عن ترجمة سعيد بنكراد لـ «الكلمات والنساء» لمارينا ياغيلو

اللغة والمرأة: بين مطمح المساواة وذكورية اللغة

لم يكن مولاي سعيد بنكراد في مسار حياته كإنسان يأكل ويشرب ويتسوق كباقي عوام الناس في كل الأكوان، ولا كان أستاذا باحثا كأغلب الأساتذة المحسوبين على البحث في أغلب الجامعات المغربية والعربية، يُدرّس ويؤطر كما تفعل نسبة كبيرة منهم، بصرف النظر عن نوع التدريس والتأطير وقيمتهما، كما لم يكن كذلك باحثا أكاديميا في السميائيات، وما يرتبط بها، يُغْرزُ عيناه في الكتب ويؤلف ويترجم ويدرس ويؤطر فحسب، ولكن كذلك صاحب قضية؛ وصاحبها بالضرورة مناضل وملتزم بالمجتمع وأسئلته، الصغيرة والكبيرة، ومتابع لواقع الدولة ورهاناتها، في الداخل كما في الخارج، رغم واقع الحال الذي يُنذربخُفوت وقْع اليسار واليمين، وتراجع قيمتي الرجعية والتقدمية، في مقابل «تغول» الرأسمالية بقيمها الاستهلاكية في السياسة والثقافة واللغة والحزب والنقابة، فتواريالمناضل على حساب المحتج والخبير والمؤثر…

 

غير أن هناك اختلافا قائما بين قضية وأخرى، وبين زاوية نظر وأخرى، رغم تبدل الظروف، وحالات التشظي التي عمّت السياسة وامتداداتها. وهو ما يشكل الفارق بين أصحاب القضايا، ومن لا قضية له أصلا ممن يستهويه الأكل والشرب والتناسل والتكديس «كالأنعام بل هم أضل سبيلا». وسعيد بنكراد ليس من هذه الطينة التي بدأت تتوسع دائرتها، حتى في فضاءات تأبى ذلك، بل هو صاحب قضية «حارقة» عنوانها:الانتصار للإنسان بما هو قيمة في ذاته، والانحياز إلى الناس كل الناس، أينما كانوا وكيفما كانوا. ذلك كان اختيارهالفكري والسياسي وبالتالي المبدئيمن وعى ذاته.وكان من الطبيعي أن يعطي ضريبة ذلك «غالية»، اعتقالا وسجناوتعذيبا وشتما بكل اللغات للأصول والفصول،فلجوءً سياسيا في فرنسا، فعودة مستأنفة.كان ذلك كله، دون أن يساوم أو يستسلم أويستقيل فيهرب، على غرار كثير من رفاقه وأقرانه. يكفي في هذا المقام، ونحن بصدد تأمل ترجماته عموما، وتتبع خلفيات إنجازها الفكرية والثقافية والسياسية واللغوية، أن نتساءل، وعلى سبيل المثال،في إحدى ترجماته، عن أسباب ترجمته لكتاب، الكلمات والنساء، دراسة سوسيو-لسانية للشرط النسوي، عن المركز الثقافي للكتاب، البيضاء(2021) لمارينا ياغيلو؟ وعن علاقة هذه الترجمةبعموم مشروعه الفكري الذي عاش من أجله، وبوأه مقاما عاليا بين أقرانه في المغرب والعالم العربي، وما بدّل تبديلا؟ وما هي الإضافات التي طالت اللغة العربية وثقافتها جراء هذه الترجمة بإكراهاتها ورهاناتها؟ذلك، بعض ما سنتوقف عنده في الصدد، وعلى الشكل الآتي:

