قراءة في المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة

تنص المادة 32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة على الآتي: «المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلين، في نطاق تمثيل الأطراف، ومؤازرتهم لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا بإستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية».
هاته المادة في نظري لها قراءتين نعرضها كالاتي:
القراءة الاولى: تقصر حق تقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية على السادة المحامون، ويقتضي هذا التفسير التشبث بحرفية النص وضرورة قراءة النصوص القانونية قراءة تكاملية، لأن قانون المسطرة المدنية لم يتضمن أي مقتضى قانوني يحدد من له حق تقديم هاته الأخيرة، وأمام هذا الفراغ وجب التقيد بقانون المحاماة لكونه لاحق لقانون المسطرة المدنية، كما أن المحامي أدرى من غيره بالقانون وبكيفية صياغة المقالات والمستنتجات والمذكرات وهذا فيه حفظ لحق المتقاضي ومساعدة للقضاء.
القراءة الثانية: هي التي نؤيدها ونعتبرها منطقية ودستورية والأكثر تحقيقا للعدالة، فنعتبر أن عبارة: «تقديم المستنتجات والمقالات والمذكرات الدفاعية» الوارد في هاته المادة تعود على عبارة «المسجل في هيئات المحامين»، أي بصيغة المخالفة أن المحامين الغير مسجلين في جداول هيئات المحامين كالذين تم عزلهم أو الذين نجحوا في امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة ولم يسجلوا في جداول المحامين لا يحق لهم تقديم المذكرات الدفاعية والمستنتجات والمقالات، وهذا الرأي ينسجم مع مقتضيات المادة 2 من نفس القانون، كما أنه ينزل المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 118 والذي يجعل حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن ومصالحه التي يحميها القانون، ويعزز حماية مبدأ مجانية القضاء.
كما ان قانون المحاماة ينظم المهنة ولا ينظم كيفية التقاضي لأن هاته الاخيرة منظمة بقانون المسطرة المدنية وهو الذي لم يتضمن أي مقتضى يحصر هذا الحق للمحامين، والقول بأن قانون المحاماة قانون خاص وقانون المسطرة المدنية قانون عام والخاص يقيد العام فيه مجانبة للصواب في نظري، لأن قانون المحاماة لا ينظم كيفية التقاضي أمام المحاكم حتى نصفه بالخاص الذي يقيد قانون المسطرة المدنية العام، لان مجالهما مختلف ولا يصح تطبيق هاته القاعدة هنا، لأنه حتى نقول أن العام يقيد الخاص وجب أن ينصب القانونيين معا على نفس المادة، كمدونة الحقوق العينية ومدونة الأسرة في علاقتهما بقانون الالتزامات والعقود، فعند عدم وجود نص مثلا في الوصية أو الهبة أو الوكالة نرجع لقانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر الشريعة العامة للقانون المدني.
والمعلوم أن القوانين الإجرائية لا تقبل التفسير الواسع؛ كما أن القول بأنه وجب قراءة النصوص قراءة تكاملية لا يجب أن يستعمل للتقييد من الحق في التقاضي، لأنه مادام قانون المسطرة المدنية لم يقيد أطراف الدعوى بضرورة توكيل محامي لمباشرة حقهم في التقاضي فلا يجب سلب هذا الحق بحجة قراءة النصوص قراءة تكاملية لأن هاته القاعدة وجب إعمالها لجلب الحقوق لا لتضييق منها.
كما أن رأينا هذا لا يختلف مع الغاية المشار إليها في القراءة الأولى بل يشملها، لأنه إذا كان المتقاضي لا يرى في نفسه القدرة على تقديم المقالات أو المستنتجات أو المذكرات فلا يوجد ما يمنعه من توكيل محامي، كما لا يجب أن نضيع حق المتقاضي المتمكن من فنون صياغة المذكرات والضابط لشؤونه القانونية في الدفاع عن نفسه ولا نلزمه بتوكيل محامي خصوصا إذا لم يكن بمقدرته تحمل اتعابه، لأن المساعدة القضائية لها شروط وضوابط مرهقة وتأخذ وقتا طويلا، وممارسات غير أخلاقية يمارسها بعض المحامون نتحفظ على ذكرها إحتراما للشرفاء منهم الممارسين لهاته الرسالة النبيلة….


الكاتب : عثمان مزيوقا

  

بتاريخ : 16/12/2023