د.مراد علمي، مغربي يدرس الأدب الألماني بالصين  3/2

لماذا فشل المهاجرون المغاربة في تعليم اللغة العربية لأبنائهم؟

كيف يمكن للمرء أن يكون مرتاحا إذا أشعرناه بأن لغته الأم لغة حقيرة ولقيطة؟

يجر الدكتور الجامعي المغربي مراد علمي  تجربة تراكمية في الترجمة تمتد لأكثر من 30 سنة، تراكم تجاربه في الحل والترحال بين المغرب وألمانيا باحثا عن المشترك الإنساني الثاوي في الثقافات والآخر والغريب والمختلف هو المعروف في الأوساط الأدبية والإعلامية بدفاعه المستميت عن اللغة الدارجة التي كتب بها عددا من مؤلفاته وينشر بها مقالاته في الادب والسياسة والاقتصاد في عدد من المواقع الإعلامية. مترجم وأستاذ جامعي مغربي، يدرس حاليا الأدب الألماني بجامعة هاي فاي بالصين، بعد أن اشتغل سابقا أستاذا جامعيا في المغرب وألمانيا، كما نقـل في إطار عمله كمترجم محترف لمدة فاقت 35 سنة أكثر من 300 مؤلف علمي، تقني، اقتصادي وقانوني من اللغة الألمانية إلى العربية (أكثر من 100) أو الفرنسية (حوالي 80 كتاب)، من اللغة العربية أو الفرنسية إلى الألمانية (حوالي 120) ، كما قام بتأليف القصة القصيرة والشعر والرواية «الرحيل، دمعة مسافرة، آوْت»، له أكثر من 250 قصيدة باللغة الألمانية، نشر البعض منها في مجلات ألمانية متخصصة، كما نقـل «الخبز الحافي» لمحمد شكري، (1983)، «دفنا الماضي» لعبد الكريم غلاب (1984) و»النبي» لجـبران خليل جبران (1985) إلى اللغة الألمانية في بدايات الثمانينات، دون نشرهم، نظرا لعزوف وتحفظ دور النشر الألمانية عن المنتوج العربي آنذاك، ثم قام بترجمة “ذاكرة ملك” للراحل الحسن الثاني من اللغة الفرنسية إلى الألمانية، 1996، كما له كذلك أعمال خاصة باللغة المغربية، الدارجة: «حكايات عالمية» مقتبسة من اللغة الألمانية، بحروف لاتينية، «محبة الحكمة كنز، الديانات التلاتة”، مسرحية مقتبسة من اللغة الألمانية للقرن الثامن عشر، المؤلف الأصلي لـِ: ج. إ. ليسينج، مايو 2010، «مرتيات دوينو»، ترجمة، شعر، راينار مارية ريلكه، «لغات المغرب الحية: المغربية والأمازيغية»، «حكايات عالمية»، مقتبسة من اللغة الألمانية، بحروف عربية، ، «الرحيل، دمعة مسافرة، آوْت»، رواية، ، «نكـت عالمية بالمغربية»، «مغرب التعدد، مقالات: مجتمع، لغة، ثقافة، سياسة.»
مراد علمي حاصل على دكتوراه من جامعة د ماينتس في الترجمة بثلاث لغات: العربية، الفرنسية  والالمانية، في 1978. دكتوراه في الأدب الألماني القديم من جامعة كولونيا في 1983. ودكتوراه في علوم اللغة والبلاغة من نفس الجامعة في 1989.
شغل الدكتور مراد علمي مناصب:
– أستاذ الأدب الألماني في جامعة محمد بن عبد الله بفاس في 1983
– أستاذ د الأدب الألماني في لجامعة كولون بألمانيا في 1989
– أستاذ اللغة الألمانية بجامعة السويسي بالرباط 2011
يدرس حاليا الأدب الألماني بجامعة هاي فاي بالصين.
حاصل على وسام الاستحقاق الوطني من درجة ضابط.
في هذا الحوار الذي ننشره على حلقات، نتعرف مع مراد علمي على مواقفه من :التعدد اللغوي، استعمال الدوارج، عزلة اللغة وعلاقته باللغة الأم، الغربة والرحيل، واقع وآفاق الترجمة في المغرب، أسرار التجربة الصينية في احتواء ثقافات العالم.