أولا- مسوغات الترجمة وفتوحاتها المنتظرة

لم يكن سعيد بنكراد غافلا، إذ قرر ترجمة كتاب مارينا ياغيلو ،الكلمات والنساء، الصادر عن منشورات بايوت (Payot) في أواخر سبعينيات القرن الماضي (1978) إلى اللغة العربية، عن المركز الثقافي للكتاب سنة 2021، أن الأربعين سنة قد مرت على صدوره. وهذا يوحي من جهة، بتقادم أسئلته وأجوبته حول محور إشكاليته المتمثلة في ثنائية الذكورة والأنوثة، وبالتالي حول المرأة والرجل. علاوة على ذلك، فلأن مضامين الكتاب مرتبطة بالمجتمعات الغربية عموما، قديمها وحديثها، ومن منظور سوسيو- لساني، يختلف كثيرا عن طبيعة المجتمع العربي والمغربي ولغته العربية وسنده الثقافي والحضاري. ومع ذلك، لم يتردد في ترجمته واستضافته بلغة عربية مِطواعَة، رغم الصعوبات التي واجهها، والإكراهات التي لاقاها. فقد تمكن المترجم لخبرته في الترجمة من تطويع اللغة العربية وتدجينها حتى استوت على لسان عربي مبين، وبمقتضياته اللغوية والثقافية والمجتمعية والتاريخية،سيأتي لاحقا.
فسعيد بنكراد لا يترجم من أجل الترجمة في ذاتها، وعلى أساس مردوديتها المالية أو حتى الاعتبارية، كما عند كثير من المترجمين، أو محترفيها، بل يترجم في إطار مشروع فكري، وقضية سياسية، وإن بنَفَس يساري»نضالي».هكذا، وفي هذا الأفق، فقد قدّر فأحسن تقديرا لما ترجم كتاب، الكلمات والنساء، في سياق مخاض مغربي يغلي بمطالبة حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل. فالكتاب إذن، وعلى حد تعبير المترجم، ما يزال: «محتفظا براهنيته خاصة في المجتمعات المتخلفة، كما هي مجتمعاتنا». ومع ذلك، وهو يشرح مسوغات الترجمة ورهاناتها، فإنه يعي صعوبة الرهان، ويُدرك أن «معركة المساواة أكثر من إعادة النظر في التوزيع اللغوي لدوائر المذكر والمؤنث. فهذه المساواة لا تقتضي تغييرا في قواعد نحوية أو قواعد لها علاقة بمنطق المطابقة، إنها تفرض علينا تغيير تصوراتنا عن الحياة والموت والمرأة والرجل. باختصار علينا أن نعيد النظر في طبيعة علاقتنا الاجتماعية، وموقع المؤنث والمذكر داخلها»(ص21 من مقدمة المترجم).
وبناء عليه، فالكتاب إذن، يعالج التمييز الجنسي داخل اللغة، الهندو أوروبية عموما، قديمها وحديثها، وما ينتج عنه من تمثلات رمزية تعكس صورة المرأة في تلك اللغة وتبرز وضعها داخل المجتمع ومسوغات ذلك، وعلى مختلف المستويات والسجلات. الشيء الذي جعلصاحبتهتقسم كتابها إلى جزأين. الأولتناولت فيه لغة الرجال، ولغة النساء، وخصائص كل واحدة على حدة، من جهة الصوت والتركيب والمعجم والمسكوكات اللغوية، ومن جهة الاستعمال والتصور والوضع الاجتماعي،والثاني، بسطت فيه الصورة الدونية للمرأة في اللغة، خاصة في هيمنة النزوع الذكوري على الأنثوي والاستخفاف به، وتعالي الفحولي على النسوي، ورفعة الأبوي على الأمومي…مما كرّس اللامساواة بين الرجل والمرأة، على مستوى امتلاك الاسم واللسان والقاموس والثقافية. واللغة…
على هذا الأساس، يمكن اعتبار اللغة بما هي لغة، أداة ناجعة ونافذة لهيمنة الرجل على المرأة، «ليس في اللغة وحدها، مادامت المرأة لا تعيش ولا تحس داخل لغة هي من صنع الرجال، وهم من يستوطنها»(ص119 من الكلمات والنساء)، ولكن كذلك، وامتدادا لها، في المجتمع والاقتصاد والسياسية والفن والجنس والدين والاستيهامات والتصورات والتمثلات عن الحياة والموت وما بعد الموت…وهو بعض ما خلصت إليه ياغيلو في قولها، «إن الرجل حيوي مبدع، أما المرأة فسلبية مستقبلة، الرجل يسير نحو المستقبل، أما المرأة فمحافظة؛ الرجل حر وجسور، أما المرأة فحذرة وخجولة؛ تتشبث المرأة بالملموس التافه، وأما الرجال فميالون إلى الأفكار الكبرى. إن الرجل يفكر، أما المرأة فلا تفعل ذلك، الرجل ساخر في حين لا تعرف المرأة السخرية»(ص111-112، من ياغيلو). وتلك بعض معالم هيمنة الرجل على المرأة و تحقيره لها من بوابة اللغة وما ينتج عنها.
بهذا المعنى، فإذا كانت «اللغة هي أداة للهيمنة، فإنها أداة للتحرر أيضا»(ص305، ياغيلو). فاللغة هي الداء والدواء في ذات الوقت، فوجب بذلك على المرأة، والحركة النسوية إذا ما أرادت التحرر من تلك الهيمنة، وإقرار المساواة في اللغة، وامتداداتها في المجتمع والدولة، فلا محيد عنها من ثورة في اللغة ولا شيء سوى اللغة؛»فخلاص النساء يمر عبر رفض طابوهات اللغة»( ياغيلو، ص117)، وفي مقدمتهن نساء الغرب، وقد بلغن درجة في المساواة بين الرجل والمرأة، ما تزال طريقها طويلة ومحفوفة بكثير من الانزلاقات الوعرة، لن تكون ضحيتها في المنتهى سوى المرأة والمجتمع بالتتابع. أما المرأة العربية، ومنها المغربية، فحدث ولا حرج، إذ ما تزال تعيش سجينة اللغة العربية بكلماتها ونحوها وصرفها وتركيبها ومعجمها، وبالتاليبثقافتها وحضارتها ومعتقداتها، بل وحتى في وجودها بأبعاده المختلفة.

