تاريخ مخطط توطين الفلسطينيين في سيناء.. ماذا عن رأي السياسيين المصريين؟

 

خلال الأيام الماضية، وجهت إسرائيل دعوات مباشرة لأهالي قطاع غزة باقتحام معبر رفح لدخول الأراضي المصرية، نتيجة لذلك، أسرعت السلطات المصرية بالرد على السلطات الإسرائيلية، وتحذيرها بلهجة حازمة من «عدم المساس بالحدود المصرية بأي شكل من الأشكال»، مضيفة «وإلا سيكون الرد مباشرا وبالمثل!»، في ما معناه (من الجانب الإسرائيلي) «أنني إن لم أصنع الفوضى في هذا البلد، سأعمل على تصديرها إليك عبر الحدود معه، أي سأجبرك على مواجهة أخيك بدلا من مواجهتي».

سيناء.. هل كانت مفتاح
نهاية الصراع؟

من المستغرب، وغير المتوقع، أن يصدر من الجانب الإسرائيلي مثل هذا التحرك، وذلك لأن البلدين قد وقعا اتفاقية سلام بينهما منذ سنوات عدة (تحديدا حرب 73)، وهذا نتيجة لكون إسرائيل وفور خروجها من سيناء لم تستطع نسيان تلك المنطقة منذ ذلك التاريخ، مقررة أنها وبدل أن تسيطر عليها تستغلها بطريقة أخرى، أي أن تستغلها في «خطة لإعادة تسكين أهالي قطاع غزة»، وهذا ليس بالجديد لكون نتنياهو بنفسه قد زار مصر خلال فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، وعرض عليه «إلغاء ديون مصر مقابل نقل الفلسطينيين صوب سيناء» ليجيبه مبارك «اِنس ذلك، وعليها أن تكون المرة الأخيرة التي تطلب مني فيها هذا الطلب، وإلا ستجبرون على محاربتي من جديد، لكون المساس بأرض سيناء معناه الحرب وفقط «.
أتت هذه المعلومات، من تسجيل صوتي (مسرب) للرئيس الراحل حسني مبارك (يعود لما بين 2010 – 2012) يذكر فيه: «إن التفكير في سيناء، سيكون من (الجانب الإسرائيلي) على شكل رغبة منها بدفع الفلسطينيين («تزق» باللهجة المصرية) من قطاع غزة إليها، كان طمع الإسرائيليين في هذه الأرض علنيا وواضحا – مشيرا بأصبعه (يقصد نتنياهو) على سيناء في خريطة جلبها معه – وقائلا له «لماذا لا نبحث للفلسطينيين عن مكان ما في هذه الرقعة من الأراضي المصرية، مقابل إلغاء ديون مصر»، ليجيبه مبارك «اِنس الأمر، ولا تعاود ذكره وإلا ستسبب مشكلة بين البلدين قد تصل حد الحرب»، كما ذكر اللواء المصري سمير فرج.
بعد سنوات من هذه الحادثة، تحديدا في سنة 2008، حاصرت إسرائيل (كما تفعل الآن) قطاع غزة مجبرة الفلسطينيين على «تفجير» الحاجز الحدودي الفاصل بين مصر وغزة، وعابرين عبره الحدود إلى الأراضي المصرية. هنا، تعاملت مصر وسلطاتها بكل لباقة معهم، سامحة لهم بالمرور لاقتناء ما يلزمهم من حاجيات، دون أن ننسى ما وفرته من دعم علاجي وغذائي. من المفاجآت خلال هذه الأزمة، أن الرئيس المصري لم يتوقع أن عابري الحدود قد بلغ تعدادهم 300 ألف شخص، كما جاء على لسان أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصري (مقارنة ب30 ألف كما توقعها الرئيس المصري)، ليرتفع لقرابة 700 ألف بعدها بمدة.
أما المفاجأة الثانية، وبعد القفزة المهولة في أعداد النازحين من قطاع غزة، ملاحظة انتقال العديد منهم إلى منطقة «العريش»، ثم بعد تؤكد الجيش الإسرائيلي من تحرك الفلسطينيين صوب مصر، إقدامه على إقفال الحدود من جهته رافضا عودتهم حتى مع المطالب المصرية بذلك، وليستمر الوضع على هذا المنوال لأشهر قبل أن تحل المشكلة ويعود الفلسطينيون إلى قطاع غزة.

