تعتقد إسبانيا دائما أنها تفهم المغرب وتتملكه معرفيا، وبالتالي هي لا تبذل جهدا لتحيين المعطيات المتعلقة بصورته في مخيلتها
إن عدم المعرفة بالتاريخ الإسباني الحديث لن يعطينا فهما موضوعيا لعلاقة إسبانيا بقضيتنا الوطنية
تفصلنا ساعات قليلة عن الانتخابات التشريعية الإسبانية، التي ستعطينا صورة عن التشكيلة السياسية التي ستقود بلاد الجوار الشمالي في الفترة المقبلة. وهي مهمة للغاية بالنسبة للمغرب، سواء في قضايا العلاقات الثنائية، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وإنسانيا، أو في مجال العلائق المتعددة الأقطاب، والتي تمثل الوضع في غرب المتوسط والعلاقة بين القارتين الإفريقية والأوروبية، ثم علاقة المغرب بالاتحاد الأوروبي، الذي تتولى إسبانيا رئاسته!
ولعل أهم نقطة تهم الرأي العام المغربي هي النقطة ذات الصلة بالقضية الوطنية المركزية، الصحراء المغربية. لا سيما بعد التطورات الحديثة التي عرفتها، والتي زادت من حجم الدعم الدولي في العالم. ومع وجودها في قلب السجال الانتخابي بين القوتين الرئيسيتين، الاشتراكي الإسباني والحزب الشعبي.
لفهم أكثر دقة، مبني على التحليل والاستشراف، حاورنا الدكتورمشير القرقري، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعضو لجنة العلاقات الخارجية، وهو إلى جانب ذلك أحد المتتبعين، فهما وشغفا، للأوضاع في الجارة الشمالية كما في الدائرة الإسبانوفونية، كانت في القارة الإفريقية، أو في أمريكا اللاتينية.
مشيج القرقري، شارك في مهام ذات الصلة بالتطورات الأساسية في القارة السمراء وفي أمريكا اللاتينية، سواء كعضو نشيط في لجنة العلاقات الخارجية للحزب، العاملة تحت إشراف الأخ الكاتب الأول وبتوجيه منه، أو باعتباره عضوا متابعا لمجريات تطور الاشتراكية الإفريقية، تلك العضوية التي قادته إلى العديد من الدول الإفريقية.
للبحث عن أجوبة للأسئلة التي تشغل بال المغاربة، عموما، والاشتراكيين الديموقراطيين خصوصا، توجهنا إلى الأخ مشير القرقري، فكان الحوار التالي:
إدارة التحرير
o o الأخ مشيج القرقري، تتابعون دوما الحياة السياسة الإسبانية، وكما هو معلوم جرت الانتخابات المحلية منذ أسابيع وعرفت تراجعا كبيرا للحزب الاشتراكي وتقدم اليمين الشعبي.. كيف تقرأون هذه النتائج؟
n n تراجع الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني PSOE في الانتخابات الجهوية الإسبانية الراهنة يبقى غير مفهوم عند رصد النتائج على مقياس الإنجازات المحققة على أرض الواقع سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي.
التشغيل وبرامج اقتصادية واجتماعية يمكن تلخيصها هنا :
عدد منخرطي الضمان الاجتماعي فاق 20 مليون منخرط لأول مرة.
الرفع من الحد الأدنى للأجور بشكل غير مسبوق.
الرفع من تعويضات التقاعد تماشيا مع مؤشر ارتفاع المعيشة.
مجانية النقل في الخطوط المتوسطة المسافات.
دعم الشباب والطلاب بمنح ومساعدات استثنائية.
دعم صغار الفلاحين وتعويضهم عن الخسائر في زمن الجائحة.
