الدعم التربوي المفترى عليه أو القشة التي تتشبث بها الوزارة لإنقاذ الموسم الدراسي

 

يطرح موضوع الدعم التربوي خلال العطلة المدرسية، على النحو الذي يتم به حاليا، مجموعة من الإشكالات المرتبطة بفلسفته وأسباب وجود، فإذا كان منطلقه هو دعم المكتسبات التعلمية للمتعلمين في مختلف المواد الدراسية، فإن الإشكال تطرحه «المكتسبات» غير الموجودة أصلا، ما دام التلاميذ عاشوا، وما زالوا يعيشون، خارج المدارس، وخارج الدروس الأساسية. إذ يجري الحديث عن الدعم لـ»إنقاذ» الموسم الدراسي من كارثة «السنة البيضاء»، كما يجري الحديث عن نوع من الابتزاز تمارسه الوزارة على النقابات والتنسيقيات من أجل إرغامها على العودة إلى الأقسام، بداعي أن «التعلم» مستمر في التحقق والتدفق بدون الأساتذة.
إن ما قامت به الوزارة هو، في العمق، استمرار في دعم الاحتقان، وهروب إلى الأمام، وهذا ما انتبهت إليه مثلا النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب التي عبرت عن رفضها لكيفية تنزيل برنامج الدعم التربوي الاستدراكي، خلال العطلة البينية 04 إلى 10 دجنبر 2023، لكونه «لا يحترم الضوابط التربوية البيداغوجية والديداكتيكية، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من الأضرار المعرفية والتربوية والنفسية على المتعلمات المتعلمين، ولكونه أيضا، يمس في العمق بمبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ واستفادتهم من تعليم موحد وذي جودة».
وقالت النقابة في تصريح لها إن نجاح أي برنامج للدعم التربوي لا يمكن أن يحقق النتائج التربوية المتوخاة منه، ويسهم في تحقيق النجاح المدرسي للمتعلمات والمتعلمين بتجاوز التعثرات وسد الثغرات، إلا باحترام مجموعة من الضوابط التربوية البيداغوجية والديداكتيكية في مختلف مراحله، بدءا بمرحلة التشخيص ثم التخطيط ثم التنفيذ وانتهاء بمرحلة تقويم الأثر.
وأكدت النقابة على استحالة إنجاز حصص الدعم التربوي قبل إرساء التعلمات وبنائها، وهو ما لم يتم بمعظم المؤسسات التعليمية جراء إضرابات الأساتذة، لذلك فالأولى البحث عن سبل وقف نزيف هدر الزمن المدرسي واستدراك التعلمات المفقودة، قبل دعمها.
وأوضحت الهيئة ذاتها أن الدعم التربوي لا يستقيم في غياب إنجاز أنشطة التقويم والتشخيص، بالنظر إلى أن الدعم يتأسس بالضرورة على نتائج تقويم تربوي سليم لمكتسبات المتعلمات والمتعلمين. كما أن استثمار نتائج التقويم هو الكفيل بتحديد مكامن النقص والتعثر لدى المتعلمين وتفييئهم، وفي خضم ذلك تتحدد أهداف الدعم التربوي وأنشطته المناسبة لعلاج التعثرات وتجاوز الصعوبات,
معنى كل ذلك أن تنفيذ «الدعم التربوي» لا يمكنه أن يتحقق بشكل مهني سليم إلا من قبل أطر تربوية مؤهلة استفادت بما يكفي من تكوين نظري وتطبيقي في استراتيجيات الدعم التربوي وفي مختلف البيداغوجيات والأساليب وتقنيات التنشيط المعتمدة في أنشطة الدعم التربوي.
تداعيات إضرابات الأساتذة التي تعرفها بلادنا لا تزال ترخي بظلالها على الزمن المدرسي للتلاميذ المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على بداية هذه الإضرابات محرومين من حقهم في التعليم وفي استئناف دروسهم استعدادا لما ينتظرهم من امتحانات إشهادية واختبارات، وضع دفع الوزارة الوصية إلى إيجاد الحل المناسب الكفيل حسب بلاغها عن الموضوع، بتعويض الزمن المدرسي عن طريق إطلاق البرنامج الوطني للدعم التربوي ”لفائدة التلميذات والتلاميذ بالمؤسسات التعليمية العمومية بجميع جهات المملكة” وذلك خلال العطلة البينية الحالية الممتدة من 4 إلى 10 دجنبر الجاري، محاولات البحث عن زمن التعليم المغربي الضائع لم تستسغها معظم الأسر المغربية التي رأت فيها عملية ترقيعية ليس إلا، فكيف يعقل يتساءل المغاربة في منصات التواصل الاجتماعي وخلال الجلسات العائلية أو حتى في المقاهي ووسائل النقل، أن تعوض الحصص الدراسية المهدورة للتلاميذ المغاربة خلال أيام قليلة لا تتجاوز الأسبوع، وكيف ستتم عملية دعم تلاميذ يوجد من بينهم من لم يتلق حتى اليوم ولو درسا واحدا منذ بدء الموسم الدراسي، دعم تربوي تغيب فيه حسب هؤلاء كل المقومات البيداغوجية والتربوية وتغلب عليه الارتجالية والسرعة والعشوائية مع إسناد الأمر إلى أشخاص لم يتلقوا التكوينات المناسبة للاضطلاع بهذه العملية ذات الأهمية الكبرى بالنسبة للتلاميذ ولأولياء أمورهم الذين يقفون عاجزين أمام ما يتعرض له فلذات أكبادهم من حرمان بين من الدراسة ومن الحق في التعليم الذي يكفله الدستور، فقد أصبح مستقبل أبنائهم الدراسي لا يساوي شيئا أمام الشد والجذب بين الأساتذة والحكومة العاجزة إلى حد كتابة هذه السطور عن إرجاع الأساتذة إلى أقسامهم وتلاميذهم.
