(25-24 أكتوبر 2008): 15 سنة مرت على انعقاد المناظرة الوطنية حول الرياضة المغربية

10 محاور أساسية لأبرز المتغيرات

 

 

في مثل هذا الشهر،أكتوبر، من سنة 2008، 24 و25 منه تحديدا،تم وضع خريطة جديدة للرياضة الوطنية من خلال عقد مناظرة وطنية بمدينة الصخيرات، تدارست الوضع الرياضي في المغرب وقدمت أفكارا وحلولا ورؤية جديدة بأهداف متعددة ومختلفة، بتأطير وتوجيه ملكي عبر الرسالة الملكية التي تليت أثناء المناظرة وكانت بمثابة خريطة الطريق نحو الارتقاء بهذا المجال الحيوي وأيضا رؤية واضحة للرياضة المغربية.التاريخ سيشهد بأن الرسالة الملكية شكلت فعلا خريطة عمل تلتها العديد من المتغيرات قادت الرياضة الوطنية إلى ما أصبحت عليه حاليا.
من هذا المنطلق،يمكن هنا التطرق إلى أهم وأبرز معالم تلك المتغيرات التي شهدها القطاع الرياضي الوطني، وتحديدا عشرة عناوين بارزة لتلك المستجدات:
1 -ا لرياضة تجاوزت دورها التأطيري والترفيهي ، لتصبح قطاعا منتجا ورافدا اقتصاديا ومجالا خصبا للاستثمار وخلق مناصب الشغل.
2 – المنشئات الرياضية : بإشراف شخصي لجلالة الملك محمد السادس،انطلق برنامج تدشين المنشآت الرياضية، إذ سنة فقط على مرور المناظرة الوطنية تم افتتاح أكاديمية محمد السادس لكرة القدم كمنشأة رياضية خاصة بالتكوين.
3 – ضخ التمويلات المالية في القطاع الرياضي، ورسم خارطة طريق للنهوض بالقطاع عبر التأهيل المادي والبشري وتوفير البنيات التحتية الضرورية والتجهيزات اللازمة لممارسة سليمة وعلمية لمختلف الأنواع الرياضية مع اعتماد سياسة القرب، باعتبار أن ورش الرياضة يعد من الأوراش الكبرى، التي ينبغي أن تحظى بدعم كامل من قبل الحكومة والجماعات المحلية، ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
4 – اعتماد دستور جديد شهر يوليوز من سنة 2011،دستور تطرق واهتم لأول مرة في تاريخ المغرب،بالرياضة وجعلها حقا من حقوق الإنسان.
وتضمن الدستور الجديد فصولا ترتبط أساسا بالرياضة، إذ نص الفصل 26 من الدستور على ضرورة أن تدعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي والتقني، والنهوض بالرياضة، إلى جانب السعي إلى تطوير هذه المجالات، ومن ضمنها بطبيعة الحال الرياضة، وتنظيمها بكيفية مستقلة على أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة.
في الفصل 31، اعتبر الدستور الجديد التربية البدنية من حقوق المواطنين، إذ نص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية مطالبة بالعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من مجموعة من الحقوق، ضمنها «حق الاستفادة من التربية البدنية والفنية».ودعا الفصل 33 السلطات العمومية إلى اتخاذ التدابير الملائمة لتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع التشديد على ضرورة توفير الظروف المواتية لتفتق طاقات الشباب الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات، خاصة من خلال إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي.
5 – أضحت الرياضة،بعد المناظرة الوطنية، عنصرا محوريا في المشروع المجتمعي الوطني القادر على إشاعة قيم المواطنة والتماسك والتسامح، فضلا عن كونها أصبحت رافعة أساسية للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية.
6 – بروز العديد من مشاريع الإصلاح وإعادة هيكلة الحقل الرياضي.
7 – ساهمت الرياضة في السنوات القليلة الماضية،في تحسين الوضعية الاجتماعية بالنسبة لكثير من الأبطال الرياضيين ،وتحولت بالرؤية الجديدة إلى رافعة للتنمية البشرية، والإدماج، والتماسك الاجتماعي ومكافحة الإقصاء والتهميش.