p ماذا أضاف المترجم للكاتب في تجربتكم، هل اغتنى الكاتب من ثقافة المترجم  أم أن لكل واحد منهما أدواته وحقول اشتغاله؟ ولماذا اخترت في المجال الإبداعي  والاعلامي الكتابة بالدارجة المغربية. هل كان الدافع رؤية تجريبية إبداعية أم انتصارا للغة المحلي وقدرتها على الوصول الى  الكوني؟

n كما ذكرت آنفا، اقتصرت ترجمة الأعمال الأدبية فقط على نقل ديوان „مراثي دوينو“ الى العربية المغربية، أما الكتب الأدبية الأخرى فجلها اقتباسات. في رأيي الكتابة بالعربية المغربية ممكنة بأي حروف، حتى اللاتينية منها. الإبداع بصفة عامة لا يمتثل لتوجيهات هذا أو ذاك  وإلا لم يعد إبداعا، والمبدع لا يسأل أو يستأذن هذا أو ذاك أي وسيلة من الوسائل أو الطريقة يمكن له أن يتخذ قصد التواصل مع الجمهور المفترض، إن القارئ هو الذي سيحسم، ولحد الآن الحمد لله، يمكن لي أن أقول إن هذا المؤلف المكتوب بالحروف اللاتينية يعرف إقبالا مهما من طرف الشباب الذي يتواصل يوميا بالعربية المغربية عن طريق „التشات“ ورسائله على الهواتف المحمولة، هذا المؤلف والوحيد من نوعه مخصص كذلك لأبناء الجالية المغربية، وأجيالها الثانية، الثالثة والرابعة، وليومنا هذا أتوصل برسائل من طرف الجالية المغربية لكي أقوم بطبعة جديدة، لأن هذا المؤلف نفد في هذه الأثناء، كما ألفته لكل مهاجر مغربي أراد استرجاع ثروة لغته المغربية إذا حج إلى الوطن لزيارة ذويه، لأنه يتعين على جميع اللغات أن تمارس وتستعمل يوميا، إلا واندثرت، تلاشت وضعفت في بلد الإقامة بعد سنة أو سنتين، وهذا الأمر عشته وعايشته، كما أردت كذلك أن لا أعقد الأمور لأبناء الجالية المغربية، لذلك استعملت الحروف اللاتينية، يعني حروف أوربية يفقهونها، وهكذا  سيتعلمون اللغة العربية المغربية بسهولة بحروف ليست بغريبة عنهم، حتى لا يعزفون عن تعلم اللغة العربية من بعد .
وأنا أظن أنني أدرك ما أتفوه به، لأن جميع الآباء المغاربة المهاجرين فشلوا في فرض اللغة العربية على أبنائهم ، إذن، لماذا لا نستعمل عقولنا ونكف على الاستمرار في الخطأ ولانصحح الرؤية؟ علاوة على هذا اللغة العربية المغربية هي لغة التواصل لجميع المغاربة، حتى بالنسبة  لأخواتنا وإخواننا الذين يتكلمون الأمازيغية، إذ من الواجب تلقين اللغة العربية المغربية لأبناء الجالية المغربية قصد التواصل مع الأهل في المغرب ومع كل شرائح ومشارب المجتمع، كم من شاب ريفي تعرفت عليه في ألمانيا يرفض أن يذهب إلى المغرب رفقة عائلته، لأنه لا يفقه المغربية، وكم تعامل المهاجرون المغاربة مع أبنائهم بقساوة حتى عزفوا عن المغرب ورفضوا التردد عليه، وهذا راجع بالأساس إلى اللغة، حيث يحسون أنهم غرباء وليسوا من أهل هذا الوطن.
