من المقرر أن يتدارس قبل أن يصادق مجلس الحكومة المنعقد يومه الأربعاء على مشروع مرسوم قانون يقضي بإحداث «وكالة تأهيل وتنمية الأطلس الكبير» والتي سيعهد إليها بتنزيل برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز الذي تبلغ ميزانيته 120 مليار درهم.
ويهدف إنشاء «وكالة تأهيل وتنمية الأطلس الكبير» إلى ضمان التنزيل الفعال لبرنامج البناء والتأهيل حيث ستشتغل لمدة زمنية محددة مرتبطة بمدة البرنامج، وتتمثل مهامها الرئيسية في تتبع صرف المساعدات المالية، وتنفيذ مشاريع إعادة البناء والتأهيل، وتنفيذ مشاريع التنمية السوسيو-اقتصادية، والتنسيق بين مختلف القطاعات والفاعلين المعنيين.
وإذا كان اللجوء إلى اعتماد نظام الوكالات في تدبير القطاع العمومي يساهم بشكل أو بآخر في تحقيق مزيد من الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقوية مراقبة التمثيلية الوطنية للوكالات بالمغرب، فإنه مع ذلك مازال موضوع نقاش عمومي يروج على أعلى المستويات، من حيث كونه يحمل في طياته العديد من المزايا والمكاسب بنفس القدر الذي لا يخلو فيه من نقط الضعف والاكراهات التي تطرح عند التنزيل.
وبهذا الخصوص كان الخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، قد سلط الضوء بشكل دقيق على هذا الموضوع خلال مداخلة هامة له ألقاها في ندوة نظمت حول موضوع «تدبير القطاع العمومي في شكل وكالات.. بين طموح الأداء ومآلات التفعيل»، حيث اعتبر الخازن العام أن تدبير القطاع العمومي في شكل وكالات الذي أصبح “واضحا” خلال السنوات الأخيرة، لطالما أثار الكثير من النقاشات بين المناصرين والمعارضين بخصوص هذا النمط من التدبير العمومي.
وعاد نور الدين بنسودة إلى جذور ظاهرة الوكالات العمومية التي ظهرت في العالم الأنجلوسكسوني أواخر الثمانينات تحت تأثير الحركة الليبرالية و»التدبير العمومي الجديد». « new public management ». موضحا أنها في المغرب برزت معالمها حين كلف المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، السيد عبد اللطيف الجواهري، في بداية الثمانينات، بإعداد تقرير مفصل عن القطاع العمومي. في ذلك الوقت، منح البنك الدولي للمملكة قرض إعادة هيكلة المؤسسات العمومية بهدف ترشيد القطاع العام. وفي سنة 2016، ظهرت معالم هذا النمط في التقرير الذي أعده المجلس الأعلى للحسابات حول “قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب: الترسيخ الاستراتيجي والحكامة”.
وبالموازاة مع ذلك، أبرز بنسودة أن التحمس الكبير لاعتماد الوكالات كنمط للتدبير، يجد أساسه في جاذبية أنماط تدبير القطاع الخاص، التي تعتبر “أكثر شفافية ومرونة وبراغماتية”، مسجلا، في هذا الصدد، أن كثرة الوكالات في القطاع العمومي والنجاح الذي عرفته، تعكس الرغبة في تحقيق الأداء الجيد والعقلة التي تحتاج، حسب المناصرين، إلى «التخلص من عبء البيروقراطية، ومن كل ما من شأنه جعل الإدارة العمومية متحجرة».
كما أكد على أن إحداث هيئات تتوفر فيها المرونة اللازمة والكثير من الاستقلالية في التدبير، فضلا عن وضع آليات ربط المسؤولية بالمحاسبة، المتمحورة في الغالب حول النتائج، سيمكن، بشكل منطقي، من تحقيق النجاعة والإنجاز المأمولين.
ويرى بنسودة أن تكاثر عدد الوكالات في القطاع العمومي والنمو الذي شهدته جاء مدفوعا بالرغبة في الرفع من الأداء والعقلنة الذي يتطلب، بحسب مناصري الوكالات ، التخلص من ثقل البيروقراطية و جمود الإدارة العمومية. علاوة على ذلك، أليس السلوك المنحرف للإدارة هو الذي ربما يفسر هذا الانتشار الذي تعرفه الوكالات؟ ومع ذلك، يرى أنصار التفويض للوكالات أنه من خلال إنشاء كيانات تتمتع بالمرونة اللازمة، وقدر أكبر من الاستقلالية في الإدارة، ومن خلال وضع آليات للمساءلة، تركز في أغلب الأحيان على النتائج، فمن المنطقي أن تكون الكفاءة والأداء على المحك.