8- تحقيق نتائج إيجابية لعدد من الأنواع الرياضية خاصة كرة القدم، التي سجلت فيها المنتخبات الوطنية حضورا بارزا قاريا،عربيا وعالميا.
9 – تحقيق مكتسبات هامة جدا أبرزها احتضان تظاهرات عالمية، وذلك بفضل السمعة الجيدة التي أصبح يتمتع بها المغرب دوليا، خاصة في مجال كرة القدم، وأبرز تلك المكتسبات نيل شرف تنظيم كأس إفريقيا لكرة القدم سنة 2025، وكأس العالم 2030في ملف مشترك مع إسبانيا والبرتغال.
10 – صدور قانون 09.30 الذي ترجم القناعة التي تعتبر تنمية الرياضة اللبنة الجوهرية في مسلسل بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي ، وجعلها أحد المشاريع المجتمعية الكبرى التي يجب الاشتغال عليها.
وعلى هذا الأساس، تم وضع الخطوط العريضة لهذا القانون الجديد باعتبار الدولة مسؤولة عن تنمية الحركة الرياضية حيث تقوم بتأطيرها ومراقبتها، وذلك للدور الاجتماعي والاقتصادي للرياضة ، واعتبارا أيضا بأن التربية البدنية وممارسة الأنشطة الرياضية تدخل في إطار الصالح العام وتنميتهما تشكل مهمة من مهام المرفق العام التي ينبغي على الدولة مع الأشخاص الآخرين الخاضعين للقانون العام أو للقانون الخاص القيام بها.
كخلاصة، مع كل ما تحقق من متغيرات إيجابية،فالحقيقة تؤكد أن هناك العديد من مظاهر الخلل وكثيرا من العيوب لاتزال تجثم على جسد الرياضة الوطنية بعد مرور 15 سنة على عقد المناظرة الوطنية وعلى الرسالة الملكية التي رسمت الخارطة الجديدة للرياضة، ولعل أبرز تلك العيوب ما يرتبط مثلا بالحكامة،وما ترتب عن غيابها من نتائج مخيبة للآمال،إذ وبعيدا عن كرة القدم.
ومازالت الرياضة الوطنية تعاني أيضا من غياب عناصر الشفافية والنجاعة والديمقراطية في تسيير الجامعات والأندية، أضف إلى ذلك غياب توافق كامل حول تنزيل قانون 09.30 الخاص بالتربية البدنية والرياضة.
هنا، سنعود لما نشرناه حول نفس الموضوع في عدد سابق من الجريدة،وسنعيد وضع أبرز عناوين الخلل الذي لايزال يلف محيط رياضتنا الوطنية.
في هذا السياق،لن يختلف اثنان على أن رياضتنا ماتزال تعاني العديد من الاختلالات والنواقص  خاصة على مستوى النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال.
وكانت الرسالة الملكية في المناظرة الوطنية قد وصفت مستوى الرياضة المغربية،حينها، بالمستوى الضعيف، وأكدت «إن هذه المناظرة تأتي في وقت تشهد فيه الرياضة المغربية تراجعات تجسدها النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال، وهو ما لا نرضاه لبلدنا، ولا يقبله كل ذي غيرة وطنية، ولا يمكن أن تحجبه بأي حال من الأحوال بطولة أو تألق بعض المواهب الفردية».
هل تغير الحال اليوم؟ فباستثناء بعض النتائج الإيجابية المناسباتية،وفي أنواع رياضية محددة وقليلة جدا، فالرياضة الوطنية ماتزال تحصد النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال،خاصة في رياضات توضع في خانة «الرياضات السيادية» أو كما توصف بأم الرياضات وأبرزها مثلا ألعاب القوى التي تشهد تراجعات على مستوى النتائج وعلى مستوى تكوين الخلف في نفس الوقت.
كما تطرقت الرسالة الملكية في 2008، إلى ما يسود المشهد الرياضي من ارتجال وتدهور:»ومن التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور، واتخاذها مطية من لدن بعض المتطفلين عليها للارتزاق أو لأغراض شخصية إلا من رحم ربي من المسيرين».
في هذا الإطار، هل ممكن أن نتحدث،في 2023، عن مشهد رياضي وطني خالي من هذه العيوب وهذه الاختلالات؟ وهل تخلص مشهدنا الرياضي من المتطفلين الذين ولجوا عالم الرياضة للاسترزاق أو لأغراض شخصية؟
