟ هي فكرة بسيطة بحجم المغامرة المجازفة في ميدان الكتابة، ثم النشر: ترجمة نصوص موضوعها موحد (فلسفة التربية) وكُتابها متنوعون. إنه الإنجاز البِكر لصاحبه الذي اشتغل ويشتغل على ترجمة النصوص التربوية والفلسفية. كان قد نشر مقالات على صفحات مجلة «فكر ونقد» التي كان يديرها المرحوم د. محمد عابد الجابري، وبمجلة «علوم التربية» وجريدة الاتحاد الاشتراكي وغيرها قبل أن ينتقل إلى النشر الإلكتروني كما هو الحال بالنسبة لـ»المعنى» وغيرها. وبعد الإنتاج البكر، يشرع المترجم نور الدين البودلالي في اتخاذ الخطوات الأولى في إصدار كتابه الثاني «تجديد الفكر البيداغوجي: قضايا نظرية وتطبيقية» الموضوع بين يدي الناشر.
«المدرسة أو صناعة العقل: مقالات في فلسفة التربية»، كتاب صدر في طبعته الأولى سنة 2021 عن دار إديسيون بلوس، وكامل الشكر فيه لمديرها الثقافي عبدالغني عارف.
يتكون المؤلف مما سماه المترجم ب»على سبيل التقديم»، ثم تلاه بعد ذلك تباعا النصوص التالية: تجديد التأمل التربوي فلسفيا لصاحبه دينيس كامبوشنر؛ تأملات كانط حول التربية لفيليب فونتين؛ هل لاتزال المدرسة قادرة على تكوين العقل لفابر ميشيل؛ إعطاء معنى للمعارف لميشيل دوفولاي؛ التربية والثقافة أو مسألة المعنى في عالم استشكالي لدينيس سيمار؛ فلسفة التربية بصدد الكفايات لباسكال سيفيراك؛ معنى المدرسة لفرانسوا غاليشي. وبالرجوع إلى ترجماتهم الذاتية سنجد تنوع زوايا الرؤى ما بين فيلسوف وبيداغوجي ومختص في التربية العامة، وهو ما ينم على تغير في منهجية المعالجة والمواقف المتبناة.
نقرأ في الكتاب: «التربية كمجالٍ بحثي، تطرح على الممارسة اليومية، بالبيت أو المدرسة… وأسواق تقنيات التواصل، عدةَ مشكلات تنتمي للعالم الحديث. نذكر منها على سبيل المثال: الانضباط والحرية، الثقافة والطبيعة، التجاذب الاجتماعي والليبرالية الجشعة. الحقيقة، وكما يظهر، ليست هذه الاصطلاحات وغيرها خاصة بها وحدها. إنها جزء من البناء التراثي للمعرفة الإنسانية، وقطعة من التفكير الفلسفي الواسع. والفلسفة منظومات من الفكر العقلاني الذي يرسخ للفكر النقدي والتحليلي. الفلسفة والتربية ميدانان اندمجا تحت سقف أسئلة إشكاليةٍ تحاول الإجابة وإيجاد حلول لقضايا يعمل فيها التأمل الفلسفي. مسعى فلسفة التربية الرقي بالفعل التربوي إلى درجة يكون فيه الصالح الإنساني وبلوغ أهدافه الغاية المثلى. ذلك أن الفلسفة ومناهجها التحليلية والنقدية تجعل نفسها في خدمة قراءة دائمة ومتجددة للوسائل والمناهج والرؤى التربوية والبيداغوجية، وذلك وفق معايير عقلية تتماشى وتواكب الراهن الفكري الإنساني.»
ما الذي يتبقى قوله بشأن تقديم هذا المنتوج البكر: إن الحوار الذي يحاول الكتاب خلقه بين نصوصه، إنما يأمل في أن يُخلَق بين قرائه، الخاصة أو العامة. ثم إن الترجمة التي قام بها صاحبها هي اجتهاد المأمول منه إغناء مجال يمازج بين الواقع والمجرد، بين تأليف النص في أصله وإعادة تأليفه في لغة مستقبلة، بين تجاذب أطراف نقاش بين مجال تأملي استشرافي وفعل يومي ممارستي.


بتاريخ : 11/07/2023