أشهد أنّي رأيت…

أحمد الويزي

 

صدق مَن قال إنّ المرء ليرى الحياة على نحو مختلف، حين يرسل إليه الموت غمزة… وما حدث في مراكش (بحوزها القريب والبعيد، وما بعدهما)، لم يكن مجرد غمزة من الموت، وإنّما كان رجّاً عاصفاً شديدَ الفتك!
ومع ذلك، لم يمت الأمل في النّفوس، ولا ماتت الرّغبة في التّحدي والتّجاوز أبدا، وإنّما نمّتِ الفاجعةُ لدى كثير من المغاربة، بمختلف أجيالهم وألوان طيفهم الاجتماعي والثّقافي والسّياسي، منسوباً قويّاً من التّفاؤل المشدود الى حبل الحياة، بكيفية غدا شعارها هو التّكافل والتّعاضد و التّآزر…
وقد قُيِّض لي بالأمس أنْ رأيتُ بأمّ عيني، خلال زيارتي التّضامنية المتواضعة مع بعض المنكوبين بدوار أمكْدال وتِنيسَكْت (على مبعدة من أسني وتحنّاوت)، ما لا تقوى اللّغة العاديّة ولا الشّعرية على وصفه!… رأيْتُ قوافل وراء أخرى… شريطا ممتدّا لا ينقطع صبيبه من السّيارات والشّاحنات والدّراجات النّارية، على تنوّع أشكالها وأحجامها وموديلاتها، تتقاطر الواحدة لصق الأخرى، على مناطق النّكبة بكيفية غير معتادة. وكانّها هيأت نفسها سلفا لذلك، وتواعد أصحابها على التّلاقي هناك!
لقد كانت قوافل كبرى تتعاقب في سيرها، الواحدة خلف الأخرى، من منتصف النّهار الى العاشرة مساء (وهي الفترة الوجيزة التي استغرقتها زيارتي، فقط!)… وكأن مركز النّكبة صار محجّا لكلّ المغاربة، من الشّمال الى أقصى الجنوب، مرورا بمدن وقرى الشرق والغرب! وكأنّه صار – ولا يزال الى الآن- عاصمة لقلوب كلّ المغاربة!
لقد كان ما رأيته من مشاهد التّضامن الإنساني السّخي، أقوى بكثير من مشاهد الفاجعة والخراب، لأنّ كافّة الذين حجّوا الى هناك، جاؤوا يحملون أثمن ممّا حملته عرباتهم ومراكبهم. لقد جاؤوا يحملون شعار المواساة والمحبّة، والرّغبة الجامحة في رأب ما تصدّع في قلوب المنكوبين، بأيتامهم وأراملهم… جاؤوا يقولون لهؤلاء المفجوعين والموجوعين كافّة، بعد التّرحم على الضّحايا: نحن معكم! قلوب المغاربة كافّة معكم! وكان ما رأيته أعظم درس، وأغلى ما أسفرت عنه سفرتي!
فتحية كبرى من صميم القلب لجميع هؤلاء الفاعلین، الذين زرعوا في القلوب بعض الأمل! ورحم الله شهداء هذه النّكبة وفاجعة ليبيا الشقيقة!

الكاتب : أحمد الويزي - بتاريخ : 14/09/2023