أو الإجراءات المتخذة بعد أزمة وباء كورونا، والتي أثرت في النسيج الاقتصادي الأوروبي عموما، حيث استطاعت إسبانيا مع حضور الحزب الاشتراكي في قيادة الحكومة التقليل من وطأة الجائحة، كما أن الحضور القوي للحزب الاشتراكي على الساحة الأوروبية أعطى إسبانيا مكانة متميزة في قيادة الاتحاد الأوروبي والتأثير في قراراته، إن هذه المفارقة التي طبعت النتائج الراهنة تدفعنا إلى محاولة مقاربة موضوعية للسياسة عند الجارة الإسبانية من مداخل ومنظورات مختلفة، فأولا هناك بزوغ عامل استقطاب سياسي جديد للقوى السياسية المعارضة قائم على توجيه خطابها التعبوي الانتخابي جهة شخص رئيس الحكومة السيد بيدرو سانشيز، تواضَعَ الرأي العام الإسباني على تسميتها بالسانتشيزمو EL SANCHISMO, ، أي تركيز مظاهر الخطاب السياسي في الحملة الانتخابية الراهنة على شخص الرئيس، وهو أمر غير معهود في تاريخ التباري الانتخابي في الديمقراطية الإسبانية المبني على مقارعة البرامج الانتخابية، الأمر الذي يشير بوضوح إلى تدني المستوى السياسي في تمظهراته الخطابية الراهنة في إسبانيا المعاصرة كلها وفي جميع الاتجاهات، عكسته المناظرة الانتخابية بين pedrosanchezوFeijóoيوم 310/07/202، والتي أظهرت بعمق أزمة الخطاب السياسي الإسباني، الذي تحول إلى ميكانيزم دفاع أمام تحولات كبرى عرفتها البنية الاجتماعية الإسبانية، والتي صاحبتها تشريعات مثيرة للجدل، واهتزازات تاريخية عميقة مست المواقف الجيوسياسية للدولة الإسبانية ضمن محيطها الإقليمي والجهوي.
o o أعقب ذلك إعلان بيدرو سانشيز إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، في أي سياق تدخل هذه القرارات، هل هو تاكتيك انتخابي، وما هي عواقبه في نظرك؟
n n لا يمكن فهم قرار الحزب الاشتراكي العمالي هذا إلا ضمن تفصيلات جد دقيقة تُحددها، فالنتائج غير المحسوبة والمباغتة للانتخابات الأخيرة عجلت بقرار بيدرو سنشيز رئيس الحكومة، أولا لعدم ترك مساحة زمنية معتبرة للخصوم السياسيين للاستثمار سياسيا، عملية التراجع التي شهدها الحزب الحاكم والانتفاع إعلاميا بالتقدم الذي حققوه على المستوى الانتخابي، مع حصر إعلان قرار الانتخابات السابقة لأوانها في فترة موسمية يصعب على الخصم الرئيسي فيها، وهو الحزب الشعبي تحريك آلته الانتخابية المالية الحاسمة، لذا كان تركيز السيد بيدرو سانشيز على فترة الصيف لإجراء عملية الانتخابات السابقة لأوانها، له أهمية خاصة، كما أن المرحلة بالنسبة للحزب الاشتراكي العمالي دقيقة تتطلب إعادة فرز المواقف داخل التحالف اليساري بتوضيب العلاقة ووضوح نسبة المواقف إلى كل طرف مشكل لهذا التحالف، عوض التركيز على نَسْب القرارات وبعض الإجراءات المتخذة إلى شخص رئيس الحكومة وحزبه، خصوصا في ما يخص القوانين الجديدة المتعلقة بالحريات الفردية. يتزامن ذلك مع فترة رئاسة إسبانيا الدورية للاتحاد الأوروبي واستثمارها في دعم حضور الحزب على الصعيد الأوروبي في ظرف تعرف إسبانيا فترة جد مهمة على الصعيد الاقتصادي، إذ تعرف مؤشرات سوق الشغل منعطفات تصاعدية في الرسم المبياني على الصعيد الأوروبي . كل ذلك للحفاظ في أسوأ الأحوال على المستوى الحالي للنتائج الانتخابية، التي لا تخول معطياتها للتحالف اليميني تشكيل أغلبية مطلقة، إذ لن تتجاوز حسب النتائج الحالية نسبة 40 % من الأصوات، وما تعكسه من مقاعد داخل الكورتيس الإسباني، وداخليا فقرار إجراء انتخابات سابقة لأوانها يبقى عاملا مساعدا لبيدرو سانشيز على مستوى الحياة السياسية داخل الحزب الاشتراكي، لحد وحصر التداعيات الممكنة والمحتملة للنتائج الراهنة على وحدة صف الحزب وقوته، وسد الباب أمام أي مساومات ونزعات مشككة قد تؤثر على أداء الحزب.