ثانيا- الترجمةوالمرأة في خِدمة الانتماء القومي والهَم الوطني

طبعا، ليس في نيتنا عرض محاور كتاب ياغيلو،الكلمات والنساء، والحديث عن أجزائه وفصوله، والمواقف والتحليلات التي يبسطها، ولا قصدنا إلى رصد صورة المرأة في اللغات الغربية، عبر مسارها التاريخي في المجتمعات غير العربية، ولكن حسبنا في هذا المقام أن نبرز أهمية اللغة في تحرير المرأة من عدمه، ودواعي سعيد بنكراد لترجمة هذا الكتاب ورهاناته المرتبطة بالأساس بمشروعه الفكري، وأفقه «التقدمي» بتحرير المرأة العربية فالمرأة المغربية بالأخص، وفي ذات الوقت في خدمة اللغة العربية وتطويرها، بناء على ما ذكرناه أعلاه. مع التذكير بالعلاقة اللزومية بين الترجمة والمرأة باللغة والثقافة والقيم والتأويل، والتنبيه إلى أن الترجمة من لغة إلى أخرى ليس «ترفا»، ولا عملا بسيطا يتم عبر الانتقال من دال لساني إلى آخر، بل انتقال من حقل ثقافي وحضاري إلى آخر، كما يؤكد على ذلك سعيد بنكراد. ومسلمته في ذلك، أن كل لغة إلا وتملك تقطيعا مفهوميا خاصا بها، يشمل « العدد والنوع والمذكر والمؤنث ودوائر قيمية ليست واحدة بالضرورة في كل اللغات». والشاهد على ذلك، الحالات التي تشير إليها ثنائية المذكر والمؤنث لصلته بموضوعنا، وفي سياق استحضار اللغة العربية /لغة الهدف واللغة الفرنسية/ اللغة الأصل، يورده سعيد بنكراد قائلا:» فنَقْلُ أسطورة من الفرنسية إلى العربية يلعب فيها القمر والشمس أدوارا رئيسية(يعشق أحدهما الآخر مثلا) سيطرح الكثير من المشاكل الاصطلاحية والثقافية للترجمة. فالشمس مؤنثة في العربية وهي مذكرة في الفرنسية، والقمر مؤنث في الفرنسية ومذكر في العربية. وهو ما يعني إعادة النظر، لحظة الترجمة، في كل الدوائر القيمية المرتبطة بهما، بل يجب «إعادة» كتابة الأسطورة وفق ما يتناسب مع القيم التي تحملها العربية الخاصة بالمذكر والمؤنث، بكل الأبعاد الإيديولوجية والدينية والاجتماعية التي يتحدد داخلها موقع الرجل والمرأة»(ص73، من سيرورة التأويل).
إن الهم الذي يسكن سعيد بنكراد ويوجه كتاباته، ويحكم ترجماته، ليس سوى همّ الوطن العربي وانعتاقه، وبالأخص همّ المغرب وتقدمه. فقومية الباحث ووطنيتهوجهان لعملة واحدة يتعذر الفصل بينهما. فهو مناضل قومي الانتماء، بحكم سيرورة النشأة وأجواء النضال ومتطلباته في محطات من تجربته الحياتية، وهو مناضل وطني بالفطرة والوجود في العثامنة، بضواحي مدينة بركان، ومساره النضالي في الإعدادية والثانوية، وفي الجامعة في فاس ومكناس والرباط وباريس، وفي المجلة والدرس والتأطير والتأليف والترجمة. فهو منتم للأفق العربي وقضاياه، ولكن مسكون بوطنه ومصيرهولغته. وهذا بعض ما يظهر في مقدمة ترجمته للكتاب، ويتضح أكثر في هوامش ترجمته على امتداد الترجمة.فما يكتبه الكاتب امتداد لما يترجمه، وتعميق له.