أكيد، لازالت مظاهر الارتجال والتدهور طاغية على مشهدنا الرياضي ولم ينجح صدور قانون 09.30 الجديد ولا حتى دستور 2011 الذي خصص للرياضة عدة بنود وجعل منها حقا من حقوق الإنسان،في نقل هذه الرياضة إلى مستوى أفضل،ولازالت حالة من الفوضى تغطي المشهد الرياضي والارتجال يعم كل المجال واختلفت مكونات المشهد وتضاربت وجهات نظرهم حول التنزيل الفعلي للقانون الجديد.
وأبرزت الرسالة الملكية بأن الرياضة وتأطير الشباب مسؤولية مشتركة بين جميع القطاعات الحكومية والمؤسسة التشريعية والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص ومكونات الحركة الرياضية.
للأسف، نادرا ما تبرز تلك العلاقة المفروض أن تربط قطاع الرياضة بباقي القطاعات الأخرى ولم تبادر أي جهة إلى تفعيل استراتيجية وطنية مشتركة يكون محورها القطاع الرياضي، وحتى حين يتم الإعلان عن مبادرات في هذا الشأن كالتوقيع على اتفاقيات تعاون بين إحدى الوزارات مع الوزارة الوصية على الرياضة أو مع إحدى الجامعات الرياضية،فلا يعدو الأمر مجرد حفل توقيع تحت أضواء الكاميرات وتظل تلك الاتفاقيات حبرا على ورق وبدون تفعيل.
ومن أبرز مظاهر اختلالات الرياضة الوطنية: «إن تحديد المسؤوليات غالبا ما لا يجري بشكل واضح في حين لا تتوفر عناصر الشفافية والنجاعة والديمقراطية في تسيير الجامعات والأندية، ناهيك عن حالة الجمود التي تتسم بها بعض التنظيمات الرياضية»،كما جاء في نفس الرسالة الملكية،حيث لابد هنا من الإشارة إلى أن المشهد الرياضي لم يتخلص من تلك الاختلالات خاصة على مستوى غياب الشفافية والنجاعة والديمقراطية في تسيير الجامعات والأندية،وغالبية الجموع العامة للجامعات أو للأندية تقدم لحد اليوم صورا صارخة عن التلاعب بالأنظمة وبالقوانين، ونادرا أيضا ما يتم الاعتماد على الشفافية في طرح وتقديم التقارير خاصة منها المالية وبدرجة أولى.
في الحكامة: جاء قانون 30.09 ليرسخ مبدأ الحكامة الذي أشارت إليه الرسالة الملكية الموجهة لمناظرة 2008، وقدم القانون الجديد فصولا جديدة في هذا الاتجاه خاصة منها المتعلقة تفويض تمثيل وتدبير وتنسيق الأنشطة الرياضية ذات الطابع الاحترافي لعصبة احترافية تسير من طرف هيئة مستقلة، تخويل المراقبة القانونية والمحاسباتية والمالية الإجبارية على الشركات الرياضية المشاركة في المنافسات الاحترافية إلى هيأة مستقلة، تقنين وحدة الجمعيات الرياضية، إحداث غرفة للتحكيم الرياضي داخل اللجنة الوطنية الأولمبية تناط بها مهمة فض المنازعات الرياضية، إلا أن تفعيل هذه البنود لم يكن ناجعا بحيث شهدت اختلافات ونزاعات بين مكونات المشهد الرياضي فيما بينهم أولا ثم في علاقة المنظومة الرياضية من جهة ثانية بالوزارة الوصية،ولازلنا إلى حدود اليوم نعاين كيف أن الوزارة الوصية تصدر قرارات برفض تسليم اعتماد الشركة الرياضية لغالبية الأندية الرياضية التي بادرت إلى خلق شركات رياضية تفاعلا مع القانون الجديد للتربية والرياضة.
مرت اليوم 15 سنة على انعقاد المناظرة الوطنية حول الرياضة المغربية،تحققت بعدها نتائج رفعت من قيمة المنظومة الرياضية، لكن هناك مزيدا من العمل من المفروض أن يتم التقيد به خصوصا أن المغرب مقبل على مرحلة هامة جدا في التاريخ الرياضي ومقبل أيضا على تحديات كبرى لعل أبرزها احتضان مونديال 2030 وقبله كأس أمم إفريقيا 2025، والأكيد هنا أن رياضتنا الوطنية أصبحت في حاجة ملحة ومستعجلة لمناظرة وطنية أخرة حول الرياضة المغربية.


الكاتب : عزيز بلودالي

  

بتاريخ : 28/10/2023