حلم الشرق الأوسط الجديد

خلال الأيام القليلة الماضية، ظهرت على السطح خريطة تشمل ما وصف بـ»الخطة الأمريكية – الإسرائيلية لتقسيم سيناء المصرية»، عقب تصريح نتنياهو عن رغبته في تكوين منطقة «شرق أوسط جديدة» عبر تطبيق مشروع «تبادل الأراضي» بين مصر وإسرائيل طبقا للوثيقة الأمريكية، وذلك عقب الدعوات الإسرائيلية المتكررة للفلسطينيين للنزوح صوب سيناء.
بالعودة لبدايات سنة 2010، كانت إدارة الجمهوريين آنذاك عازمة على تشجيع حلم «الشرق الأوسط الجديد» الذي تبناه أوباما كذلك، عبر «حلحلة القضية الفلسطينية» استنادا إلى دراسات الأستاذ الإسرائيلي «موشيه إيريه»، التي جاءت منها فكرة «تبادل الأراضي» بين مصر وإسرائيل. تستند الخطة الأمريكية (التي دارت حولها اجتماعات سنة 2012 في أمريكا وبين عدة دول) على «فتح مساحة من الحدود المصرية (14 كلم طولا و 22 كلم عرضا) بين غزة ومصر، لتكون هذه الأرض منطقة مخصصة للفلسطينيين، بغية إنهاء الشتات الفلسطيني» كما جاء على لسان «أسامة الفقي» على قناة «المشهد».
بعد رفض الرئيس مبارك لعرض نتنياهو، تقدمت الإدارة الأمريكية بعرض آخر جاء على شكل تقديم مبلغ 100 مليار دولار لمصر بغرض الموافقة على صفقة تبادل الأراضي. قررت أن تكون المرحلة الأولى، محصورة إلى حدود مدينة «الشيخ زويد» الحدودية، وفي حالة زيادة أعداد الوافدين أن تتوسع المنطقة إلى حدود «العريش» (أي 40 كلم على ساحل البحر)، مقابل مساحة مقابلة في صحراء «النقب»، وإمداد طرق جديدة لأرض الفلسطينيين وتوصيلها بالأردن.
جاءت (في ما يبدو) الموافقة، في وقتها، على هذا العرض – على لسان مصادر مصرية مسؤولة – خلال اجتماعات للإخوان مع القائمين عليه، إلا أن رفض الجيش المصري أفشل المشروع. لهذا، فإن سبب انفعال الرئيس السيسي في هذا التوقيت، نابع من كونه كان على دراية بهذا المخطط لمنصبه السابق كرئيس للمخابرات المصرية في تلك الفترة. بعد كل هذا الرفض المصري، انتقلت الخطة لتقديم عرض لمصر على شكل تمويل من الاتحاد الأوروبي لبناء واحدة من أكبر محطات تحلية المياه في العالم تطل على البحر الأحمر كحل لمشكلة سد النهضة مع الإثيوبيين، غير أن مصر رفضت العرض كذلك.

بأعين السياسيين المصريين

من جهته، ذكر السفير محمد بدر الدين زايد، (مساعد وزير الخارجية المصري سابقا) أنه كان على علم بهذه الخطة لمنصبه كمساعد لوزير الشؤون العربية وخلال فترة السيطرة على غزة، حيث رأى أن هذه الخطة «لا تبتغي سوى القطع مع المصالح الفلسطينية ومحاولة منهم لتصفية القضية الفلسطينية».
ويعقب: «في 2013، انتقلت لتولي منصب «مساعد خارجية دول الجوار»، وفيه أظهرنا بالقطع عدم قبولنا لهذا الاقتراح، وأن جميع مؤسسات الدولة ترفض ذلك بشكل قاطع، أو تلك التي تبدو اختصاصاتها بعيدة عن الأمن القومي». ويضيف: «ردا على سؤالكم بخصوص ما إن تم قصف قوافل المساعدات المصرية نحو غزة من قبل إسرائيل هل سوف نبدي ردا مماثل، فجوابي سيكون أنني لست متأكدا بعد من الخطوات التي ستتخذها مصر في شأن دخولها الحرب مع أطراف عدة، لكون مصر وحتى الساعة ملتزمة بمعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، كما أن أي تصرف آخر ليس مطروحا في الوقت الحالي».
بالنسبة له، يرى السفير «حسام زكي» بصفته الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، ردا منه على سؤال قصف قوافل المساعدات المصرية: «يبدو هذا السؤال افتراضيا (بالرغم من التهديدات الفعلية)، لكون هذه الأخبار المتناقلة (والنفي المتكرر) تمثل لعبا بالنار وتوسعا من دائرة المواجهة بشكل كبير، ما يدخل مصر في أحداث لم تعشها منذ ما يقرب من 40 سنة مع الجانب الإسرائيلي. حتى لا أطيل الكلام حول هذه النظريات، فإنه من الحكمة أن نفترض عدم حدوث هذه الواقعة» مسترسلا «بخصوص دعوات نزوح الفلسطينيين صوب مصر، سنتعامل معها بحذر شديد وننتظر موقفا عربيا صلبا لنتحدث به، حيث من المؤكد أن أحد المواقف من أرض الواقع هو الحقيقة المطلقة، وأن المواقف السياسية لا تعدو أن تكون مواقف سياسية حتى مع ما يبدو عليه الأمر من كون الشعوب العربية (كما تقول) قد فقدت الثقة في قرارات الجامعة العربية والمؤسسات العالمية أو المحلية المشابهة لها».
ويردف «لسنا المنظمة الوحيدة التي تتلقى كل هذه الانتقادات. إن طبيعة عملنا تفرض علينا صياغة موقف سياسي عربي مشترك، يكون مرجعا لكافة الدول العربية في تعاملها مع موضوع أو أزمة معينة، وأنا اتفق أن الفجوة في الآراء في المواقف العربية تسبب فقدان الثقة لدى الشعوب العربية، خاصة في موضوع التضامن مع الشعب الفلسطيني.
بخصوص التحفظات العربية من حركة حماس، فهي واردة جدا لكونها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها اختلافات داخل قاعة الجامعة، وأي رأي غير متأن من أي دولة سيسبب مشاكل على المدى القريب والبعيد، كما أنه لا يوجد شد حبال بين مصر والسعودية، وهي اختلاقات إعلامية لا أساس لها من الصحة، وكل من تصدر عنه يبحث عن الفتنة في المنطقة، كما أن الوضع لا يحتمل هذه الاختلاقات الإعلامية التي لن تؤدي إلى تهدئة الأوضاع في حال استمرارها وانتشارها».


الكاتب : المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 20/10/2023