تقديم كتاب «أرشيفات عائلية من تطوان» لمؤلفه الطيب أجزول : وثائق عائلية تمتد من القرن 18 إلى القرن 21

أوضح مدير مؤسسة « أرشيف المغرب» جامع بيضا أن مدينة تطوان  تزخر  بوثائق ومخطوطات وصور نفيسة ، يتعين جمعها وحفظها وإتاحتها للباحثين والمهتمين،  بهدف تعزيز الموروث الأرشيفي الوطني، وعدم  عرضها  للأرضة والرطوبة وسوء ظروف الحفظ، منوها  بمثل هذه المبادرات التي وصفها   بالمواطنة.وأضاف بيضا الذي كان يتحدث في حفل تقديم كتاب «أرشيفات عائلية من تطوان ( 1725 -1972)» الذي نظمته جماعة تطوان بقاعة أزطوط في موضوع «حفظ وتثمين أرشيف الخواص من أجل تعزيز التراث الأرشيفي الوطني»( أضاف ) :أنه بمرور الوقت، استطاعت مؤسسة «أرشيف المغرب» أن تكتسب من المصداقية، وطنيا ودوليا، ما شجع المزيد من الخواص، من المغاربة والأجانب، على تسليم أرشيفاتهم الشخصية أو العائلية للمؤسسة على سبيل الهبة. وإلى حدود اليوم، بلغ مجموع الأرصدة الخاصة التي استقبلتها المؤسسة زهاء الثمانين…»
واستحضر مدير أرشيف المغرب عدة  مجموعات قيمة، من ذلك   مجموعة الصحافي والسياسي محمد العربي المساري و التي  تضم مراسلات تعود إلى خمسينات القرن الماضي، وصورا ومذكرات، وخطابات، وقصاصات صحف ومجلات. كما تتضمن وثائق تخص عمله في جريدة «العلم»، ونضاله في صفوف حزب الاستقلال، وفي النقابة الوطنية للصحافة المغربية،  وكذا  مجموعة الدبلوماسي الأديب التهامي أفيلال: وهي عبارة عن مجموعة من الوثائق والصور النفيسة التي تؤرخ لعائلة أفيلال التطوانية، كما تعكس المسار الاستثنائي لهذه الشخصية الوكنية الفذة، إضافة إلى  مجموعة الفقيه الكاتب محمد بن عبد السلام الزرهوني ( القلالوسي): وهي عبارة عن صور تاريخية مختلفة، كما تتضمن أحكاما وظهائر وقرارات، ثم  مجموعة امحمد أحمد بنعبود وهي تتعلق بعلم بارز من أعلام الحركة الوطنية في الشمال. كما تشرفت مؤسسة أرشيف المغرب باحتضان أرشيفات عائلة أجزول التطوانية التي أبى الأستاذ الطيب أجزول، نيابة عن جميع أفراد عائلته، إلا أن يودعها بالمؤسسة. كما أنه ، فضلا عن ذلك، شمر عن ساعد الجد ليؤلف مصنفا أكاديميا  قيما لهذه الوثائق تسهيلا لإعادة استثمارها في بحوث لاحقة من لدن الباحثين والمهتمين. وقد صدر هذا الكتاب مؤخرا ضمن منشورات مؤسسة أرشيف المغرب.
من جهته أشار الأستاذ  محمد اليوبي الإدريسي إلى «أنه عندما طلب منه  تولي تقديم كتابه الموسوم ب «من تاريخ المجتمع التطواني: وثائق عائلية من القرن الثامن عشر و إلى القرن الواحد والعشرين»، تفاجأ بهذا الوجه الخفي للدكتور الطيب أكزول، وباهتماماته التوثيقية والتأريخية، وذلك بالنظر لما يعلم في مساره العلمي والأكاديمي بالأساس، كأستاذ تعليم عال في شعبة الفيزياء بكلية العلوم بتطوان، وهو مسار غني بأبحاثه العلمية الرصينة التي تستند على نظريات ومدارس فيزيائية كان له الفضل في الإسهام فيها بشكل وازن داخل الأوساط الجامعية المغربية والدولية. وأيضا لما أعرفه فيه من التزام صارم ببيداغوجية التدريس الرصين والمتفاني في عمله كأستاذ وقدوة من خيرة ما جادت به الأسرة التعليمية الجامعية بالمغرب خلال عدة عقود.
وفي ما يتعلقى بقراءته الأولية لهذا الكتاب أوضح اليوبي» أن ذلك  شكلت له  مفاجأة سارة لأنها أماطت اللثام على الوجه المشرق الآخر لعالمنا في الفيزياء، وهو وجه المؤرخ، والمحقق، والمدقق للمخطوطات والوثائق، والملم بأمهات الكتب فيما يؤرخ لمدينة تطوان. عملٌ تمكن من خلاله المؤلف أن يسلط الضوء على معالم ذاكرة مشتركة، ويبعث إرثا عائليا، ويصل الماضي بالحاضر عبر تاريخ ممتد لإحدى العائلات التطوانية العريقة انطلاقا من الربع الأول للقرن الثامن عشر (1725، أي سنتين قبل وفاة السلطان مولاي إسماعيل) وإلى بداية القرن الواحد والعشرين (2008»).