o o ما هي توقعاتك عن التشريعيات التي ستجرى في 23 يوليوز الجاري؟
n n تشير النتائج التي أفرزتها الانتخابات الراهنة، وكل استطلاعات الرأي إلى استحالة تشكيل أغلبيات مطلقة، وكل المعطيات المتعلقة بها تخلص إلى أن الفروقات بين قطبي رحى العملية السياسية بإسبانيا الحزب العمالي ونظيره الشعبي، ستكون محصورة في غالب الأحيان بين 5 إلى 10 مقاعد، كما أن جميع المعطيات تذهب إلى ما لا يدع مجالا للشك أن الحزب الشعبي قد يتفوق على غريمه الحزب الاشتراكي بفارق عددي محترم ستكون خلاله لعبة تشكيل الحكومة محكومة بالنتائج المحصل عليها لدى الأحزاب الأخرى» فوكسVOX «و»سومارSUMAR «، والكلمة الأخيرة ستعود للأحزاب القومية والجهوية بكاطالونيا»ERC «، وإقليم الباسك»PNV-BILDU «أيضا، ونحن نعرف أن ما أحبذ تسميته بالمناطقية عوض الجهوية بإسبانيا قائمة ومحددة للمسار الانتخابي والسياسي لإسبانيا الراهنة، مادامت هذه النزعة عاجزة عن بلورة تيار وطني عام، وأصبحت محددة وفاعلة بشكل كبير بعد الانكماش الذي عرفه الاقتصاد العالمي مع بداية القرن الحالي في قضية كطالونيا، في حين تستمر كما الظاهرة اللصيقة بتاريخ إسبانيا ولو بطريقة مضمرة أحيانا وعلنية أحيانا أخرى، ألا وهي مطالب مناطق الباسك، وأصبح الخطاب المناطقي يخترق بشكل جدي حتى الأحزاب الكبرى، وهو لصيق بتاريخ إسبانيا ويؤثر في نظرة النخبة السياسية للجار المغرب في مشكل علاقته بتفصيلاته الترابية.
وتشير المعطيات الخاصة باستطلاعات الرأي إلى تقدم متواصل لحزب «سومارSUMAR « على غريمه حزب «فوكس VOX» ، فيما يبقى الفارق قارا بين الحزبين الرئيسيين، إذ أثرت المناظرة السياسية المتلفزة التي أجريب بين القائدين السياسيين بيدرو سانشيز وفيخو على أمرين مهمين، إذ عرفت هذه المناظرة أدنى نسبة مشاهدة تاريخيا، وحملت معها أسلوبا جديدا في الحجاج السياسي، فعوض أن يحاكم رئيس الحزب الشعبي النتائج المحققة على أرض الواقع خلال فترة حكم الحزب الاشتراكي ذهب إلى إدانة عملية إنجازها، حتى بالنسبة للقرارات السيادية المتخذة خلال هذه الفترة وأهميتها الاستراتيجية الاقتصادية والعسكرية والجيوبوليتيكية الواضحة على موقع إسبانيا الدولي، فإن محاسبتها تمت من خلال محاكمة وسائل اتخاذها وليس من خلال وقعها الاستراتيجي متحججا بغياب نهج المشارب المؤسسية في اتخاذها، إذ يبدو أن غرض المعارضة هو ضرب طرق اتخاذ القرار، الذي غيب الشعب وليس القرار في حد ذاته، حيث حاول خطاب رئيس الحزب الشعبي أن يقدم نفسه، خلال هذه المناظرة، على أنه الرجل الذي يعيد الاعتبار للممارسة السياسية بالعودة إلى الشعب، وإدراج هذا الأخير في القرار السياسي بشكل يحاول من خلاله أن يقدم حزبه كذلك باعتباره الممثل الحقيقي لديمقراطية تشاركية تصحح زيغ التمثيل النيابي بإسبانيا وفشله، ويظهر من خلالها أن الحزب الشعبي يعيد للشعب سيادته بناء على هدف تسميته وجوهر ولادته ومصوغ وجوده.
