قراءات في الأدب المغربي الحديث للدكتور إبراهيم خليل

يعتبر الناقد والأكاديمي د.ابراهيم خليل من العلامات المضيئة في مسيرة الحركة النقدية العربية المعاصرة. فعلى مدى يزيد على أربعة عقود من الحضور الثقافي نقدا وبحثا، وبجهود علمية خلاقة، أثرى المكتبة النقدية العربية بعشرات المؤلفات، وقد توزعت أعماله المتميزة، البالغة القيمة، بين اللغة، ونظرية النقد، ونظرية السرد ونقده، والشعر ونقده، وفي تاريخ الأدب ونقده، والأدب المقارن. وتراجم للشخصيات، بالإضافة إلى إبداعاته في القصة والشعر التي بدأبها مشواره الأدبي.
بعد هذا يجب الإشارة، بالأساس، إلى العديد من دراساته ومقالاته المنشورة بالمجلات والملاحق الثقافية التي يحتاج جمعها وتصنيفها إلى جهد خاص.
دون أن يغيب عن بالنا، كذلك، جهوده المتمثلة في تدريس الأدب والنقد والمناهج الحديثة لطلاب قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الأردنية، وإشرافه على العشرات من الأطاريح الجامعية في مجال تخصصه.
إن معظم أعمال د. إبراهيم خليل تتمثل في متابعة الإنتاج الأدبي العربي الحديث في أجناسه المختلفة، مع اهتمام ملحوظ ، بالضرورة، بالإبداع الأدبي والنقدي الفلسطيني والأردني، هي متابعة خصبة تقارب النصوص الإبداعية درسا ورصدا وتطبيقا من ناحية، وتضعها، من ناحية أخرى، في سياقها من حركة التطور الأدبي.
وفي هذا المجال لايمكن إغفال مجهوداته القيمة في إطار مساهمته في تحديث الوعي النقدي لدى القارئ العربي، وذلك من خلال ما قدم من شروحات مفصلة لمدارس ومناهج النقد الحديث(النقد الألسني – الاسلوبية – التفكيكية).
إن د.ابراهيم خليل، وكما أتصوره، هو من هؤلاء الباحثين والنقاد البارزين الذين أكملوا ، بكل اقتدار، البناء الذي وضع لبناته رموز وأعمدة المدرسة النقدية العربية العظيمة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وفي مقدمتهم إحسان عباس ومحمد يوسف نجم ومحمد مندور وغنيمي هلال وشكري عياد وعبد القادر القط و جبرا إبراهيم جبرا وعز الدين إسماعيل.
إن د. إبراهيم خليل، ودون مبالغة ودون مراء، هو صاحب مشروع نقدي، مازال يواصل عطاءه، بإخلاص ودأب، مساهما في إخصاب الواقع الأدبي العربي بجهوده التنظيرية والتطبيقية.
وفي هذا الإطار أصدر في الشهور الأخيرة ثلاثة كتب هي على التوالي (مع النقد والنقاد – في مؤلفات مختارة) و(الغاوون.. شجون الشعر وسحر الموسيقى). وقد التفت، مع بالغ الشكر، في كتابه الثالث لما أنجزه مجموعة من المبدعين والباحثين المغاربة، وهو بعنوان (صفوة المجتبي.. من الأدب المغربي).
ولأن الكتاب لم يصل بعد إلى المكتبات المغربية، أو يعرض بمعرض الكتاب، وتعميما للفائدة، سأكتفي هنا بنشر مقدمة الكتاب التي جاء فيها:
“لا جدال في أن الأدب، كغيره من الفنون ينشط في ظل الصراع الذي يحتدم بين أصحاب المظالم، والمضطهِدين المستغلين الجشعين وقد وقع المغرب – مثلما هو معروف – تحت الاحتلال الفرنسي 1912، إذ فرض المستعمرون على هذه البلاد ما يعرف زورا بالحماية، وليتهم توقفوا عند هذا الحد، إذ سرعان ما سعوا لتمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد بالقوة تارة، وبالسياسة المراوغة تارة أخرى .
فأصدروا ما يسمى بالظهير البربري الذي يستهدف فصل القبائل البربرية عن غيرها
من العرب، وفرض التبعية للمحاكم والدوائر الفرنسية، وإغراءاتهم*** باتخاذ الفرنسية لغة لهم بدلا من العربية، بالترغيب تارة، وتارة بالترهيب .
وقد دفعت هذه التحديات السياسية الاستعمارية النخبة المغربية للتصدي،
فظهرت المنابر من صحف ومجلات، وهي التي أخذت على عاتقها القيام بالتحريض
ضد هذه الدسائس والمكائد الاستعمارية. ونشرت فيها المقالات والقصائد التي لا
