بعيدا عن الإيديولوجيا، الاتحاد الاشتراكي يجد نفسه في الثورة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك
عبد السلام المساوي
1 – للوقت مفعول السحر، يعطيك مساحة من أجل التحليل الهادئ من جهة، ومن أجل طرد شيطان الدهشة من مخيلتك، بفرك العينين وكثير من التأمل، يجعلك أمام سقوط الأقنعة، يجعلك تكتشف تهافت «الخطاب الذي يوظف الدين»، وتهافت» الخطاب الذي يستعمل المال»، وتكتشف انهيار وعود الحملة الانتخابية المحاطة بسياج من الأكاذيب.
عيب «ساستنا» أنهم لا يطبخون كلامهم على نار هادئة، يغترون بسرعة وينتفخون بسرعة، ردود انفعالية تنم عن الجهل أحيانا وعن التضخم أحايين كثيرة، عدم إعمال العقل وتغييب المنطق، القفز عن الحقيقة والقطع مع الواقع، قراءة الأحداث بأوهام « القوة « وإسقاطات الذات التائهة .
عيب «ساستنا» أنهم لا يفكرون، إنهم منخدعون، إنهم واهمون.. يتكلمون ولا يفكرون…
ضحايا اللحظة، لا يتجنبون متعة لحظة عاجلة تفاديا لألم مستقبل… و«ساستنا» «يخطبون»، يلغون، يقولون كل شيء ولا يقولون شيئا… دعهم يقولون، دعهم يتيهون؛ إنهم مبتدئون، إنهم وافدون…
السياسة ممارسة ونضال، وفي البدء كان الاتحاد الوطني/الاتحاد الاشتراكي، ناضل وضحى من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية…
عيب «ساستنا» أن اللغة تتكلمهم ولا يتكلمون اللغة…
عيب «ساستنا» أنهم لا يفرقون بين خطاب السلطة وسلطة الخطاب…
خطاب السلطة يستمد رعبه من التهديد والقمع والجبروت،
سلطة الخطاب سلطة تستمد قوتها من داخلها؛ بصدق منطقي وصدق واقعي:
– صدق منطقي؛ تطابق الكلام / الفكر مع ذاته؛ تماسك وانسجام بين المقدمات والنتائج؛ خلو الخطاب من التناقض…
– صدق واقعي؛ تطابق الفكر مع الواقع، تطابق «الزعيم» مع نفسه…
إدريس لشكر يتكلم ولا ينسى أنه يفكر، يفكر ولا ينسى أنه يتكلم ،لا لغو، لا تناقض ولا إهانة للمغاربة، إنه اتحادي، إنه أصيل..
2 – «واذكر حكومة التناوب إذا نسيت»
إن ورش الحماية الاجتماعية التي وضع لها جلالة الملك تصورا متكاملا، ورش مشترك بين كل القوى الحية ببلادنا، والتي لا يحق لأي طرف كان، أغلبية أو معارضة، الانفراد بها وتحويلها لصالحه.
سيبقى الاتحاد الاشتراكي دائما وفيا لمبادئه حول مختلف التدخلات الاجتماعية، ولن يتوانى في الدفاع عن حسن تطبيقها، حتى نكون في صلب الدفاع عن هذا الورش الملكي المتطابق مع تصوراتنا.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يستحضر تصوره المتكامل للدولة الاجتماعية، بمختلف مكوناتها الأساسية، التي يمثل ضمنها قطاع الصحة الركن الأساسي الذي يقوم عليه الحق في الحياة باعتباره أول وجوهر كل الحقوق الأخرى.
ولذلك، فإنه ليس من قبيل الصدفة أن يحمل قانون التأمين الإجباري عن المرض رقم 65.00، لأن هذا الورش الاستراتيجي لبلادنا، كان الفضل فيه لحكومة التناوب التوافقي التي قادها أخونا المرحوم عبد الرحمن يوسفي.
لقد صدر هذا القانون بمبادرة حكومية سنة 2000، في عز الأوراش التي بادر بها الاتحاد الاشتراكي، بتوافق تام مع الإرادة الملكية التي لم تتوان في دعم برامجه الاجتماعية.