o o يعتبر المغرب قضية إسبانية داخلية، وقد احتلت العلاقة معه حيزا كبيرا في السجال الانتخابي، في نظرك أي تأثير سيكون لهذه الانتخابات على العلاقات التي عرفت تحولات تاريخية وتحسنا كبيرا ؟
n n الانتخابات الراهنة محطة أساسية لإعادة النظر في حضور المغرب في ماكينة إنتاج الشغف السياسي وإثارة نزوعات الناخب الإسباني، ويمتزج الملمحان بالخطاب القومي وبالممارسة السلطوية والحلم الإمبراطوري، من خلال دغدغة المشاعر القومية وإعادة قراءة سلسلة من الأحداث التاريخية على مدد زمنية مختلفة، وتوظيفها حسب السياقات الراهنة، إذن فالمغرب عموما هو الموضوع الأكثر إثارة للاهتمام لدى الناخب الإسباني يحضر مثقلا بالكليشيهات والإثارات في الحملة الانتخابية للمعارضة، ويحضر شريكا لإسبانيا في عدة ملفات اقتصادية باعتبارها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، وفي قضايا الهجرة ومشكل الثغور المحتلة. تعتقد اسبانيا دائما أنها تفهم المغرب وتتملكه معرفيا، وبالتالي هي لا تبذل جهدا لتحيين المعطيات المتعلقة بصورة المغرب في مخيلتها، تستند المعرفة الإسبانية بالمغرب إلى تاريخ طويل من المناكفة .
فمنذ مجيء بيدرو سانشيز إلى رئاسة الحكومة عرفت العلاقات المغربية الإسبانية نقلة نوعية في مضامين المقاربات المتعلقة بالملفات الكبرى المشتركة، وتحكمت الاستراتيجيات الكبرى المشتركة في النظر للتفصيلات العالقة، وهو ما أكده رئيس الحكومة الإسبانية مرارا بالقول إن علاقة إسبانيا بالمغرب علاقة استراتيجية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويبقى المغرب شريكا أساسيا لإسبانيا من الناحية التجارية، والولوج الاقتصادي إلى قارة مهمة بحجم إفريقيا، والأمن، ومكافحة الإرهاب، وسياسة الهجرة، إن سياقات إيجاد تعاون مثمر مع المغرب في قضايا تهم المجال المتوسطي في أغلبها يمر، كما هو واضح، مما استوعبته إسبانيا من تأمين المغرب لعمقه الجيوتاريخي، بل إيجاد حل نهائي لنزاع مفتعل يضفي بظلاله على التعاون الأمني الأفقي بين البلدين، هذا ما جعل إسبانيا بقيادة الحزب الاشتراكي تتوخى العقلانية والصواب بشأن قضية الصحراء المغربية حيث أكد رئيس الحكومة الإسبانية أن بلاده تتبنى «موقفا إيجابيا»، معتبرا المبادرة المغربية للحكم الذاتي «الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع». مستندا في هذا السياق إلى توجه عالمي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي والبلدان الأوروبية الرئيسية بدعم مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007. إن إسبانيا المثقلة بتاريخها العصي على التشريح، فقد اختلف العديد من المؤرخين في تفسير الأسس الناظمة لبنية التاريخ الإسباني بسبب الإشكاليات المرتبطة ببناء الهوية الإسبانية الحديثة، التي ابتدأت منذ حروب الاسترداد وتعقدت بعد طرد الموريسكيين واضمحلت بعد فقدان المستعمرات بالعالم الجديد، وتعكس رواية «دونكيشوط» هذه المراوحة القاتلة التي تعجن الذات الإسبانية بين الأهداف والتضحيات الكبرى والنتائج المفزعة، وبين طموح الهوية الواحدة والانسياقات القاتلة نحو المناطقية والاستقلال، وهو ما أثر على رؤية اسبانيا لتاريخها وذاتها وإسقاط إشكالاتها الهوياتية لفهم الجوار خصوصا مع المغرب.