الدعم الدراسي الذي تفتفت عنه بديهة الوزارة الوصية لن يعوض أبدا الحصص المهدورة للتلاميذ وزمنهم الضائع، وكذا العشرات من الدروس التي ليس بمقدور كل أساتذة العالم أن يعوضوها في أسبوع يتيم، وعلى الحكومة أن تجد الحل الفوري والعاجل الذي سيرضي رجال ونساء التعليم، الحل العادل الذي سيرجعهم إلى أقسامهم وتلاميذهم، وغير ذلك مجرد حلول ترقيعية ستعمق ما يعانيه التلميذ المغربي من ضعف وتأخر مخجل في القراءة والعلوم والرياضيات، وخير دليل على هذا التأخر ما تكشفه التقارير والدراسات الدولية والوطنية حول التعليم، والتي يحتل فيها المغرب دائما ذيل القائمة.
لقد قضى عدد من تلاميذ المؤسسات التعليمية أسبوع العطلة البينية داخل الأقسام المدرسية، التي وجدوا أنفسهم محرومين منها قبل ذلك، بسبب إضراب نساء ورجال التعليم احتجاجا على النظام الأساسي الجديد. وجاء قرار الالتحاق بالفصول الدراسية بعد بلاغ الوزارة الوصية، رغبة في تدارك ولو جزء يسير مما فات من الزمن المدرسي، ولمحاولة استيعاب بعض المكتسبات وإعادة ربط الصلة بين التلاميذ ومقرراتهم الدراسية، الأمر الذي تحقق بشكل نسبي في حالات وتعذّر في حالات أخرى.
وأكد عدد من الآباء والأمهات لـ «الاتحاد الاشتراكي» أنهم امتثلوا لمضمون البلاغ وأرسلوا أبناءهم لحصص الدعم التي برمجتها الوزارة، والتي تباين تقييم مستواها، بين من اعتبرها متوسطة، لأنها عملت على القطع مع مرحلة الفراغ المدرسي، وتم خلالها الاشتغال على بعض المواد، لكن بشكل نسبي بالنظر لكمّ الدروس التي لم يتم الاطلاع عليها وللحيز الزمني الضيق، في حين أكد آخرون أنها لم تأت بأي شيء جديد مختلف، عما حاولت بعض الأسر منحه لفلذات أكبادها من توجيهات ومصاحبة خلال فترات الإضراب، في الحدّ الأدنى.
بالمقابل رفض آباء وأمهات بشكل كلّي إرسال أبنائهم خلال العطلة للالتحاق بأقسام الدعم، معتبرين أن هذه الخطوة ارتجالية، حيث وصف عدد منهم في تصريحاتهم للجريدة، الأمر بكونه ارتجاليا، ولن يشكل في نظرهم أي قيمة مضافة، بالنظر إلى أن المشرفين على عملية الدعم يفتقدون للعديد من الخصائص التي لن يستطيعوا معها تشخيص التعثرات والإجابة عنها بالشكل المطلوب الذي يساهم في التحاق التلميذ بالركب الدراسي، خاصة بالنسبة لمن هم مقبلون على امتحانات إشهادية، التي تظل طبيعتها ومصيرها موضوع علامات استفهام عديدة؟
تباين في المواقف، يؤكد على أن تحويل الاستثناء، الذي يمكن أن تكون له بصمات إيجابية، في الوضع الطبيعي، خلال الزمن المدرسي العادي الذي لا تعتريه اختلالات، ويتّسم بالاستمرارية، إلى قاعدة، كان أمرا مرفوضا من قبل غالبية الأسر، بغض النظر عن «الهجومات» التي تم شنّها من طرف هذه الجهة أو تلك، لتقديم المجازين الذين يقدمون الدعم في صورة «كاريكاتورية»، وإظهارهم بمظهر الباحثين عن مداخيل مالية بأي شكل من الأشكال خلال هذه الأزمة، غيرها من الأوصاف الأخرى، وهو ما جعل الآباء والأمهات يتمنون أن تكون الأزمة التعليمية التي يعرفها المغرب عابرة، وإن طال أمدها لثلاثة أشهر، وأن يتم تغليب صوت الحكمة والعقل في معالجة هذا الملف، من لدن كل الأطراف المعنية، وأن يتم استخلاص دروس هذه الأزمة بحيث ينصب النقاش الحقيقي حول إصلاح منظومة تعليمية على ما هو جذري، لتكون مؤهلة وقادرة على منح تكوين جيد للمتمدرسين، وتجيب عن متطلبات سوق الشغل، من خلال مقرراتها وبرامجها، وأن تمنحنا مجتمعا قارئا، مثقفا، واعيا، عوض أن يتم اختزال كل الإشكالات في ما هو مادي صرف.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 09/12/2023