سعيد عاهد عاشق دكالة

سعيد عاهد ينتقل بين لغتين العربية والفرنسية ذهابا وإيابا كأنه يتجول في حديقتين دون عناء؛
يحفر في الذاكرة المغربية على لسان الآخر، ويحاول أن يكون وفيا للنص الأصلي بمرجعيته وتأكده من صحته التاريخية، تفاديا لأي لبس أو ادعاء نظرا لما عرف به سعيد عاهد من وفاء ومصداقية، سواء على مستوى البحث أو الإبداع.
فسعيد عاهد بطبيعته الاعتيادية أصيل ومرتبط بتربته وجذوره الدكالية، اعتقدت في لحظات ما، أثناء نقاشاتنا اليومية بأنه شوفيني ومتعصب لهذه الجذور حتى الردة، لكنني تراجعت عن هذا الاعتقاد، عندما اكتشفت طيبوبته وصفاء روحه ومساعدته للآخرين.
في لحظة زمنية ما، قد لا أحظى بصداقته لو كان قد اتخذ منعرجا أو اختيارا مهنيا آخر غير مهنة الصحافة. لكن حبه لوطنه جعله مناضلا حقيقيا خاصة في المجال الثقافي، لأنه يملك دواليب تسريب أفكاره بطريقة ناعمة من خلال أشعاره كما في ديوانيه، وخواطره النثرية والقصصية كما هو الحال عليه في «قصة حب دكالية».
سعيد عاهد، قليل الكلام كصوفي متعبد ناسك، وعندما يتكلم يكون سؤال الآخر هو الذي يحرك فيه ضرورة الرد، لتنضح قريحته بأفكار صائبة وهادفة، إما لأجل التوضيح أو المناقشة، بعدما يوحي لمرافقيه ممن يجالسهم بأنه لا علم له بالموضوع بذكاء المتربص بفريسته.
لم يتأخر يوما في مساعدة الآخرين، حيث كان يرافقنا في مسيرتنا الفنية منذ أواخر الثمانينات عندما تعرفت عليه في الثلاثينية من عمره وهو من كتب أغلب النصوص النقدية المتعلقة بتجربتنا الغرافيكية فوجدنا أنفسنا في قلعة دكالية بامتياز مع وجود عدد من الفنانين أمثال بوشعيب هبولي وعبد الكريم الأزهر والتيباري كنتور ونور الدين فاتحي.
فما كان يثير الانتباه هو طريقة كتابته عن التشكيل بمرجعية تاريخية ومرئية وكتابية، في تحليل الأيقونة الفنية وتفكيكها وإعادة تركيبها نظريا مع اختيار مقنع لعناوين نصوصه، هذا الاختيار الذي لم يقتصر على ما هو فني فقط بل طال المجال الثقافي بكل فروعه، بعدما أن أشرف لمرتين على تسيير فرع اتحاد كتاب المغرب بالمحمدية، مع استضافة موفقة لأسماء وازنة في المشهد الثقافي والفني في المغرب، في غياب أية جهة رسمية داعمة لمشاريع فرع اتحاد كتاب المغرب بالمحمدية، مؤمنا بالفعل الإبداعي المتحرر من شوائب التبعية والانبطاح.
وتبعا لما ورد في هذه الشهادة أدعو سعيد عاهد من هذا المنبر بأن يكتب مذكراته وأن يفصح عن تفاصيل أهم المحطات في حياته المهنية كإعلامي، وعن التطورات السياسية التي واكبها لنستفيد من تجربته الشفوية الغنية بمعطياتها الموقوفة التنفيذ.


الكاتب : شفيق الزكاري

  

بتاريخ : 09/11/2023