تلوذ إليها الأسر بكل مكوّناتها خلال فترة الصيف ومناطق إسمنتية محرومة منها بشكل كلّي
ما أن تشرع درجات الحرارة في الارتفاع معلنة عن قدوم فصل الصيف ومغادرة التلاميذ لأقسامهم الدراسية بسبب العطلة، حتى تشرع الكثير من الأسر القاطنة بالأحياء الشعبية تحديدا، في ظروف سكنية صعبة، يطبعها الاكتظاظ، وسوء التهوية وغيرها من معيقات السكن الصحي، في البحث عن ملاذ لها في الشارع العام، خاصة بالنسبة لمن لا يتوفرون على إمكانيات مادية للسفر.
أسر، تضطر للهروب من حرارة الجو إلى البحث عن ملاذات مختلفة، خاصة الحدائق والفضاءات الخضراء، حيث تتواجد الأشجار لكي تنعم بظلالها وبالجو الذي تعمل على تلطيفه في محيطها، وحيث يمكن للصغار اللعب في أمن وطمأنينة داخل مساحاتها، وهو ما يجعل من هذه الفضاءات المعدودة على رؤوس الأصابع قبلة لكل الفئات العمرية من الرضيع والطفل إلى اليافع والشاب، مرورا بمتوسطي الأعمار فالمسنين.
وضعية كان من الممكن أن تكون طبيعية لو كانت هذه الحدائق متواجدة بالعدد الكافي، وتتوفر على كل مواصفات الأمن والسكينة من إنارة ونظافة وغيرهما، لكن واقع الحال يؤكد عكس ذلك. فضاءات خضراء ذات أهمية إيكولوجية كبيرة، إما أنها نادرة أو تعاني من الإهمال والتهميش أو مقفلة لا يستفيد منها المواطنون، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول استمرار هذه المعاناة، التي تكون بشكل أكثر حدّة في الأحياء الشعبية، خلافا لما يتم القيام به في بعض الأحياء الراقية، كحديقة «فيلودروم» و «الجامعة العربية» و «المعاريف» و «آنفا – القطب المالي» وغيرها، التي ومع ذلك يظل حدود امتدادها ضعيفا مقارنة بحجم الاحتياجات والخصاص.
خصاص تعرفه العديد من الأحياء البيضاوية ومنها حي درب السلطان، كما هو الشأن بالنسبة لساكنة حي الداخلة، والبلدية، وبوجدور، والسمارة، وبوشنتوف، دون الحديث عن باقي الأحياء الأخرى، بالرغم من وجود حديقة «مردوخ» البعيدة عن عدد من مواطني هذه الأحياء، الذين كان منهم من يتوجه إلى الفضاء الذي كانت تحتضنه ساحة سيدي محمد بن عبد الله «الشوّاية» الذي يعرف تعرف تهيئة حاليا، والذي وبكل أسف كان فضاء يعج بالنفايات المختلفة ويعرف سلوكات خادشة، وغيرها من السلبيات التي كانت لا تساعد على التوجّه إليه بالشكل المطلوب. ثم هناك حديقة المسجد المحمدي التي تشكّل متنفسا للمنطقة والتي تظل غير كافية لاستيعاب كل السكان وزوار المنطقة، والتي كان من الممكن أن يخفّف الضغط عنها فضاء «رياض سيدي عقبة» المطلّ على شارع محمد السادس بمحاذاة «رحبة الزرع» ومحطة القطار القديمة، والذي يعد أول فضاء يستقبل من يلجون إلى منطقة الأحباس قادمين إليه من «طريق مديونة سابقا»، لكن إغلاقه في وجوه المواطنين لسنوات عديدة يطرح أكثر من سؤال عن الأسباب التي دفعت إلى ذلك، وما الذي يحول دون أن يكون محتضنا للساكنة والزوار على حدّ سواء، خاصة وأنه في منطقة تغري بالجلوس والاستمتاع بجمالية الفضاءات المحيطة به؟ ليبقى الملاذ في ظل كل هذا الخصاص هو الحديقة التي تم إحداثها بجوار المؤسسة التعليمة «خناثة بنت بكار» المطلة على مدارة «بنجدية» والعمارة المعروفة بـ «17 طابقا».
وضعية تزداد سوء واستفحالا، وتعاني منها مختلف الاحياء، فحي لاجيروند بمقاطعة مرس السلطان الذي عرف تشييد إقامات عديدة في إطار ما يسمى بـ «السكن المتوسّط» والذي يحتضن كثافة سكانية مهمة، هذا الحيّ برمّته من مدارة «شيميكولور» إلى «الثكنة العسكرية» ومن «كراج علال إلى سجن «عين البرجة» في الاتجاهين معا، إما صعودا أو نزولا، لا يتوفر على أية مساحة خضراء، مهما بلغ «قطرها»، وهو ما يعني تغييبا تاما لاحتياجات المواطنين وعدم استحضار لها من طرف المسؤولين الجماعيين والسلطات المحلية، حتى إشعار آخر؟