استهل سعيد بنكراد مقدمة ترجمته لكتاب، الكلمات والنساء لياغيلو، بما يحكم الثقافة العربية، ويشكل تمثلها للمرأة، قائلا:»مرّ أعربي بامرأة تقرأ فقال: الأفعى تزداد سما»(ص9 من المقدمة). الأمر إذن يتعلق بالمرأة العربية، ومنها المغربية، وبالتالي فلا يهمه شأن المرأة الغربية ومسيرتها في اللغة عند الغرب خاصة، ولا قصده رصد صورة المرأة الغربية في لغتهم وثقافاتهم وتمثلاتهم. فما يشغل بال بنكراد غير ما يشغل بال ياغيلو. صحيح هناك مشترك إنساني بين الرجل والمرأة، في الذكورة والأنوثة، في اللغة والقيم والنوع والقاموس والهوية الثقافية، لكن خصوصيات المرأة في اللغة العربية وبالتالي في ثقافتها غير خصوصيات ما تحدثت عنه ياغيلو. وهو ما جعله يتحرك ضمن دائرة اللغة العربية وثقافتها، ويستدعي مرجعيتهما(من المقدمة، ص10) ويداعب قواميسها. فهذا قصده ومرماه. فثنائية المذكر والمؤنث عند بنكراد قاعدةللدفاع عن المرأة وحقوقها، وآلية من آليات تفكيك تمركز الرجل/ الذكر. وهذا ما جعله يتطرق إلى الثنائية نفسها، ولكن من أمثلة عربية، ومن مداخل بعض القواميس العربية. يقول سعيد بنكراد عن ثنائية المذكر والمؤنث، «في العربية منذ البداية، فهُما لا يعنيان في الأصل ذكرا وأنثى يشيران إلى خاصية بيولوجية تقتضي تكاملا بين رجل وامرأة، بل يحيلان، كما جاء في لسان العرب مثلا، على سلسلة من القيم تنتشر في اتجاه الضعف واللين والسلبية في الأنوثة، وفي اتجاه القوة والشدة والصلابة في الذكورة، بل إن العربية لا تتحرج في وصف الرجل بالرجيل، أي القوي الشجاع والصلب، وتصف المرأة بالأنيثة، أي الضعيفة والسلبية، وستكون الأنيث من الرجال، تبعا لذلك، مخنثا قريبا من عالم النساء(مادة ذكر وأنثى في لسان العرب»(ص13 من مقدمة المترجم).
حتى الأمثلة والنماذج التي تبرز خلل معادلة الذكورة والأنوثة، وبالتالي بين الرجل والمرأة فغالبا ما يعود إلى لغة العرب والمغاربة وثقافتهم وبيئتهم وتمثلاتهم.ألم أقل لكم أنه عربي قومي، ولكن مقيم في وطنه ومسكون به؟ فوحدها اللغة تمنح الوجود للإنسان أو تسحبه عنه، وهي التي تبني التمثلات، وتقيم التصنيفات، وتصدر الأحكام، وتحدد الوضعيات. لنتأمل ما أورده بنكراد في هذا الباب قائلا:»فقد أسقط العربي الكثير من الصفات التي كان يستجيدها في المرأة، فالمرأة غصودة(سمينة) كالناقة، وهي قيدود مقدودة مثلها، وقرطاس بيضاء القامة وسنيعة وعندلة ضخمة الثديين كالناقة أيضا. والحاصل أن كمال المرأة وفتنتها وعطاءها كلها صفات تتحقق حسب درجة تطابقها مع الناقة في الحليب والقديد والصبر. وهي أيضا غزال وريم وظبي، وهي في العصور الحديثة، عندنا في المغرب على الأقل، «قطة»، أي تتمتع بكمال في الحسن والجمال والرشاقة، إن لها فائضا في الأنوثة يغطي على الأقل وجودها في القيم والأخلاق. أما ذكورة الرجل فتتمثل في فحولته وشجاعته وبأسه. إن كلمة «عزْبة» في الدارجة المغربية تعني بالضرورة فتاة عذراء، أما العازب أي «العْزرِي» من الرجال فهو الحر المتحرر من قيود الزواج أو الذي لم يتزوج بعد. السجل الأول في جميع الحالات حسي يبحث في تفاصيل الأعضاء عن جمالها، أما الثاني فيلتقط وضعا مدنيا يشير إلى حالة الرجل داخل المجتمع».(ص18 من مقدمة المترجم).
