90 %من شركات التنمية أحدثت في غياب دراسات متعددة الأبعاد

لم تحقق كامل الأهداف المرجوة من إحداثها

بمبادرة من مجالس الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات ، أحدثت شركات التنمية شركات التنمية المحلية وشركات التنمية وشركات التنمية الجهوية، لتكون أداة لتحديث وتطوير التدبير الترابي . ويرتكز هذا النمط كما هو مسطر له على شراكة موسعة، بنيوية وعضوية وتعاقدية بين القطاعين العام والخاص، لخلق هيكل ملائم لتوحيد الجهود من أجل تمويل وتدبير أمثل للشأن المحلي، الأمر الذي يجعلها تمتلك مقومات الفعالية والنجاعة لتحقيق الأهداف المتوخاة، ويتيح انسيابية ومرونة، تفضي إلى حكامة مندمجة ومستدامة للمرافق والتجهيزات على المدى المتوسط والبعيد…
هذا مقتطف من التوطئة الذي فتح بها تقرير المجلس الأعلى للحسابات موضوع شركات التنمية المحلية، قبل أن يدخل في تفاصيل أدائها ويضعها تحت مجهر التشخيص والتمحيص ليرصد الإخفاقات والإكراهات والنجاحات إن تحققت، قبل أن يصل إلى الخلاصات النهائية لأداء هذه الآلية التدبيرية، ذكر التقرير، بأن محفظة الجماعات الترابية ضمت 42 شركة، موزعة بين 7 شركات للتنمية الجهوية و30 شركة للتنمية المحلية وخمس شركات للتنمية، ويصل إجمالي رأسمال هذه الشركات إلى 5.89 مليار درهم ، 99 في المئة منه مملوك لأجهزة عمومية ، تشكل فيها حصة الجماعات الترابية حوالي 55 في المئة، وتتمركز 23 شركة من أصل 42 في جهتي الدارالبيضاء سطات وسلا الرباط القنيطرة، بمجموع رأسمال ناهز 97 في المئة من إجمالي الرأسمال على المستوى الوطني .
من هذا المنطلق وهذه المعطيات، سيسبر تقرير المجلس الأعلى للحسابات ماكينة أداء الشركات المعنية من خلال مهمة رقابية تضمنت عدة جوانب، إدارية ومالية وحكماتية وإنجازاتية لمعرفة إن كانت قد أصابت الأهداف …
على مستوى الحصيلة المؤسساتية، جاء في التقرير بأن 10 شركات تواجه صعوبة هيكلية تحول دون الشروع في استغلالها أو الحفاظ على استمرارية نشاطها ، حيث عرفت توقفا كليا أو جزئيا عن ممارسة نشاطها الاقتصادي ، تراوحت مدته بين أربع سنوات و30 سنة، وقد أدى هذا الوضع إلى تراكم الخسائر ، واستهلاك رأسمالها مع الحاجة أحيانا إلى ضخ أموال إضافية ، في غياب أية تدابير وقائية ، أو إن اقتضى الأمر تصحيحية، من خلال تصفيتها، حيث تم حل شركة واحدة فقط من أصل هذه الشركات العشر، كما تعاني خمس شركات أخرى من وضعية مالية هشة تستوجب برنامجا عاجلا للإجراءات التصحيحية.
إضافة إلى ذلك سجلت أقلام البحث المدونة للتقرير، محدودية مردودية شركات التنمية المحلية، حيث استطاعت 5 في المئة فقط من هذه الشركات تحقيق مردودية نسبية على الرأسمال المستثمر ، أو هي في طريق تحقيقها، كما تفتقد هذه الشركات للاستقلالية التجارية والمالية، ويعاني بعضها من المنافسة وتجزيء الحصة السوقية لديها .
بعد هذه الخلاصة سيعرج المجلس الأعلى للحسابات على الإنجازات ومدى تحقيق الأهداف، إذ سيؤكد أنه رغم أن مساهمة الأجهزة العمومية في رأسمال هذه الشركات بلغت أكثر من 5 ملايير درهم ، مع تعبئة موارد سنوية إضافية ناهزت 562 مليون درهم، فإنها لم تحقق كامل الأهداف المرجوة من إحداثها ولا القيمة المضافة المتوقعة، ويتجلى ذلك من خلال تجاوز آجال تنفيذ المشاريع المسندة إلى هذه الشركات، حيث تراوحت مدة التأخير بين سنة واحدة وسبع سنوات مع ارتفاع كلفة المشاريع أحيانا واستمرار المشاكل البنيوية المرصودة قبل إحداثها، كذلك المرتبطة بتوفير العقار خصوصا في المدن الكبرى، بالإضافة إلى الصعوبات والإكراهات الاجتماعية أحيانا لإرساء النظام وضبط الأمن وتحرير الملك العمومي، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للشركات المكلفة بتدبير أسواق الجملة أو مرفق ركن السيارات.
