بريتوريا تمنح لنفسها شرعية الحديث باسم إفريقيا لدى «البريكس» بدون تفويض من القارة؟
جنوب إفريقيا تسعى إلى تعويض ضعفها الجيو اقتصادي أمام الدول الصاعدة في «البريكس» بتخبطات ديبلوماسية تريدها رافعه للنفوذ
توجه المغرب إلى الهند، باعتبارها الدولة الثانية من حيث القوة داخل مجموعة البريكس، لتعرية الموقف الأحادي والعدواني لجنوب إفريقيا، ومن أجل سحب ورقة «البريكس» من بريتوريا، لأسباب تخص قضاياه والموقف الذي اختارته جنوب إفريقيا منها
لماذا الهند؟
لم تتردد الهند في التجاوب مع تحركات المغرب، ومن أجل تقوية موقفه المعلن في البلاغ الذي صدر عن “مصدرمأذون” في الخارجية المغربية، والذي أعلن فيه أنه غير معني بقمة “البريكس” المنعقدة في جنوب إفريقيا، من جهة ثم إنه لم يطلب الانضمام إلى هذه الخماسية التي رأت النور في 2009 في ايكاترينبورغ الروسية، بعد أن نبتت في ذهن الرئيس البرازيلي لويث انياثيو لولا داسيلفا سنة قبل موعد المؤتمر.
وبالنظر إلى مجريات الأوضاع، جاء موقف الهند المعبر عنه في بيان رسمي صادر عن الحكومة الهندية ليضع النقط على الحروف، ويزكي موقف المغرب الملعن عنه من القمة .
تمثلت الخطوة الأولى في البيان الصادر عن المصدر المأذون في الخارجية المغربية، والذي وضع شبكة لقراءة الحدث وقرار المغرب بعدم حضور القمة في جنوب إفريقيا، وكذا الوقائع الأساسية التي استند عليها في هذا الباب.
ثم كانت الخطوة الثانية متمثلة في المباحثات الهاتفية بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جيشانكار.
وفيها أعطت الديبلوماسيتان مفتاحين لقراءه الحدث:
الأول يتمثل في المستوى الرفيع الذي بلغته الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي تم إرساؤها عبر الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس للهند في نونبر 2015 ..
وعلى هذا المستوى يمكن أن نسجل أنها أثمرت مبادلات فاقت 3 مليارات دولار لأول مرة في التاريخ الطويل للعلاقة بين البلدين، كما تنوعت مساراتها، وبالأخص على مستويات ذات أهمية كبرى، هي الغذاء، عبر مبادلات تهم الأسمدة والفوسفاط بالنسبة لبلاد تجاوزت مليار نسمة، وتتطلب أزيد من مليار ونصف مليار طن من أسمدة الفوسفاط لتحقيق توازنها الغذائي، يقدمها المغرب، ثم الجانب العلمي والتكنولوجيات الحديثة التي رسمت فيها نيودلهي لوحة مشرفة دوليا، ويعتبرها المغرب أحد الرافعات الخمس لتنفيذ النموذج التنموي الجديد ـ ثم ثالثا، الصناعات العسكرية، وفي هذا الباب نذكر أن آخر توقيع يهم تصنيع الآلات العسكرية الهندية في المغرب لفائدة الجيش المغربي ولفائدة القارة الإفريقية ، تم في مارس الماضي ، وعليه يشكل التعاون الأمني والغذاء والعلمي ثلاث طوابق في بناء العلاقة الهندية المغربية، وهو تأكيد لما ورد في البيان المغربي من كون العلاقات مع الدول المشكلة ل”لبريكس” بلغت مستوى عاليا يفوق العلاقات المفترضة مع “البريكس” كمجموعة، كما أنه يثبت المسعى المغربي في التمييز بين العلاقة مع “البريكس” كمجموعة من خلال المؤتمر الجنوب إفريقي وبين “البريكس” كبلدان، والتي تربطه بها شراكات أبعد بكثير من الحدث الراهن..
المفتاح الثاني يتمثل في علاقات المملكة مع مجموعة “البريكس”، وهو الموضوع الذي ستتولى الهند فيه دور التأكيد على موقف المغرب من خلال الخطوة الثالثة والمتمثلة في البلاغ الصادرعن الحكومة الهندية من كون “ جنوب إفريقيا وجهت الدعوات للمشاركة في اجتماع “بريكس/إفريقيا”، المقرر عقده في 24 غشت بجوهانسبورغ، بمبادرة أحادية الجانب وبصفتها الوطنية، ولا يمكن لعاقل ألا يربط بين بلاغ الحكومة الهندية وبين موقف المغرب، ولا سيما في السياق الحالي. وهو اختيار واع ومدروس ولا شك أرادت الهند إرسال رسالتها الوطنية السيادية بدورها إلى من يهمه الأمر.
ويكمل الموقف الهندي الموقف المغربي، من حيث أحادية الدعوة إلى القمة، وكذا نزع التمثيلية التي منحتها جنوب إفريقيا لنفسها، من حيث الحديث باسم “البريكس” وإفريقيا معا.