لقد كان لهذا القانون الأثر البالغ في فتح ورش الحماية الاجتماعية التي تعمل بلادنا جاهدة على ترسيخ دعائمها تحت الإشراف الملكي المباشر؛ فقد تم فتح المجال أمام الفئات الشعبية الهشة والفئات محدودة الدخل لولوج مرفق الصحة الذي يشكل بالنسبة لها الباب الوحيد للحفاظ على صحة أفرادها، بل وإلزام السلطات العمومية على توفير البنيات والخدمات اللازمة لتحقيق هذا الغرض.
ومع توالي مؤتمراتنا الحزبية الوطنية، بلورنا برنامجا متكاملا للدولة الاجتماعية، وخاصة مع المؤتمر الوطني العاشر والحادي عشر، حيث تم تعميق تصورنا لهذا المنظور الذي شكل أحد أسس الاشتراكية الديمقراطية التي تعد عماد سياساتنا. وقد وضعنا قطاع الصحة، بمختلف تجلياته، في صلب هذه الحماية الاجتماعية.
لقد كان منظورنا، كاتحاد اشتراكي، منظورا متكاملا، يهتم بالصحة العمومية، والبنيات اللازمة لذلك من مؤسسات للتكوين، ومصانع للأدوية، ومختبرات للتحليل، إلى جانب المستشفيات والمراكز الصحية.
لكن، كانت الموارد البشرية في صلب اهتماماتنا، من أطباء، وصيادلة، وممرضات وممرضين، وتقنيين وإداربين.
3 – إن الاتحاد الاشتراكي يجد نفسه في الخيارات الاستراتيجية والمبادرات الاجتماعية والإصلاحات الهيكلية التي يبشر بها جلالة الملك، ويحث عليها في كل مناسبة وحين، بل وينكب على الإشراف على الكثير منها .
يقول الأستاذ إدريس لشكر: إن مشروع حزب الاتحاد الاشتراكي يروم إقرار منظومة شاملة للحماية الاجتماعية وتفعيل نموذج تنموي واقتصادي جديد، وتكريس البعد الديموقراطي والحداثي ،وإن ما جاء به جلالة الملك يعتبر ثورة اجتماعية كبرى وحقيقية غير مسبوقة، فلم يرد في برنامج الحزب ولا في برامج أي حزب من الأحزاب مثل هذا السقف الزمني بالرغم من تواجدها الدائم كمطالب .
يقول الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية « بكل تجرد، أؤكد، أنه إذا تمت العودة إلى جميع البرامج الانتخابية لكل الأحزاب السياسية بالمغرب، بما فيها الحزب الذي أتشرف بالانتماء إليه، لم يصل أي حزب في المغرب من خلال برنامجه الانتخابي إلى طرح الحماية الاجتماعية بشكلها التام، كما جاءت في الخطب الملكية والقرارات التوجيهية الملكية الأخيرة. وبالعودة إلى أدبيات الحزب وبرامجه الانتخابية دائما كان الأفق الزمني لكي نكون في حماية اجتماعية كاملة يصطدم بقلة الموارد ومحدودية الميزانيات، ونظل نتحدث فقط عن أجرأة ثابتة تتطلب عدة حقب وعدة مراحل…
إن فيروس كورونا، يؤكد الأستاذ إدريس لشكر، عجل بالتفكير في الحماية الاجتماعية، ولم يكن أحد يطرح ضرورة الحماية الاجتماعية لكل المواطنين والمواطنات؛ ففي الوقت الذي كانت بعض الهيئات السياسية تنادي بخوصصة القطاعات الاجتماعية في التعليم والصحة والتقليل من تدخل الدولة في هذه القطاعات، برزت الجائحة وفرضت الرجوع إلى الدولة والتدخل في المجال الاجتماعي؛ إن هذا هو ما يشكل جوهر مشروع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ 1959 …
إن جلالة الملك عمل على إطلاق هذا المشروع الضخم المتعلق بالحماية الاجتماعية في الوقت الذي لم تستطع بعض الدول المتقدمة إنجازه، وهو ما دفع بحزب الاتحاد الاشتراكي إلى الانخراط فيه بقوة لإنجاحه لأنه جوهر الفكر الاشتراكي الديموقراطي الذي ينادي به الحزب ويناضل من أجله، وما هذه المحاضرات التي يسهر الحزب على تنظيمها بالمؤسسات الجامعية والفضاءات العمومية إلا دليلا واضحا على الرغبة الأكيدة للحزب في إنجاح هذا المشروع الاجتماعي الكبير الذي أطلقه جلالة الملك.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 25/12/2023