إن عدم المعرفة بالتاريخ الإسباني الحديث لن يعطينا فهما موضوعيا لعلاقة إسبانيا بقضيتنا الوطنية، ويعكس هذا الوضع تتبع التعريفات التي تنازعتها الدساتير الإسبانية للهوية الإسبانية لمعرفة مشكل الرؤية للعالم التي تحكم اللاوعي السياسي الإسباني، فمنذ عودة الملكية البوربونية مع الملك ألفونصو الثاني عشر سنة 1874، وبعد الجمهورية الأولى سنة 1873، وإلى غاية إعلان الجمهورية الثانية سنة 1931، توقف آباء الدستور الإسباني دائما أمام عقدة التعريف الممكن للشعب الإسباني، وأثناء صياغة دستور الجمهورية الثانية، وهو السادس بعد دستور 1812، توقفت لجنة صياغة الدستور طويلا وبدت عاجزة عن تعريف الشعب الإسباني في الباب الأول من دستور الجمهورية. وما كان على رئيس الحكومة آنذاك كانوفاس دي الكاستيجو الذي علق قائلا: “الإسبان هم الذين لايمكن أن يكونوا شيئا آخر”. هل تعرف ما معنى أن تعرف نفسك بهذا الشكل؟ هو ذا حجر الزاوية في فهم المنطقة الرمادية التي ينظر منها الإسبان ذاتهم في علاقتهم بالغير، هذا الأمر نفسه استحوذ على انشغالات النخبة السياسية الإسبانية في دستور 1978، بعد موت فرانكو، ولا بد أن أفتح قوس هنا لتعضيد ما سبق ذكره، فإذا كان عبد الله العروي قد اعتبر أن إسبانيا اختزلت التجربة الليبيرالية تحت حكم فرانكو، فإن النخبة السياسية بعد فرانكو باعتقادي، لم تستفد من تجربته الموحدة التي حاولت اختزال، بالقسر، مدة معتبرة من الزمن، حيث يجب الاعتراف أن تصفية إرث فرانكو تلازمت مع عودة الخصوصيات المحلية شبه القومية أو القومية دون فهم فلسفي قويم للتجربة الفرنكاوية، بل نجد أن المشروع الديمقراطي الإسباني بني ضدا على مكتسبات الوحدة بعد الحرب الأهلية لسنة 1936، فانحاز سياسيو مشروع دستور 1978 إلى الاعتراف بهذه الخصوصيات وتدعيمها، حيث أن المشروع الديمقراطي الإسباني الحالي يقوم وينبني على الاعتراف بالبنى السياسية المحلية التي نحى بعضها إلى توسل العنف ضد الإدارة المركزية بل احتل العنف مع إيطا الباسكية مكان الصدارة بين الأدوات السياسية الأخرى. كما أن الحالة الراهنة لكاطالونيا تنذر بعودة الجيش إلى الواجهة في كل مرحلة، كما أشرنا سابقا.
إن طريقة ولوج إسبانيا للمرحلة الديمقراطية وطريقة بنائها لمشروعها الديمقراطي، تركت فراغات عدة في المشروع الديمقراطي الإسباني الحديث.
تقف الأحزاب السياسية المركزية إزاء ظاهرة التنازع المحلي موقف المتردد الذي لا يملك حيلة واسعة، فالتيارات المحلية – المناطقية تخترق هذه الأحزاب ذاتها، وقد ظل الفرع الكاطالوني للحزب الاشتراكي الإسباني أيضا مستقلا في قراراته عن الحزب الوطني المركزي. تبدو إسبانيا في قراءاتنا الداخلية لها غير ضامنة لوحدتها القومية بما فيه الكفاية، وذلك لأنها ببساطة لم تعرف مرحلة الانتقال الديمقراطي، بل عرفت دُخُولا إلى التجربة الديمقراطية مباشرة ودون المرور بمرحلة العدالة الانتقالية الضرورية لتصفية الأجواء السياسية داخليا، وهو الممر الأساسي الضروري لتقييم موضوعي لتجربة فرانكو بعيدا عن الحزازات والضغائن التاريخية. ولننظر إلى إسبانيا الآن في التجربة الانتخابية الراهنة ونحاول أن نفهم نزوعها المتشنج والمقبول ضد المغرب، أقول مقبول لا بسبب عداء الإسبان للمغرب بل لأن هذا الخطاب يجد صداه في عمق التجربة التاريخية الإسبانية، كما حاولنا توضيحها في هذا التحليل، إذ بناء عليه يمكننا فهم عداء الأحزاب الشيوعية الإسبانية لاستقلال المغرب وحرب التحرير واستمرار موقف العداء من الوحدة الوطنية للمغرب التي بقيت مواقف غير مفهومة.