لقد أمعنت اللغة العربية بنحوها وقواميسها وبثقافتها وحضارتها في إذلال المرأة وتحقيرها، فماثلتها بالحيوانات، ووسمتها بنقص في العقل والدين، وضعف في التفكير والثبات، وبخست شهادتها، وقزمت وضعها،وأعلت شأنها في المتعة والإنجاب والأمومة،وموازياتها. إنها «الأساس الذي يقوم عليه توزيع الأدوار والمهن والوظائف والأحاسيس ونصيب الذكر والأنثى من الإرث والشهادة، ومن خلالها أيضا يُفْصل بين القوي والضعيف والسلبي والإيجابي والإيلاجي والاستيعابي»(ص12 من المقدمة). وظلم اللغة أشد مضاضة من ظلم المجتمع أحيانا. ويكفي تأمل بعض من ذلك، في ما سجله أحد الظرفاءعن ظلم اللغة العربية للمرأة وإمعانها فيه، وقد عجزت عن التعرف عليه، وتحديد مرجع قوله،وودت لو كنت صاحب هذه الخلاصات الذكية. يقول «إن اللغة العربية قد ظلمت المرأة « في خمس مواضع وهي:إذا كان الرجل على قيد الحياة يقال له حي، أما إذا كانت المرأةعلى قيد الحياة سيقال لها حية.إذا أصاب الرجل في قوله أو فعله يقال له مصيب، أما إذا أصابتالمرأة سيقال لها مصيبة.إذا تولى الرجل مهنة القضاء يقال له القاضي، أما في حالة المرأة،سيقال لها قاضية.إذا أصبح الرجل عضوا في أحد المجالس يقال له نائب، أما فيحالة المرأة، سيقال لها: نائبة.إذا كان الرجل متعلقا بإحدى الهوايات يسمى هاو، أما في حالة المرأة،سيقال لها: هاوية».
وفي هذا الأفق، وانتظاما معه لم يبخل سعيد بنكراد، وهو ينجز ترجمته/ترجماته، بل وفي ما يكتبه ويؤلفه في الدفاع عن مساواة المرأة مع الرجل، والمرافعة من أجل إنصافها كقيمة إنسانية لا تقل عن قيمة الرجل، بل ولم يدخر جهدا في نقد ذكورية اللغة العربية، وفي الوقت نفسه في الرهان على تطويعها وتطويرها، وإخصابها بحصيلة التجربة الإنسانية، ومعارف العصر وعلومه، سواء في مراعاة طبيعة الجملة العربية، واحترام قواعدها، بل واللجوء إلى الانتقاء بين الكلمات في سجل واحد، على أساس تأويل مُؤسس، علما بأن الترجمة قد «عدّت في الكثير من الأحيان تأويلا، لا يلج عُشا آمنا توفره لغة محايدة، بل يوضع ضمن قوالب ثقافية جاهزة يعيد داخلها المترجم (أي المؤول) صياغة دلالاته وفق المتاح التركيبي والمعجمي، بل والصوتي في بعض الأحيان»(بنكراد، ص53، سيرورات التأويل). كل هذا وعينه على القارئ العربي المفترض،يشد بيده، وهو يسعى إلى تقريبه من محتوى لغوي وثقافي وحضاري غير عربي، بقصد «استنبات معرفة حديثة ضمن ممكنات العربية، وضمن مصطلحاتها وطريقتها في بناء الفكر وإشاعته»(بنكراد، وتحملني، ص339). الشيء الذي يفسر كثرة الهوامش والحواشي والشروحات التي تخترق الكتاب المترجم، ناهيك عن ترجمة عديد من المصطلحات الأجنبية إلى اللغة العربية، وعلى أساس آلياتها المرعية فأغنتها حتى صارت تجري على ألسنة الباحثين العرب في المحافل العلمية والأكاديمية دون تردد أو حرج، على سبيل المثال لا الحصر، نذكر: علامات، وسميائيات، وسنن، وغيرها كثير من الاصطلاحات التي سارت في البحث العلمي، ويضيق حيز هذا المقالة من استيفائها.وهذا موضوع بحث نقترحه على طلبة باحثين في بداية مشوارهم الأكاديمي…/


الكاتب : إدريس جبـري

  

بتاريخ : 02/09/2023