حشرة البق تضع الحكومة الفرنسية تحت الضغط
يوسف لهلالي
وجدت الحكومة الفرنسية نفسها تحت ضغط كبير بسبب مخاوف الفرنسيين من الغزو لحشرة بق الفراش، وإذا كان موقفها هو طمأنة الرأي العام حول محدودية هذا الغزو، فإن شبكات التواصل الاجتماعي تتداول آلاف الفيديوهات والصور حول وجود هذه الحشرة في وسائل النقل العمومي من ميترو الأنفاق والقطارات السريعة، وفي بعض القاعات العمومية، وتم تداول فيديوهات لمواطنين مذعورين يتحدثون عن وجود هذه الحشرة في وسائل النقل وكذلك في دور السينما والمدارس. وتكاثرت البلاغات عن هذه الحشرات الماصة للدماء، لكن السلطات تؤكد أنها لا تعبر عن الحجم الفعلي للظاهرة، ولا تريد انتشار صورة سلبية عن البلد خاصة أنها تستضيف الآن كأس العالم للرغبي، وتستعد لاستقبال الملايين من أنحاء العالم بمناسبة الألعاب الأولمبية في باريس صيف هذه السنة.
شغل هذا الموضوع الصحف الفرنسية والدولية، وأصبحت هذه الحشرة الطفيلية التي اختفت من فرنسا منذ منتصف القرن الماضي موضوعا للنكات في بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية سواء بفرنسا أو بالخارج.
بدوري تلقيت عدة مكالمات هاتفية ورسائل من العائلة والأصدقاء للاطمئنان علي وعلى عائلتي، وهو ما جعلني أدرك معه أهمية المتابعة الدولية لانتشار حوادث البق بفرنسا، كما تلقيت رسائل من أصدقاء من المغرب يعرضون المساعدة، بما تعج به الأسواق المغربية من «خبراء» لهم «كفاءة» في مواجهة هذا النوع من الطفيليات.
الإعلام الفرنسي حاول تفسير هذه الظاهرة وهذا الانتشار بعودة الناس من العطل، وكذلك نمط التغذية والهشاشة الاجتماعية التي تنتشر في بعض الأحياء بفرنسا، لكن أحد المعلقين العنصريين المشهورين في إحدى القنوات الإخبارية المدعو بسكال برود لم يتردد في تحميل هذه المصيبة التي ضربت فرنسا إلى المهاجرين الذين استقدموا هذه الحشرة معهم أثناء رحلتهم نحو أوربا، وربط ذلك بتزايد عددهم في الأيام الأخيرة، وهو الأمر الذي أثار استهجان بعض الصحف والسياسيين الذين قرر بعضهم متابعته.
الحكومة الفرنسية في اجتماعها الأسبوعي حاولت تهدئة المخاوف العامة المتزايدة بشأن «غزو» مفترض لبق الفراش، قائلة إنه ليس هناك أي دليل على عودة ظهور هذه الحشرة في وسائل النقل العام.
ورغم خطاب الحكومة لطمأنة الناس، فحسب الإعلام الفرنسي، أقفلت سبع مدارس في فرنسا، ورصد بق الفراش «على مختلف المستويات» في 17 منها على حد قول وزير التربية والتعليم غابرييل أتال لقناة «فرانس الخامسة»، مساء الجمعة الماضي، وذلك بمختلف المدن الفرنسية.
وفي أميان بشمال فرنسا، تعيد مكتبة لوي أراغون البلدية فتح أبوابها، بعد أيام على إغلاقها بسبب وجود هذه الحشرة «في الأماكن المخصصة للمطالعة فيها»، وأوضحت رئيسة بلدية المدينة بريجيت فوري لوكالة فرانس برس أن كلبا مدربا على ذلك لم يرصد أي بق بعد اتخاذ إجراءات للتعقيم، ما أتاح إعادة فتح المكتبة.
وأمام هذا الهلع المتزايد وسط الفرنسيين والخوف من هذه الحشرة الطفيلية أكد العديد من المسؤولين الفرنسيين أنه ليس هناك دليل علمي يشير إلى أي زيادة حادة في انتشار بق الفراش، وأن الصور المنشورة على الانترنت لا تعني بالضرورة أعدادا متزايدة منها.