أما في ما يخص التخوف من الانقلاب على موقف رئيس الحكومة بيدرو سانشيز فأظن انه من خلال القراءة التي قدمتها في كلامي السابق عن المناظرة التي جمعت الرجلين فإن انتقاد رئيس الحزب الشعبي للاتفاقيات المبرمة مع المغرب لم يكن ضد الاتفاقيات ومضمونها وهذا ما تجنبه السيد فيخو رئيس الحزب الشعبي، وتجنب الخوض فيه، بل ركز فيخو خلال المناظرة على انتقاد الطريقة التي اتخذت بها القرارات وأبرمت بها الاتفاقيات، ونحت مداخلة رئيس الحزب الشعبي إلى محاكمة وسائل اتخاذها وليس إلى مناقشة مضمونها، وهي صيغة ذكية للتنصل من أي التزام مستقبلي يخص المضمون الخاص بالاتفاقيات المبرمة، وفي نفس الوقت حاول خطاب رئيس الحزب الشعبي أن يقدم نفسه على كونه حريصا على اتباع الوسائل الديمقراطية في اتخاذ القرارات المستقبلية، حيث قدم الرجل نفسه منافحا عن الأسلوب في اتخاذ القرار وليس حول مضمونه، ونحن نعرف أن الحزب الشعبي منذ مدة معتبرة كان قريبا من الموقف، الذي اتخذه بيدرو سانشيز، أما في ما يخص اليسار الذي يقدم نفسه راديكاليا بإسبانيا فنجد اليوم أحد ابرز ممثليه وأعني أغوستين سانتوس مارافر ، السفير الإسباني لدى الأمم المتحدة ، مرشح على قوائم «سومار» لمدريد حينما يتحدث عن الملكية بالمغرب فانه يقدمها كونها ملكية بوربونية وهو موقف تبريري مستساغ اسبانيًا لقبول المصوغات الاستتباعية للمواقف المساندة الخاصة بالتحولات الحاصلة في الرؤية الإسبانية تجاه المغرب، كما أن أغوستين سانتوس مارافر يصف المغرب بأنه «سيادة مشتركة بين الملك والشعب» حيث انتهاكات حقوق الإنسان «قضايا فردية، «. وهي تصريحات تعبر عن موقف جزء من القيادة الجديدة لليسار المتطرف التي اختارت نهجا أكثر واقعية في السياسات الداخلية كما الخارجية. من خلال ما سلف فأنا اعتقد جازما أن الخطوات العملاقة التي انتهجها رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز نحو المغرب هي خطوات الدولة الاسبانية في خضم مصالحها العليا.
o o علاقة الاتحاد الاشتراكي والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني.
n n خلال مؤتمر الأممية الاشتراكية الذي انعقد شهر نوفمبر 2022 بمدريد وقع الأخ الكاتب الأول بروتوكول صداقة وتعاون بين الحزبين، وهو إطار لتبادل الخبرات والتعاون المشترك، والوحيد الذي وقعه الإسبان مع أكثر من 140 حزبا حضروا المؤتمر..
أصبحت تجمعنا علاقة سلسة ومؤسساتية في نفس الوقت علما أن الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني هو واحد من أقدم وأقوى الأحزاب الاشتراكية في العالم، آلاف المنخرطين وإشعاع سياسي كبير ،كحزب اشتراكي ديمقراطي يرأس المجموعة الاشتراكية الديمقراطية في البرلمان الأوروبي، ويرأس حاليا زعيمه بيدرو سانشيز الاتحاد الأوروبي.