هذا المؤلف مخصص كذلك للأجانب الذين يتوافدون على المغرب إما كسياح أو كقاطنين،   علاوة على هذا نجد دولا إسلامية  تستعمل الحروف اللاتينية، من ضمنها تركيا وماليزيا، ولم تشكل هذه الحروف أي حاجز يتعارض والحداثة وعالم الإختراع والإبداع، ولم يكن لا الأتراك ولا الماليزيون مضطرين لترجمة المفردات العلمية حيث اقتصروا فقط على نقلها بالحروف اللاتينية وشرحها بلغتهم الأم، ولكان الإعتماد على الحروف اللاتينية بالعكس بمثابة مفتاح الفرج والتطور، حيث تعتبر تركيا الآن من الدول العظمى ويشهد اقتصادها نموا سنويا باهرا حتى استعان المغرب بتكنولوجيتها لتعبيد وبناء الطرق السيارة وتحويل الملايير من الدراهم إلى هناك، ومنتوجاتها متواجدة بقوة في السوق المغربي، لا عن طريق السوبرماركـت „بيم“ فقط، ولكن عن طريق الإستيراد كذلك، وماذا نصدر نحن إلى تركيا؟ كما يبلغ دخلها الخام أكثر من 800  مليار دولار. بيد أن الدخل الخام لمصر، أكبر دولة عربية مصنعة (111 مليون نسمة)، لا يفوق 360   مليار دولار، أما الدخل الخام لماليزيا، دولة إسلامية أخرى، يفوق 330 مليار دولار(33 مليون نسمة) ولو استعملت البهاسا الماليزية بحروف لاتينية، بيد أن ناتجنا الخام لا يتجاوز 143 مليار دولار (36 مليون نسمة). لن نتطور ولن نتمكن من كبح الهدر المدرسي إذا لم نسخر جميع طاقاتنا البشرية ومواهبنا بغية التحديث والابتكار، والإنتاج الفكري حتى يلج المغرب نادي الدول المصنعة والمتقدمة، وحتى لا نجعل من المغرب فريسة وحقلا لاسثمار الغير وترويج منتوجه وأفكاره ومذهبه وأخلاقه.
لماذا أكتب بالمغربية؟ في أول الأمر هي لغتي الأم، وأقرب لي بكثير من أي لغة أخرى، ثانيا لأنني أريد أن أساهم في تقنينها، توثيقها وتدوينها كما أشرت سابقا، فهي جاهزة الآن ولست أنا الأول الذي كتب بها، ألف وأبدع بها المسرحيون المغاربة، الشعراء، القصاصون، الأدباء، ما يحوجها إلا الاعتراف السياسي والذي سيتم حتما في السنوات المقبلة، لأنه من البديهي: لا يمكن تغييب الشعب المغربي برمته إلى الأبد.

