إلى «محمود درويش»

إنني أسند موسيقاي إلى جداريّة روحك العالية أبداً. أسند جبيني إلى راحة يدي المكسورة وأَسْتَمِع إلى الغنائيّة التي انتهيت من تسجيلها. علّ الموسيقى تنقذني من سطوة غيابك ومن الألم الصادح الذي يعاودني مساءً من جرّاء السقطة على درج ساحة Trinità في مدينة Polignano Mare بالجنوب الايطالي قبل ساعات من الاحتفال بازاحة الستارة عن لوحة تذكارية لك.
أستعيد في «الجداريّة» والتي عصرتني طوال سنتين، الحوار بين ال «أنا» وال «أنا» أسترجع أصوات وتريّات الجداريّة في السَير على البحيرة وعلى دروب القوافل. صدى هوائيّات حواراتها وحَميم بوح إناثها. رَجْعُ نحاسيّات مشاهد التاريخ من الإغريق إلى الفراعنة إلى خُوَذْ جيوش الملاحم والموت الآلة الجهيرة الحاضرة، ولو على حدود الصمت، تتهكّم كلّما تردّد هديل أنثى اليمام. أغمض عينيّ فيصبح أنكيدو آلة تنساب ما بين نهرين، وابن السجّان وطيف أبيه آلتين على ال «Unisson» مع أوكتاڤ بين الآلتين.
خوفي من صهيل الحصان الذي طارت حذوته على مقربة من الميناء وانكساري لدى نموّ الزهر الفوضويّ اللون في آخر الرؤيا.
صمت مئة وخمسة وسبعين آلة وصوت بشريّ ترافق صمتي العميق كلّما أشرفت على حافة الحفرة في نهاية الاعتراف.
«أنا لست لي»
أنا صوت وحيد بعدما غادر الموسيقيون المكان وأُسدلت الستارة على المسرح.
انتظر يا صديقي ١٣ آذار، يوم مولدك، لأطلق الجداريّة المرثيّة الحقيقيّة الأبديّة.
ما الذي يبقى في عتمة الأيام غير الشعر والموسيقى ..
لا شيء أبقى من الجداريّة في القلب. قد يذهب الماضي والحاضر والمستقبل لكن الجداريّة تخطف كل ذلك وتزّف الزمن في موكب المعنى والصُوَرْ.
لقد اخترت أن أشرب كأس الجداريّة حتّى الثمالة في هزيمة الوجود أستعيد الدهشة الأولى وأعود إلى البسيط البسيط من الأنغام لرندحات بعيدة. ولماذا يحتاج هذا البسيط إلى خارق ومعجزة كيّ يتحقّق؟ ألأنّ الطفولة التي كبرت في الغياب تدلّنا على أن الموسيقى والقصيدة مهما كبرت واتسعت، تبقى في حاجة عضويّة ونفسيّة إلى حليبها الأول!
النص مفتوح على البداية والنهاية.
ما البداية وما النهاية؟


الكاتب : مارسيل خليفة

  

بتاريخ : 11/08/2023