أولا، المغرب كبلد مسؤول ومِؤثر في القرار الإفريقي نفى أن تكون بريتوريا تتحدث باسم الاتحاد الإفريقي. والهند نفت أن تكون تتحرك باسم “البريكس” وبذلك يتم المشهد، …” وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان”.
طبعا الهند لا يمكنها أن تلعب دور خيط الامتداد في التوصيل الديبلوماسي لمواقف المغرب، فهي تقوم بذلك بإدراك ووعي، وبالعودة إلى صلب الانتماء إلى مبادرة البريكس، فهي لا تدعي تمثيلها للقارة الآسيوية، لا هي ولا الصين ولا روسيا، وكل يتحدث بلغته الديبلوماسية الخاصة بالرغم من مشاعر التضامن والبحث عن توازن عالمي في الملف المالي، و بالإضافة إلى التعاون الاستراتيجي، والذي تعتبر فيه المغرب بوابتها الشمالية إلى القارة كما هي جنوب إفريقيا البوابة الجنوبية إلى القارة، وتمثل الهند في التقدير المغربي، المبني على قاعدة “النظارات الملكية للصحراء”، الموقف المضاد لجنوب إفريقيا، التي جعلت من الحرب على المغرب في قضيته المركزية عنوان ديبلوماسيتها ومبادراتها.
فالجميع يذكر أن الهند سحبت في فبراير 2000، اعترافها بجمهورية الوهم في تندوف، بمناسبة الزيارة التاريخية التي قام بها عبد الرحمان اليوسفي، والذي كان يحظى بتقدير خاص من لدن النخبة الهندية، ومنذ ذلك الوقت ظلت علاقتها بالمغرب على تميز خاص، وهي بذلك لن تقبل من جنوب إفريقيا أن تجرها إلى موقف يعارض قناعاتها الديبلوماسية..
جنوب إفريقيا :
أي شرعية؟
أرادت بريتوريا أن تمنح القمة، ووجود المجموعة بذاتها، طابعا جيو سياسيا ، ضمن خارطة العالم، لكي تجد لها موقع قدم في التأثير في قرارات الدول الأربع الأخرى، والتي تعد من بين الدول الصاعدة، واحدة منها هي الصين التي تعد ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة.
والسؤال هو: هل تملك جنوب إفريقيا أدوات طموحها الجيوسياسي كما تريد ؟
المعطيات الجافة تقول إن الدولة الإفريقية هي آخر من التحق بالمجموعة ( 2011)، وهي إلى جانب ذلك الأضعف في المجموعة ناهيك عن الدول من خارج المجموعة، فهي لا تمثل سوى 2٪ من ساكنة دول “البريكس”، وبالتالي فالوزن الديموغرافي لجنوب إفريقيا هو الأضعف ( مليار ونصف لدى الصين ومليار ونيف لدى الهند)، كما أنها لا تمثل سوى 2٪ من الناتج الداخلي الخام للمجموعة التي تشكل اليوم 45 ٪ من الناتج العالمي .
ومع ذلك تصر أن تحول الأندية الاقتصادية إلى رافعات للنفوذ السياسي، ومن خلالها تتموقع دوليا، أكبر مما حققته من رمزيات أخلاقية مع الصراع ضد الأبارتايد أيام نيلسون مانديلا..
هذا الضعف الجيو اقتصادي يضع حدودا صارمة في وجهها، ويقضم من شرعيتها في تمثيل القارة، الذي منحته لنفسها في وجه ناد مبني أساسا على الإنجاز الاقتصادي.
ولعل أحسن تعليق هوالذي كتبه جيم اونيل، كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأمريكية “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs)،الذي كان وراء ابتكار اسم “البريكس”، حيث قال إن نسبة 2٪ التي تمثلها جنوب إفريقيا داخل “البريكس” لا تجعلها ضعيفة وحدها بل تضعف “البريكس” نفسها، وتجعلها تتعثر..