تتحدى المستعمرين فحسب، بل تعبر عن التضامن مع الشعوب العربية الأخرى
في تونس والجزائر ومصر وفلسطين.
ويرى الدارسون في الحياة الأدبية المغربية ثلاث مراحل. الأولى تمتد من العام
1912 الى عام 1930 ، وفي هذا الطور ظهرت إلى جانب الشعر ألوان جديدة
من النثر كالقصة القصيرة. ويعد عبدالله بن المؤقت من أوائل الكتاب الذين كتبوا
هذا اللون. فقد نشر في العام قصة بعنوان»فاطمة». وتبدأ المرحلة الثانية في العام
1930 وتمتد إلى سنة 1956 وفي هذا الطور اجتازت القصة ضعف المحاولات ووهم البدايات. ففيها ظهرت «في الطفولة» لعبد
المجيد بن جلون، التي توازن بـ»أيام» طه حسين، وظهرت أيضا قصة بعنوان «رواد المجهول» لأحمد البقالي و»مذكرات فقيهة» لمليكة الفاسي.
وتعد مرحلة ما بعد الاستقلال هي المرحلة الثالثة، وفيها انفتحت الكتابة
الأدبية على فنون نثرية وشعرية جديدة، كالقصة والرواية والمسرحية وقصص
الأطفال، وكتابة المقالات، والسير الذاتية، وغير الذاتية، والدراسات الأدبية والنقد والنقد بشقيه النظري والتطبيقي. فعلى سبيل المثال ظهرت فرق مسرحية وأجواق، في كل من تطوان، وسلا، والدار البيضاء والرباط. وصنف الشعراء
نصوصا مسرحية اتخذوا أبطالها من الشخصيات التاريخية، كولادة بنت المستكفي ، ومن الوقائع التي شهدها المغرب في الماضي مادة للحكاية كمسرحية «وادي المخازن .»
وقد زاوج المسرحيون بين الشعر والنثر في المسرح. فالأول، يقدم للمشاهد فنا
جديدا لا يخلو من التقاليد الأدبيةالعريقة، والثاني، يقدم فنا جديدا كل الجدة .
أما الدور المنوط بالقصص والروايات، فقد تجلى في هذا الطور بوضوح،إذ وجدنا بعض النابهين من أمثال عبد الكريم غلاب، وعبدالله العروي، ومحمد
عزيز الحبابي، يخوضون فيه ويكتبون القصص والروايات «العض على الحديد»،
«دفنا الماضي» و»سبعة أبواب « و»الغربة» و»اليتيم» و»جيل الظمأ». وفي رواية «
الريح الشتوية « لمبارك ربيع يسلط الكاتب الضوء الكاشف على الفروق
الاجتماعية والطبقية، وعلى معاناة الفلاحين الذين تدفعهم الحاجة الماسة للمال إلى
ترك أراضيهم، وقراهم، والهجرة للإقامة بأحياء الصفيح في حي ابن مسيك. ولم
يزد تيار القصة إلا قوة واندفاعا. وامتدت شهرة بعض كتاب القصة للعالم العربي .
وفي مقدمة هؤلاء محمد زفزاف، ومحمد شكري وأحمد المديني، وإدريس الخوري والزهرة رميج، وعز الدين التازي، وإدريس الصغير ، والميلودي شغموم وغيرهم ممن لا يتسع هذا التقديم لذكرهم، وذكر ما كتبوه.
وقد غلب على أعمالهم سعيهم الموصول لتنقيح الواقع، وتسليط الضوء على
أخطاء الماضي، وهي أخطاء شابت مسيرة الوطن المغربي، بدليل ما ينتشر فيه،
ويشيع، من فساد ورشوة، ومن محسوبية، ومن فقر اجتماعي، وأخلاقي، وإفلاس سياسي. وهذا ما نجده بوضوح في روايات مبارك ربيع، وأحمد المديني، والزهرة رميج، ومحمد زفزاف، ومحمد غرناط، وإدريس الخوري، وقصصهم القصيرة.
وهذا الكتاب الذي ندفع به للقارئ ثمرة متابعة، لا تبلغ حدود الاستقصاء،
لما نشر وينشر من أدب مغربي. وهي مقالات نشرت ،آحادا، في أوقات متباعدة،
وأوعية للنشر مختلفة متعددة. وقد عن لنا ببال شيء مما تستدعيه الآمال، وهو
أن يكون اهتمام الدارسين للأدب العربي خاليا من نبرة الخضوع للحدود الجمركية،
بعيدا عن توافقات سايكس – بيكو، وغيرهما من دعاة التمزيق، والتشرذم
والتفريق، فأردت جمع ما تراكم لدي من مقالات، ومن بحوث ودراسات، عن
الأدب المغربي خاصة، ونشرها في كتاب معتدل الحجم، جم الفائدة، أسوة بصنيعي
في الرواية الكويتية بين جيلين.وبهذا أظنني أسن سنة حسنة رجاء أن يكون
توابها لي، ولمن عمل بها من بعدي».


الكاتب : د. حسن الغرفي

  

بتاريخ : 23/09/2023