و خلص اليوبي» إلى أن استحضار الذاكرة المشتركة للمجتمع التطواني ابتداء من الحاج أحمد بن عيسى أجزول الذي عاش في القرن الثامن عشر، وصولا حاليا إلى مؤلف الكتاب، الدكتور الطيب بن عبد السلام أجزول، يجعل القارئ يقف على شذرات تاريخية واجتماعية ناظمة لسيرورة تطور المجتمع التطواني ، بل يساهم في إغناء الخزانة المغربية و أرشيف المغرب بعمل له امتداد في الذاكرة المحلية والإرث التطواني على مدى ثلاثة قرون».
مؤلف االكتاب الطيب أجزول  استعرض الظروف التي قادته إلى التفكير في إصدار هذا الكتاب ، خلال شهر مارس 2020،  حيث تزامن ذلك مع إحالته على التقاعد الإداري، وكذا مع بداية جائحة الكورونا، ،و شكلا ذلك سببا له  لدراسةِ مجموعةٍ كبيرةٍ من الوثائقِ العائليةِ الموروثةِ أباً عن جدٍ، على مدى ما يقرب من ثلاثةِ قرونٍ، علماً أن فكرة البعث في هذه الوثائق، كانت تراوِده منذ سنوات من قبل، لكن انشغالاته العلمية لم تكن تسمح له بالغوص في مثل هذا العمل يقول الكيب أجزول .
وأشار صاحب «أرشيفات عائلة من تطوان « أنه شرع  بتفحصِ مجموعة كبيرة من الوثائقِ، ومحاولة قراءتِها، قصد التعرف على محتواها وعلى الأطراف المذكورة فيها. وكانت هذه المرحلة من أصعب مراحل استغلال هذه الذخيرة الوثائقية، نظراً لوجود صعوبة كبيرة في قراءةِ هذا النوع من المخطوطات، لأن القُدامى كانوا يَجنحون في كتابةِ وثائقِهم إلى شكل خاص غير مُتعود عليه في الوقت الحاضر. كما أنه هناك في بعض الوثائق كلمات مبتورة، أو ممسوحة يصعب قراءتهُا، وكذلك كلماتٍ ومصطلحاتٍ باللغة الدارجة المحلية، المتداولة آنذاك، والتي لا تُفهم بسهولة.»
ويحتوي هذا الإرث الوثائقي يضيف أجزول « على أرشيفات متنوعة، كعقود للزواج، ووصايا، وإراثات، ومقاسمات للتركات، ومبيعات، ورسائل مختلفة، بعض منها يتعلق بحرب تطوان التي نشبت في أواخر سنة 1859. وتم توظيف  عدداً من هذه الوثائق، قصد دراسة جوانبَ من تاريخ المجتمع التطواني، كان ذلك في كتابٍ صدرَ لي سنة 2021.
وختم كلمته «بأن وضع هذه الأرشيفات العائلية بالمؤسسة العتيدة أرشيف المغرب بالرباط، ونشر نصوصِها في هذا الكتاب، مصحوبةً بأصولِها، سيسهل استغلالَها من لدنِ عموم القراء والباحثين المهتمين، وربما سيجعل بعضُهم يهتدي من خلالِها إلى أعمالٍ مستقبليةٍ جديدةٍ:»
و كان أنس اليملاحي  نائب رئيس جماعة تطوان المكلف بقطاع الثقافة والذي أدار فقرات هذا الحفل قد أشار في كلمته التقديمية الى أن الجماعة   استقبلت الاستاذ جامع بيضا مدير مؤسسة ارشيف المغرب، كي يطلع على الوثائق الهامة التي تمتلكها جماعة تطوان، من أهمها الاعداد الكاملة للجريدة الرسمية الاسبانية الصادرة في مرحلة الحماية، وسجلات الحالة المدنية لليهود والاسبان الذين ولدوا بتطوان، وبعض البيوعات التي كانت تجرى بين سكان المدينة بمختلف معتقداتهم الدينية، اضافة الى جناح صور الملوك العلويين الذي زاروا مدينة تطوان .
وذكر نائب الرئيس بأهم المشاريع الثقافية التي تستعد تطوان لإطلاقها من بينها محفظة تطوان التي ستعيد كتابة تاريخ المدينة بلغة معاصرة، ومهرجان «أندلسيات» لاعتبار المدينة سباقة للموسيقى الاندلسية ومحافظة على هذا الارث الفني الاصيل، وداو زيوزيو للتعايش والسلام التي ستضم مختلف الوثائق التي تتعلق بسكان المدينة بمختلف دياناتهم .
اللقاء عرف استحضار روح الفقيد السفير ابو بكر بنونة، تقديرا لما أسدته عائلة بنونة إبان مرحلة الاستعمار والاستقلال، وما تتوفر عليه عائلة آل بنونة من ذخائر وثائقية هامة.


الكاتب : مكتب تطوان : عبد المالك الحطري

  

بتاريخ : 21/12/2023