الغرور الجيواستراتيجي؟؟؟
لقد أدان المغرب “الغرور السياسي” لدى جنوب إفريقيا بدون أن يسميه، وأطلق عليها نعوتا من قبيل عدم التساوي والحديث باسم الدول بدون استشارتها. ويكون المغرب قد عرى عن حقيقة هذا السلوك الذي طبع الديبلوماسية الجنوب إفريقية منذ البداية، ومن ذلك أن جنوب إفريقيا عرفت نقاشا حادا داخل نخبتها وداخل القارة بعد أن التحقت في 2011 ب”البريكس”، وقتها كان العديد من الهيئات الجنوب إفريقية نفسها بالإضافة إلى دول أخرى قد عاب على دولة ألوان الطيف قرارها الالتحاق بالمجموعة دون الاستشارة مع باقي الدول، ولاسيما عندما بدأت تتحدث باسم القارة بدون تخويل ولا تفويض من دولها، والحال أنها«نصبت نفسها ناطقة باسم القارة».. واتضح من خلال سنوات الانخراط أن وراء تحركات بريتوريا أجندة جنوب إفريقية وليس أجندة إفريقية، وهو ما عبر عنه البلاغ المغربي ب”الأهداف غير المعلنة” من وراء القمة.. كما تبين بأن الشعارات التي ترفعها هي في الحقيقة وهم ليس إلا، إذ تبين منذ قمة الدوربان durban في مارس 2017 بالأساس أن الحديث عن القارة بإفراط كان يغطي غيابا حقيقيا في الأجندة جنوب إفريقية، حتى أنه تبين للجميع أنه لم يثبت أبدا وجود انخراط دائم للدولة المدعوة، والتي حضرت القمة، في دينامية”البريكس” ولا في الاستفادة من إمكانياتها.. ،
هل يمكن للدولة الخصم أن تقلق المغرب باتخاذها منصة البريكس قاعدة للتأليب ضده؟
في الواقع لا يمكن لها أن تفعل أكثر مما فعلت إلى حد الساعة، أو كما تآمرت في قمة “التيكاد” في تونس مع اليابان.
الواقع، لقد كانت لها منصات ملموسة أكثر، من قبيل عضوية مجلس الأمن ورئاسته حتى ولم تغير مواقفها ولا مساعيها من حقيقة القرار الدولي حول الصحراء المغربية، كما أنها تجلس إلى جانب دول مواقفها مميزة من القضية، وإيجابية في حالة الهند. وللتذكير لم يمر شهر على نبذ روسيا لحضور الدمية البوليساريو إلى قمتها التي احتضنتها مع إفريقيا، ويتضح بأن موسكو، الفاعل المحوري، لم تبادر أبدا إلى دعم مواقف الانفصاليين وراعيتهم الجزائر، ولن تفعل ذلك لعيون راموافوزا..
كما أن جنوب إفريقيا فقدت الكثير من تأثيرها في القارة، بل تحارب المغرب بادعاء أنه غير من مناخ محيطها الذي تلعب فيه دور القوة الإقليمية.. ونجح أيضا في تحييد نيجيريا التي كانت تمثل واسطة العقد في المحور الثلاثي الذي يربط بريتوريا بالجزائر العاصمة مرورا بلاغوس.
في الجانب المؤسساتي كان لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وقع موجع لدولة جنوب إفريقيا بل غير هذا الحضور من قواعد اللعب داخل المنظمة وأصبحت تميل إلى العمل الجدي والمسؤول مؤسساتيا عوض الانصياع لمزاج بريتوريا والانقياد إلى ما تقرره هي والجزائر، وبدرجة أقل إثيوبيا.. وهو دور يحسم للمغرب بحيث تغيرت معطيات العمل الداخلي في كل هيئات الاتحاد الإفريقي لا سيما مجلس الأمن والسلم الذي ترأسه المغرب مرتين..
خلاصة القول إن المغرب يعتبر القمة غير ذات بال، وهو في الوقت ذاته لا يقلل من جدوى “البريكس” ولا الدول التي تكونه، ويعلي من شأن العلاقات معها، وطور ويطور بعضها إلى آفاق أوسع ـ المبادلات تتراوح بين ملياري دولار وستة ملايير دولار حسب الدول)،،، كما أنه يدرك حجم التأثير الممكن لجنوب إفريقيا، والذي لن يتعدى الساعات التي سيستقبل فيها عنصرا مختلقا لا تتعامل معه أي دولة من دول “البريكس”، كما لا يخاف من هذه المنصة باعتبار أن بريتوريا كانت لها منصات أشد قوة ولم تنفعها في حربها ضد المغرب.
نقطة القوة التي يملكها المغرب، والتي قد تغيب في نظر العديدين هو أنه سيستقبل البنك الدولي، في أول مؤتمر له في القارة الإفريقية، ولا تخفى دلالة ذلك، فهو البنك الذي يدبر مالية العالم ومشاريعه الاقتصادية، ويضم 189 دولة، ولعل من أهداف “البريكس” الصريحة والضمنية في آن واحد هو العمل من أجل تغيير منظومة العالم في القضايا الاقتصادية، وتحسين أدوار الدول، صاحبة أسرع نمو اقتصادي ، والتي تمثل 50٪ من الثروة العالمية، ولعل من أهدافها الكبرى خلق نظام اقتصادي عالمي ثنائي القطبية، عبر كسر هيمنة الغرب بزعامة أمريكا، لكن الجميع يعرف بأن التفاوض سيدور في امتلاك أكبر أسهم في التصويت ( حاليا 215 ٪ فقط) داخل منظومة البنك الدولي وأذرعه الخمسة، وقتها يكون المغرب متموقعا جيدا للحديث باسم إفريقيا من داخل البنك الذي سيحتضن جمعه السنوي كبلد إفريقي..
وهذه نقطة أخرى سيحين الحديث عنها في أكتوبر القادم.. تاريخ المؤتمر…