p الحديث عن الإبداع بالدارجة يقودنا الى الحديث عن موقفك من التعدد اللغوي بالمغرب الذي أعلنت بصدده مرارا أنك مع تكريس الدارجة لغة تدريس، وأن اللغة الحية هي السبيل إلى تجاوز أعطاب منظومة التعليم بالمغرب. ألا يبدو الأمر تبسيطيا لمشكلة أعمق حين نستحضر أننا في مجتمع تتعدد فيه اللهجات ورسّمت فيه الأمازيغية دستوريا، وفي وقت تتجه العديد من الدول إلى تكريس لغة العلم الإنجليزية والصينية اليوم؟

n سؤال مهم وهادف. هناك بعض الغلاة والمتشددين الذين يزعمون أن اللغة المغربية العربية „الدوارج“، كلغة، لا يصح اعتمادها لغة تدريس وعلوم وإبداع.
الاجابة بسيطة: لوكانت لنا „دوارج“ لما تواصلنا باللغة العربية المغربية في جميع أنحاء المغرب، وحتى في القرى والمدن حيث تتداول الأمازيغية بكثرة كأكادير، تيزنيت، طاطا، أزرو، إفران، خنيفرة، عين اللوح، الناضور، بني شيكر، بني سيدال، العروي، درويش إلخ، ولكان من الواجب أن نتكلم „السويدية“ أو „الفرنسية“ لكي نتفاهم ونتعايش كما هو الشأن في الهند حيث  تستعمل اللغة الأنجليزية كلغة التواصل والعمل نظرا لمئات اللغات المتداولة هناك، بالطبع نتوفر على اختيارات محلية بديلة، وهذا غنى وليس فقرا، وإذا قال هذا المغربي „الغـْـلال“ والآخر „البابــّوش“ أو „بوعويدة“ و الآخر „النــڭـاص“، أو „النــّافخ“ أو „المجمر“ فهذا لا يعني أننا نتوفرعلى دارجتين على الأقل، فنفس الشيئ بالنسبة للغة العربية، نجد أن للأسد أكثر من 14 مرادفة كالليث، الضرغام، الدرباس، العزام، الفراس، القشعم، الهزبر والهصور إلخ، فهذا لا يدل على أننا أمام عدة „عروبيات“، لا! فهي عربية واحدة، مع مراعاة تعدد مفرداتها .
كاللغات الأخرى تتوفر اللغة العربية المغربية على „لهجات“، لأن اللهجة منحصرة دائما في مدينة أو جهة من الجهات، فمثلا المراكشية ليست هي الفاسية، البيضاوية، الطنجاوية، الدكالية أو الجبلية إلخ، اللغة المغربية لا زالت في غالب الأحيان لغة شفوية، وليست بلهجة أو „دوارج“، لذلك لا يجب الخلط بين الدارجة/العامـّـية (العامة) واللهجات كما ذكرت سالفا، „الدارجة“ واحدة، و“اللهجات“ عدة، تدوين اللغة المغربية أمر بسيط ويمكن تجاوزه بسلاسة في إطار إنجاز أطلس للغة العربية المغربية وتقنين القواعد النحوية، اللغة العربية نفسها عبارة عن عدة لهجات كانت متدوالة في الحجاز، كما عرفت تأثيرا كبيرا من لدن اللغات الأخرى كالفارسية والتركية والكردية والأمهرية والقبطية والإغريقية، الأنجليزية والفرنسية إلخ
اللغات لا تعرف العزلة، فاللغة المغربية نفسها مستمدة وخرجت من رحم العربية، إذا لا يجب أن نعقد الأمور، فمثلا 1) „زعف“ مفردة عربية وتعني „قتل فلانا في الحين“، 2) „خربق“، بالفصحى „ثقب وأفسد الشئ“، 3) „ازڭل“، „الزقلة“ هي الهراوة بالفصحى، 4) „جوج“، معناها „زوج“، 5) „تشبـّط“، مشتق من „شبط“، 6) „الڭنة“، هي القنة، 7) „الزلط“، مشتق من „زلط“، 8) خارت قواه، و“تفرقع، وزائغ، وكركب، وترقــّل (تريڭيل)“ إلخ.
اللغة العربية المغربية هي صمام الأمن وضامنة الهوية والوجود للامة المغربية وهي المظلة الحقيقية لكياننا وحاضرنا ومستقبلنا، كما هي لغة القرب والمصالحة والإصلاح الجذري للشخصية المغربية التي راكمت الكثير من العقد  حيث تتجلى في التناقضات العميقة وعدم التجانس والشخصية المعقدة للمجتمع المغربـي، لأن هاجس عدم الارتياح اللغوي مطروح لحد الآن، فكيف يمكن للمرء أن يكون مرتاحا إذا أشعرناه بأن لغته الأم المغربية لغة حقيرة ولقيطة؟ سيكون شخصا  ليست له الثقة في النفس ولا في المستقبل، شخص لا يشعر بروح المسؤولية ومتردد في قراراته وغير واع بوعوده، مزاجي متقلب، لأننا لم نعطه الإعتبار الشامل والكامل، لا له ولا للغته


الكاتب : أجرت الحوار: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 28/08/2023