ونفس الكلام أكده وزير النقل كليمان بون للصحافيين الأربعاء الماضي بعد عقد اجتماع طارئ مع أبرز الشركات المشغلة «ليست هناك عودة ظهور للبق « في وسائل النقل، وأضاف «ليست هناك زيادة في الأعداد، لا داعي للهلع» في تصريح للصحافة.
وتابع «يؤخذ هذا الأمر على محمل الجد وكل حالة يبلغ عنها تتلقى استجابة ويتم التحقق منها»، مشددا على أنه لم تثبت أي من الحالات التي أبلغ عنها في الأسابيع الأخيرة في مترو باريس أو في القطارات بين المدن.
المعارضة الفرنسية ليس لها نفس الرأي، فقد هاجمت رئيسة كتلة «فرنسا الأبية» ماتيلد بانون، المنتمية إلى التحالف اليساري الحكومة بشدة، داعية إياها إلى التحرك بشكل عاجل، معتبرة أن انتشار بق الفراش في جميع الأماكن اليومية تسبب في معاناة الملايين من المواطنين وعزلهم اجتماعيا، وذلك دون أن تتحرك الحكومة لإيجاد حل لهذه المشكلة الصحية والاجتماعية، مشيرة إلى أنها تعرضت للسخرية عندما دعت إلى خطة وطنية طارئة لمعالجة بق الفراش منذ سنة 2019، داعية الحكومة إلى الاعتراف بأن الأمر مشكلة صحية عامة، والتوقف عن مطالبة الناس بالتعامل مع المشكلة بأنفسهم كما لو كانت فردية، بينما تفرض الشركات تعريفات باهظة لرشها بالمبيدات الكيميائية، مؤكدة أنها مشكلة صحية وتتعلق بالصحة النفسية للفرنسيين، وكانت تتكلم في البرلمان وهي تحمل عينة من هذه الحشرات بوعاء زجاجي.
ورغم الخطاب الرسمي الذي يطمئن الرأي العام ويبلغه بعدد تكاثر هذه الحشرة بشكل لافت، فإن الحالات التي يتم تصويرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي مازالت تروج بقوة، وهي حالات يصعب التأكد منها خاصة أن بعض هذه الفيديوهات لا يمكن التأكد من مكانها أو وقت تصويرها.
عدد من دول العالم ومنها المغرب أخذت احتياطات احترازية لعدم تنقل البق إليها لوجود أكبر جالية مغربية بالخارج تتنقل بين الضفتين، وكذلك تبادل تجاري كثيف، وذلك من خلال قيام وزارة الصحة بتفعيل نظام اليقظة الصحية على الحدود.
الحكومة الفرنسية أخذت موضوع غزو البق بجدية كبيرة، وأعلن الناطق باسمها أوليفييه فيران أن اجتماعا وزاريا ثانيا خصص نهاية هذا الأسبوع للموضوع وترأسته الوزيرة الأولى إليزابيت بورن للنظر في هذه المسألة. ووعدت الحكومة بعملية تنظيف ربيعية واسعة» قبل دورة الألعاب الأولمبية سنة 2024.
الهلع والخوف من هذا الغزو المحتمل لحشرة اختفت من فرنسا منذ منتصف القرن الماضي، جعل حكومة هذا البلد في حالة استنفار خاصة أنها تتخوف على صورة البلد من هذه الانتشار سواء كان حقيقيا أو مفترضا، وهي تستعد على قدم وساق لاستضافة الألعاب الأولمبية في الصيف المقبل، كما أن فرنسا لا تريد أن تفقد الريادة كأكبر بلد سياحي بالعالم خاصة مدينة باريس التي يتردد عليها أكبر من ثلاثين مليون سائح كل سنة، وهو ما يعني أن البق أصبح يهدد قطاع السياحة بهذا البلد، والذي يترك عائدات تقدر بعشرات الملايير من اليورو كل سنة.
الكاتب : يوسف لهلالي - بتاريخ : 13/10/2023