مبادرات مدنية بفرنسا لدعم المتضررين من زلزال الحوز

تعرف فرنسا موجة تضامن كبيرة من أجل دعم ضحايا الزلزال، يقف وراءها مغاربة مقيمون بهذا البلد أو فرنسيون مرتبطون بالمغرب، وهي مبادرات مست كل التراب الفرنسي، وعكسها الاهتمام الإعلامي الكبير بهذه الفاجعة التي ضربت المغرب، رغم أن جزءا من هذا الإعلام كان أحيانا بعيدا عن الموضوعية بل قام بدور سيء في تغطية الفاجعة وفي ترويج أخبار زائفة، منها مثلا القول برفض الحكومة المغربية للمساعدات الدولية.
هذه المبادرات قامت بها مئات الجمعيات في مختلف المدن والجهات الفرنسية سواء من خلال جمع الأموال أو كل ما يحتاجه المتضررون في عين المكان من أغطية وأدوية وملابس وتجهيزات طبية.
هذه العملية صاحبها فنانون ومشاهير من أصول مغربية أو فرنسية من أجل تعبئة الرأي العام الفرنسي ومن أجل توفير الدعم لضحايا هذا الزلزال.
«المغرب بلد كبير وله الإمكانات لمواجهة هذه الكارثة»، يقول ارتير وهو أحد أبناء الدار البيضاء وهو منشط تلفزي كبير بفرنسا في تصريح للقناة الثانية التي نظمت ليلة خاصة حول هذا الزلزال لدعوة كل الفعاليات من أجل دعم بلدهم المغرب، وكذلك الفرنسيين من أصدقاء المغرب وعددهم كبير.
وفي نفس الاتجاه، قام فنانون من أصول مغربية بفرنسا بمبادرات لدعم بلدهم الأصلي مثل جاد المالح الذي قاد حملة لجمع التبرعات على إحدى القنوات الإخبارية الفرنسية بالإضافة إلى ايلي سمون، جمال الدبوز، الذي تنقل إلى مراكش وتبرع بدمه في خطوة لتشجيع هذه المبادرة.
وأمام هذه التعبئة الكبيرة وسط المجتمع المدني وفي الأوساط غير الرسمية من أجل دعم ومساندة ضحايا الزلزال في هذه المحنة، عرفت فرنسا صوتا ووجها أخر، مثله جزء من الإعلام الذي كان متحاملا، وأطلق حملة ممنهجة مفادها «أن السلطات المغربية ترفض المساعدات الغربية»، في حين أن إسبانيا وبريطانيا هي من أول البلدان الغربية التي تشارك فرقها في الإنقاذ.
هذه الحملة في بعض وسائل الإعلام الفرنسية كانت تستهدف سيادة المغرب، وتستهدف قراره السياسي في اختيار المساعدات التي هو في حاجة إليها، وفي تنظيم المساعدات الإنسانية فوق ترابه، ولا يمكن للمغرب أن يقبل مساعدات عشرات الدول التي اقترحت ذلك، وإلا أصبحت هذه المساعدات عبئا يجب تنظيمه وحمايته في منطقة وعرة وشاسعة وفي ظل طرق مقطوعة ووعرة لا يمكن الوصول إلى سكانها إلا عبر الجو وعبر الوسائل التي توفرها القوات المسلحة المغربية التي تتواجد في الميدان منذ اللحظات الأولى لهذه الكارثة.
ادعاء بعض وسائل الإعلام الفرنسية، والتي قدمت الحكومة المغربية على أنها ترفض المساعدات الدولية وترفض إنقاذ سكانها، حملة ممنهجة يمكن أن تتسبب في فوضى بالمنطقة في حالة تصديق مثل هذه الادعاءات المغرضة.
هذه الحملة جاءت في ظروف خاصة تتمثل في ما تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية من برود بسبب تخلف الموقف السياسي الفرنسي حول قضية الوحدة الترابية للمغرب بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة الرباط على الأقاليم الجنوبية والموقف الداعم للحكم الذاتي من طرف إسبانيا وألمانيا.
لكن رغم الحملات التي قام بها البعض، فإن الروابط الإنسانية والاجتماعية بين البلدين كانت أقوى، وهي التي تفسر هذا الاهتمام الاستثنائي فرنسيا بهذه الفاجعة التي ضربت المغرب، حيث تضم فرنسا أكبر جالية مغربية بالخارج تتجاوز مليون ونصف المليون نسمة ونصفهم من مزدوجي الجنسية، بالإضافة إلى 50 ألف فرنسي يقطنون المغرب، وهو ما جعل المجتمع المدني الفرنسي والجالية المغربية بهذا البلد تتحرك بقوة من أجل مساعدة إخوانهم في هذه المحنة، حيث تقوم مئات الجمعيات بحملات من أجل جمع التبرعات والدعم للمناطق المنكوبة وتجنيدهم لكل الوسائل التي يتوفرون عليها، سواء من خلال جمع المساعدات المالية والمادية من خلال مختلف الجمعيات بمختلف المدن الفرنسية، بالإضافة إلى وجود جمعيات غير رسمية للإنقاذ التي تشارك وتعمل تحت إمرة فرق الإنقاذ المغربية بالإضافة إلى مختلف الجمعيات الفرنسية المغربية المتواجدة بالميدان.
ومن الجمعيات الفرنسية الكبرى التي لها شركاء في الميدان بالمغرب وحاضرة في المناطق المنكوبة، الإنقاذ الشعبي «سكور بوبيلير» الصليب الأحمر الفرنسي ومؤسسة فرنسا، وهي كلها مؤسسات تقوم بجمع التبرعات وتبعث بها إلى عين المكان، هذا بالإضافة إلى جمعيات المهاجرين من مختلف المدن.
هذا ما يجعل المجتمع المدني الفرنسي حاضرا بقوة في عملية الإنقاذ التي تتم بمناطق الحوز التي أصابها الزلزال رغم غياب فرنسا الرسمية عن هذه العملية، وهو ما يجعل علاقة المجتمعين أقوى من العلاقات السياسية الباردة بين الرباط وباريس.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 14/09/2023