وهنا يستطرد الخازن العام للمملكة متسائلا: ولكن ألا يحق لنا أن نسأل أنفسنا، أولا وقبل كل شيء، ما إذا كان كل يصلح لتدبير القطاع الخاص يصلح أيضا لتدبير وإدارة الشأن العمومي؟ وفي هذا السياق يرى بنسودة أن هناك اختلافات جوهرية بين هذين القطاعين، من ضمنها على سبيل المثال أن النطاق الزمني لاتخاذ القرارات ليس هو نفسه: ففي القطاع الخاص، تستهدف القرارات في كثير من الأحيان الأمد القصير، في حين لا بد أن تكون القرارات في القطاع العام قابلة للتطبيق وتحقق نتائج مقنعة في الأمدين المتوسط والطويل.
من جهة أخرى يرى الخازن العام أن سبب الوجود ليس هو نفسه في القطاعين: ففي القطاع الخاص، يكون الهدف هو البحث عن الربح، وهو أمر طبيعي، في حين أن مفهوم الخدمة العمومية والمصلحة العامة هو الذي يحفز القطاع العام.
ويعتبر نور الدين بنسودة أن نقطتي الاختلاف هاتين لهما بالضرورة تأثير على الطريقة التي ينبغي بها النظر في إدارة الشؤون العامة. وهذا، في رأيه، عنصر جوهري، وهو التحيز الذي يدخله هذا في اللعبة الديمقراطية. حيث إن صناع القرار السياسي، المسؤولين عن تحديد وتنفيذ السياسات العمومية، لا سيما من خلال الإدارات الوزارية أو على المستوى المحلي، يُمنحون تفويضا سياسيا يمنح لهم عن طريق الانتخابات، مما يجعلهم مسؤولين أمام ممثلي الأمة. أما في نموذج الوكالة، فإن التكنوقراطية هي المسؤولة عن تنفيذ السياسات العمومية، بسبب نقص الخبرة في المجال السياسي وهنا جوهر الاختلاف في الرؤية، حيث تصبح هذه الأخيرة تقنية بدلا من أن تكون رؤية سياسية وإستراتيجية.
وهكذا فإن «وكالة تأهيل وتنمية الأطلس الكبير» التي سيتم إحداثها اليوم، تأتي في سياق هذا النقاش العمومي المنقسم بين التنفيذ السياسي / القطاعي للبرامج العمومية و بين التفويض للوكالات العمومية .
ويذكر أن برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز الذي تبلغ ميزانيته 120 مليار درهم، يتمحور حول أربع مكونات أساسية تهم إعادة إيواء السكان المتضررين وبناء المساكن وإعادة تأهيل البنيات التحتية، وفك العزلة وتأهيل المجالات الترابية، وتسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خاصة في المناطق الجبلية المتضررة من الزلزال، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل وتثمين المبادرات المحلية.
كما أن الوكالة المحدثة خصيصا لهذا الموضوع سترتكز في تنزيل برنامجها على دعامتين أساسيتين، تهم الأولى إعادة بناء وتأهيل البنيات التحتية المتضررة من الزلزال، فيما تتعلق الدعامة الثانية في وضع مخطط طموح ومندمج لتنمية أقاليم الأطلس الكبير من خلال مشاريع مهيكلة. وبخصوص الدعامة الأولى، سيتم تخصيص غلاف مالي قدره 22 مليار درهم، منها 8 ملايير درهم ستخصص لتقديم المساعدات الاستعجالية للأسر والمساعدات المالية لإعادة بناء وتأهيل المساكن التي انهارت كليا أو جزئيا، و14 مليار درهم لفك العزلة وضمان الولوجية للمناطق المتضررة، وإعادة تأهيل السدود ومحطات المياه المتضررة من الزلزال، والمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية، وإنعاش النسيج الاقتصادي المحلي والحفاظ على الموروث الثقافي والمرافق الدينية. أما الدعامة الثانية التي ستبلغ كلفتها المالية 98 مليار درهم، فتهم تطوير البنيات التحتية وتعزيز الأنشطة الفلاحية والسياحية بهذه الأقاليم، ودعم بروز مراكز قروية مندمجة وإعادة التأهيل الحضري، وإعادة تأهيل وتثمين المدن العتيقة، وتعزيز جودة الخدمات العمومية، لا سيما الأسواق والمحطات الطرقية والمجازر.
الحكومة تفوض لـ«وكالة تأهيل وتنمية الأطلس الكبير» مهمة تنزيل برنامج مابعد الزلزال

الكاتب : عادل عماد
بتاريخ : 27/09/2023