الاشتراكيون الإسبان حليف موثوق، استطاع أن ينقل إسبانيا من الدولة المركزية نحو دولة المناطق، وطموحنا في الاتحاد هو تقاسم تجربته السياسية والتنظيمية التي صاحبت الانتقال إلى النموذج الفيدرالي أو الجهوي. فقد
كانت هناك محطات أساسية أبان فيها الإسبان على أنهم حليف موثوق، آخرها المؤتمر العالمي للشباب الاشتراكي ببناما.
o o زيارة المكسيك
n n حضور الاتحاد الاشتراكي كحزب سياسي مغربي في المؤتمر الدائم للأحزاب يبرز المكانة التي أصبحنا نحوزها بالمكسيك COPPPAL الاشتراكية اللاتينية. فالاتحاد الاشتراكي هو الحزب الاشتراكي العربي الوحيد، بجانب عدد محدود من الأحزاب الاشتراكية الإفريقية، التي تجد لنفسها موقعنا ضمن المنظومة الاشتراكية، الاشتراكية الديمقراطية والتقدمية في العالم.
للإشارة فمنظمة كوبال المكونة من 70 حزبا يمثلون 30 دولة هي نظريا معقل للانفصاليين وفضاء لترويج أطاريح الحرب الباردة.
لكن دعوة الاتحاد الاشتراكي لحضور المؤتمر، كانت فرصة حقيقية للحديث عن مغرب الحداثة،عن تجربة الانتقال الديمقراطي،عن الانصاف والمصالحة، وعن الفرص التي يقدمها بلدنا كمنصة للتعاون الإفريقي_اللاتيني.
لقد عقدت لقاءات ثنائية مهمة مع سفراء ووزراء وزعماء أحزاب وحركات تاريخيين، وحزبنا له بصمته في تأسيس حركات التحرر وإنضاج الفكر الاشتراكي والديمقراطي وتطويره.
o o مراقبة الانتخابات
n n ضمانات داخل صناديق الاقتراع عالية جدا.
بطاقة الناخب مدة صلاحياتها 10 سنوات.
لوائح الناخبين تحمل صورهم الشخصية.
المعزل وصندوق التصويت يتم تركيبهم عند انطلاق التصويت.
عدد من صناديق الاقتراع يتم التصويت بها بشكل إلكتروني.
يبث الفرز بشكل مباشر.
تشرف على الانتخابات هيئة مستقلة للانتخابات.
عمليا، لا تثير العملية الانتخابية التشكيك من طرف الفرقاء السياسيين.
ورقة التصويت يتم اقتطاعها من سجل مرقم.
سجل يتوفر على عدد أوراق التصويت يوازي عدد الناخبين المسجلين، ويتم تسليم الباقي بعد احتساب عدد الأصوات المعبر عنها.
o o إفريقيا
n n اشتغلنا لسنوات لتحييد عدد من الأحزاب السياسية الإفريقية، والتي كانت تصطف مع خصوم وحدتنا الترابية، وهو ما نجحنا فيه لحد كبير خصوصا لجنة إفريقيا الأممية الاشتراكية، التي ولسنوات أصدرت توصيات فجة ضد بلدنا-أنغولا، الرأس الأخضر-.
فسياسة جلالة الملك في القارة السمراء، رسمت طريقة اشتغالنا، بمنطق العمق الإفريقي للمغرب، ونهج سياسة رابح -رابح في الاقتصاد كما السياسة،
فالاتحاد بصم بقوة على ما حمله إعلان داكار، وهو عصارة الفكر الاشتراكي الإفريقي، وأفق تكامل استراتيجي مهم.
القيادة السياسية للاتحاد الاشتراكي، وعلى رأسها الأخ الكاتب الأول ذ إدريس لشكر، جعلت من العمل الدبلوماسي الموازي على الصعيدين الحزبي والبرلماني اختيارا ونهج عمل، رغم علمها بالصعوبات، فالعلاقات الدولية لعبة مصالح، وكلما زادت قوة بلادنا زادت قدرتها على حماية مصالحها.