«رجل بلا ظل» مجموعة قصصية تمزج بين الواقع والمتخيل

كمال العود

تضم المجموعة القصصية «رجل بلا ظل» للقاص المغربي عبد البر الصولدي، إحدى عشرة قصة تتصدر كل منها قولة افتتاحية. وقد فازت المجموعة بالمرتبة الثانية لجائزة الشارقة للإبداع العربي الدورة 23 لسنة 2019.
وقد اختار القاص المغربي عبد البر الصولدي عنوانا دالا، وذا رمزية مستفزة نوعا ما، «رجل بلا ظل» يجعل كل من قرأه، وأجال فكره في خلفياته، يشعر بإحساس غريب، كنتيجة حتمية لما أثاره هذا العنوان من أسئلة عاجلة وقلقة، تعتصر الذهن، وتشقي الذاكرة. بل تربك حسابات القارئ وتوقعاته.
حينما تسافر على متن قطار «رجل بلا ظل»، تظفر بغنى وتنوع التيمات والظواهر التي تحتفي بها المجموعة والتي تشكل سردا قصصيا متعدد الألوان والأشكال في لوحة حكائية منفردة.
قضايا عديدة تضمها المجموعة أعطت للكتابة القصصية عند عبد البر الصولدي طعما لا يخلو من سمات وخصائص، فقد مزج بين الواقع والخيال خدمة للوعي والمسؤولية في تناول قضايا البيئة، المجتمع، السياسة، والعلاقات الإنسانية ليرسم لنا لوحات سردية حكائية أخاذة وهادفة.
إن قصص المجموعة، قد اتكأت على اتجاهات متنوعة، يكفي أن نومئ لبعضها، ففي العديد من النصوص تعتمد في بنائها على «الاتجاه الواقعي» بحيث نلمس أن القاص يحاول أن يشخص أعطاب المجتمع. فالنص عنده صورة غارقة في القتامة والسلبية، مستخلص من قاع الواقع ومن درك المجتمع وتمثله، شخوص أحكم فيهم الجهل والتخلف كشخصيات قصتي «الاختيار الخطأ…الاختيار الأخير» و»جلد الغزال». فالقصتان تتأرجحان بين مرارة الحياة وغواية الموت، يعالج فيهما القاص جدلية الجهل والمعرفة وثنائية الحكمة والخطيئة والجسد والروح، وعلاقة الأنا بالآخر كعلاقة «با حمد» بزوجته التي تميزت بعدم الاستقرار مما دفعه للانتحار كوسيلة للخلاص.
مما سبق، فالواقعية منحت للقارئ جوا فريدا من اللحظات المشحونة بالترويع الذي يعيشه ويحلم بالخلاص منه، لكنه -القارئ- لم يفكر في قراءة بؤسه يوما. وبشكل عمل قصصي رصين «فالحياة بلا مرادف، لكن أضدادها كثيرة، الحياة واحدة بالروح ومتعددة بتعدد من يعيشها، الجسد وحده يحمل ذكرى الحياة حتى بعد الموت» ص 94.
من الأمثلة الدالة على توظيف «الاتجاه الفانتازي» الممزوج في أحيان كثيرة بالتهكم، ما جاء في قصة «مجد ذبابة» ليؤكد امتزاج حدث واقعي بسيط «قتل ذبابة» بالمعنى الشمولي لحالة سلوكية مقصودة. فالقصة تدور حول انقراض الذباب، وما لذلك من عواقب على الوضع البشري، رغم جهد الإنسان لإعادة الحشرة لواقعها «بعضهم الآخر صار يقدم القرابين الإنسانية لعل هذه الحشرة تظهر من جديد، يذبحون شخصا ويعلقونه أمام أشعة الشمس لكي يتعفن بشكل سريع، لعل الذباب يستجيب» ص30، لكن الخط الإبداعي للقصة لم ينته عند هذا الحد، بل امتد إلى ما هو أبعد من انقراض الذباب، ليصبح الحادث التافه «كنت جالسا ألمس بلساني سني المنخورة بفعل السوسة، عندما لمحت ذبابة على جهاز التلفاز، فقمت بقتلها على الفور» (ص 27) .مجرد خيط رفيع يربط بين سلوك الإنسان والموجودات «كنت أعتقد أن الإنسان هو أهم كائن في هذا الوجود، لكن اكتشفت أنه أخطر ما فيه، والذي لا يتسبب إلا في المصائب» (ص29 ). فقد أجبر القاص القارئ على الاندماج والإحساس بوطأة الظرف القاسي للبشرية، رغم تفاهة سلوكه «صار الإنسان هو من يزعج الذباب» ص 30، إلا أن صياغة القصة رغم بساطتها تحولت إلى حكاية مأساوية لها بداية ووسط ونهاية.
أما قصة «رجل بلا ظل» التي تشير إلى عنوان المجموعة القصصية، فهي أيضا من وحي ما يفرزه الشارع المغربي من إبداعات خاصة، لا يحق لقاص مهتم بتفاصيل حياة البسطاء أن يتجاهلها، لا سيما إذا كان من الذين يقضون ساعات من يومهم في رصد التفاعلات الإنسانية، ويرقب عن كثب سلوكيات العامة من أهل المدن. فالقصة مبنية على صور عابرة يلتقطها القاص لرجل بائس يعيش حياة غير مبالية «وما شأني بذلك ما دام لم يلحق بي أذى. فهذا لا يعنيني» ص105.
وهكذا، فالقصة تلخص الواقع المرير للإنسان الحديث والفردانية المفرطة والتي تثير الشفقة بلا أحكام مسبقة أو تزييف لصورة الحقيقة لواقعنا المعاصر. أما البناء الفني في المجموعة، فهو أقرب إلى الواقع، حيث نجد القاص قادرا على أن يرسم شخوص قصصه، بحدود تعترف بما هو واقعي ومنطقي.
وبالرغم من واقعية المجموعة من حيث رسم الشخصيات، فإن الكاتب تمكن بلغة لها دلالتها الخاصة، من أن يرسم تاريخ كل شخصية، دون فيض لغوي، أو إسراف ليمكن القارئ من تبرير تصرفاتها، تجاه نفسها، وتجاه العالم.
إن المجموعة القصصية «رجل بلا ظل» تجعل القارئ ينخرط في أحداثها بما تحمله من تيمات تلامس عدة ظواهر اجتماعية، بيئية، وسياسية. فهي علاوة على أسلوبها المتفرد الذي يمزج بين الواقعية والفانتازيا، ترسم لنا الإنسان الخير والشرير ضمن فضاءات تنتمي إليها. القصة القصيرة، هي بمثابة مادة حكائية تعالج التطلعات، والطموحات السياسية، والاجتماعية والوجودية.


بتاريخ : 11/07/2023