ملك المغرب محمد السادس يدعو الجزائر لإقامة»علاقات طبيعية»

طلوع عبدالإله (*)

كانت لخطاب الملك محمد السادس هذا العام بمناسبة ذكرى العرش المجيد كلمة «مفتاح» هي «الجدية «، فقد تقاطعت التقديرات والتحليلات السياسية، والدبلوماسية المتابعة على اعتبار «الجدية» هي أساس الخطاب الذي ألقاه عاهل المملكة، فالعنوان العريض الذي نتحدث عنه هو هذا الحس بالمسؤولية تجاه الداخل والخارج في آن واحد، والذي عبر عنه الملك في كلمته لشعبه، حيث تحدّث عن إنجازات، لكنه تحدّث أكثر عن تطلعات في مخلتف القطاعات التي تهم الشعب، من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، إلى الإشارة للقطاعات التي يوليها اهتمامه المباشر، مثل الطاقة، والطاقة النظيفة، أو المياه وترشيد استخدامها، أو الصحة. كما أنه لم يفته أن يتحدث بآمال عريضة عن القطاع الرياضي الذي يشكل أحد أعمدة سياسة العهد منذ أعوام طويلة، كالإشارة إلى قيام المغرب بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال بتقديم ملف ترشيح مشترك لاحتضان كأس العالم لكرة القدم2030، واعتبارها خطوة غير مسبوقة بالجمع بين قارتين، وحضارتين، إفريقية وأوروبية، بما يوحد أيضاً ضفتي البحر الأبيض المتوسط. فمعلوم أن إنجازات المغرب في كرة القدم عبر منتخبها الذي حلّق في نهائيات كأس العالم الأخيرة في قطر، جعلت من المغرب دولة كروية كبرى ليس في إفريقيا وحدها بل في العالم أيضا. وكانت فكرة الترشيح المشترك رائدة لكونها تجمع ثلاث ثقافات، وحضارات في قارتين، وهذه فكرة رائدة في عالم مشبع بالصراعات.
وتحدث الملك محمد السادس في خطابٍ للشباب بفخر واعتزاز عن إنتاج أول سيارة محلية الصنع بكفاءات وطنية ( شاب مغربي) وتمويل مغربي، وكأنه يقول للشباب الكفء والمبدع، لكم مكانكم في بلدكم الذي سيدعمكم في مسيرتكم الإبداعية.
أما قضية الوطن الأولى، قضية وحدة التراب الوطني، فقد حَضَرَت في الخطاب مع ملاحظة الملك إلى افتتاح مزيد من القنصليات في مدينتي العيون والداخلة في الصحراء المغربية بما يعكس اعترافاً بمغربية الصحراء، وبتزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب منذ أعوام كحل وسط.
طوال الخطاب كانت رصانة العاهل المغربي ووسطيته حيال كل الملفات والاستحقاقات الخيط الرفيع الذي جمع بين هذا الخطاب والخطب التي سبقت، فثمة مسار لم يحد عنه الملك محمد السادس منذ ربع قرن.
وشدّ اهتمام المراقبين وكان العنوان الأبرز الوضع في منطقة المغرب العربي: العلاقة مع الجار الأقرب، الجزائر، فقد أصرّ محمد السادس على القول إنها مستقرة وأنه يتطلع إلى أن تكون أفضل.
ودعا الملك المغاربة للتحلي بقيم حسن الجوار التي تربطهم بأشقائهم الجزائريين، مؤكدا أن ما يقال حاليا بشأن العلاقات مع الجزائر «يحز في النفس»، وذلك في إشارة إلى الحملات التي انطلقت على نطاق واسع في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول العلاقات بين الدولتين.
واستطرد العاهل المغربي:
«لن نسمح بالإساءة إلى الأشقاء الجزائريين وتجمعنا مع الجزائر وحدة المصير، والحدود التي تفصل بين المغرب والجزائر لن تكون أبدا حدودا تفصل بين الشعبين».
ولفت إلى أن الشعب المغربي سيواصل نهج قيم حسن الجوار مع بلاده، مضيفا أن «الجزائريين سيجدوننا بجانبهم في جميع الظروف والأحوال»، مشيرا إلى أن «بناء مغرب التقدم والكرامة لن يتم إلا بمشاركة الجميع في التنمية والنهوض الاقتصادي وخاصة مشاركة المرأة المغربية في جميع المجالات».
والأهم أنه وجه كلامه للمسوؤلين في الجزائر وللشعب أيضا قائلاً إن «المغرب لن يكون مصدر شر أو سوء»، داعياً لزيادة التبادل، والتواصل بين الشعبين المغربي والجزائري، وفتح الحدود ( المقفلة بقرار من الجزائر ) بين البلدين والجارين الشقيقين. وهنا يد مدودة لإصلاح العلاقات بين بلدين ما كان يجب أن تصل الأمور بينهما إلى هذا الحد من التوتر الذي لا تخفى أسبابه على أحد. وهذا موقف رصين، حكيم يعكس وسطية حكم محمد السادس منذ 24 عاماً. ويحتاج بالمقابل إلى يد جزائرية ممدودة لالتقاط فرصة لدفن الخلافات والنزاعات.
وأعلن الملك محمد السادس عن نيته إقامة «علاقات طبيعية» مع جارته الجزائر، بعد سنوات من التوترات السياسية بين البلدين والتصعيد الحاد وقطع العلاقات والمواجهة بينهما مؤخرا.
وقال الملك في خطاب بمناسبة عيد العرش، ذكرى توليه حكم المغرب، «أتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية حتى يتمكن المغرب والجزائر من العمل يدا بيد من أجل إقامة علاقات طبيعية».
وليست هذه المرة الأولى التي يوجه فيها ملك المغرب دعوة للجزائر لفتح صفحة جديدة، ففي خطابه في ذكرى المسيرة الخضراء نحو الصحراء المغربية سنة 2018، دعا الجزائر لفتح صفحة جديدة، وإقامة علاقات جيدة، إلا أن الموقف تعقد بعدها وتم قطع العلاقات بين البلدين لاحقا.
ووصف محمد السادس البلدين في خطابه بأنهما «شعبان شقيقان، يجمعهما التاريخ والروابط الإنسانية والمصير المشترك».
ونفى الملك المزاعم القائلة بأن المغاربة «أهانوا» الجزائر، وقال «أهيب بالمغاربة، لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال».
وكان عنوان القضية العربية المركزية ماثلاً في خطاب المغرب. فالتوقيت مهم لأنه متصل زمنياً باعتراف إسرائيل قبل أسابيع بمغربية الصحراء، وسبقه انضمام الرباط إلى مجموعة الاتفاقات الإبراهيمية بين دول عربية وإسرائيل، كل هذا لم يمنع محمد السادس من إعادة التأكيد على الموقف الثابت من القضية الفلسطينية، والسلام على أساس إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
إن من تابع، كمراقب من الخارج، خطاب محمد السادس بالذكرى 24 للجلوس، لا بد أنه خرج بانطباع مختصره أنه يرفع من مقام «الجدية « والرصانة كنقيض للشعبوية، الإثارة والفوضى.

(*)دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

الكاتب : طلوع عبدالإله (*) - بتاريخ : 12/08/2023

التعليقات مغلقة.