التركيبة المؤسساتية والمالية لهذه الشركات لم تسلم من القلم الأحمر لمفتشي المجلس، إذ تم تسجيل أن 90 في المئة من شركات التنمية المحلية تم إحداثها في غياب دراسات قبلية متعددة الأبعاد، سواء القانونية أو المالية أو الاقتصادية أو التقنية، ودون تقدير واقعي لمختلف المخاطر ذات الصلة، وقد نتج عن هذا الوضع عدم تضمن أنظمتها السياسية لبنود خاصة ببعض العناصر ، كالمساهمين وهياكل الشركة وأصولها وأموالها، تراعي من خلالها أولويات وخصوصيات المرفق والتجهيزات العمومية، مع الحرص على ضمان حقوق جميع الأطراف، كما تفتقد التركيبة المالية للتوازن والعقلنة في ظل ندرة مصادر التمويل العمومي، ذلك أنه تم إنشاء سبع شركات برساميل تفوق حاجياتها الاستثمارية اللازمة لتكوين أصولها الثابتة، استهلك أربع منها لامتصاص الخسائر المتراكمة الناتجة عن التوقف أو ضعف النشاط . كما أن قرار إحداث شركات بدون تمكينها من حرية الولوج للسوق يجعلها غير قادرة على ضمان استقلاليتها التجارية والمالية، وتعتمد بالتالي على المال العمومي من أجل تحقيق توازنها المالي أو تسوية وضعيتها .
وعلى مستوى آخر، تقوم ثلاث شركات، يساهم الخواص في رأسمالها بنسب تتراوح ما بين 39 و49 في المئة، بالتعاقد من الباطن مع مقاولات أخرى تابعة للمساهمين الخواص في شركات التنمية المحلية . ورغم أن هذه الاتفاقات مؤطرة بمقتضيات القانون المتعلق بشركات المساهمة، فإن هذا النوع من العقود ينتج عنه غالبا تعاملات وتحويلات غير متحكم فيها، قد تفضي إلى استعمال أموال الشركة يشكل يتنافى مع مصالحها، خصوصا في غياب أسس موضوعية لتحديد ملائم لأجرة الشركة، الأمر الذي قد يفسر الوضعية المالية الهشة لإحدى شركات التنمية المحلية .
على مستوى الاتفاقات المبرمة، دون تقرير المجلس بأنها تفتقر غالبا إلى مجموعة من البنود أو الالتزامات الأساسية، لاسيما الأهداف المتوخاة والنتائج المنتظرة مع تفصيل مكوناتها وخصائصها وشروط وكيفية بلوغها، وتحديد كلفة المشروع والخدمات موضوع الاتفاقية وأجرة الشركة بما يضمن تناسبها مع النتائج المرجوة . كما لا تتضمن هذه الاتفاقيات مؤشرات النجاعة، والجزاءات وتدبير المخاطر والنزاعات وحالات القوة القاهرة، والنظام القانوني للأملاك المنشأة أو المكتسبة خلال الاتفاقية، ولا آليات وكيفيات مراقبة وتتبع وتنفيذ الاتفاقيات، كما أنها تمنح صلاحيات واسعة لشركات التنمية المحلية، بل وتنتدبها في بعض الأحيان للقيام بمهام متنافية، كتحديد مبلغ العقد أو تولي مهام المراقبة، لا تحفز على ترشيد النفقات، ولا تنمية الموارد ، ولا حتى تحديث آليات ووسائل التدبير .
وبخصوص الحكامة خلص التشخيص إلى أن الجماعات الترابية لم تستطع بعد، مسايرة نظام المساهمة والقيام بأدوارها الإشرافية كأصحاب مشاريع . كما لم يضطلع ممثلوها على النحو المطلوب بالمهام المنوطة بهم في ما يخص تتبع إنجازات شركات التنمية المحلية، حيث لا يقوم هؤلاء الممثلون لدى الشركة بإعداد تقارير دورية من أجل تقديمها لمجالس الجماعات الترابية المعنية وتمكينها بالتالي من تتبع إنجاز المشاريع المبرمجة . وفضلا عن ذلك لم يطالب الممثلون بتقييم أداء الشركات من خلال فحص العمليات المنجزة والنتائج المحققة، من أجل تقدير الصعوبات والمشاكل المطروحة واقتراح الحلول المناسبة .
بناء على كل ما تم طرحه خرج تقرير المجلس الأعلى بأربع توصيات رئيسية وجهها لوزارة الداخلية، أولها أن تحث الداخلية الجماعات الترابية على الإسراع باتخاذ الإجراءات الضرورية بخصوص الشركات المتوقفة أو الموجودة في وضعية مالية هشة، وذلك باعتماد مخططات للإنقاذ أوللتسوية أو للتصفية حسب الحاجة، وبمراقبة سلامة الوضعية المالية للشركات من خلال تقوية الاستقلالية التجارية والمالية والربحية، بشكل يتوافق مع مبادئ وضوابط تدبير المرفق العمومي، مع العمل على ترشيد النفقات .
التوصية الثانية، تذهب إلى ضرورة التأكد من جدوى إحداث شركات التنمية المحلية من خلال دراسات مالية واقتصادية ودراسات مقارنة مع باقي أنماط التدبير وعبر تحديد الحاجيات على المدى البعيد، مع الأخذ بعين الاعتبار الوسائل والإمكانيات المتاحة، وكذا بضبط ومراجعة الأنظمة الأساسية مع الحرص على التحديد المسبق لنشاط شركات التنمية المحلية التي يتم إحداثها وضبطها في مجالات معينة مع إتاحة الإمكانية للولوج الحر للسوق متى توفرت فرص الاستثمار فيه.
التوصية الثالثة دعا من خلالها المجلس إلى مراجعة الاتفاقيات بما يكفل مراعاتها لمتطلبات الشأن المحلي والتوازن المالي، وبتحديد الأهداف المتوخاة والنتائج المنتظرة مع تفصيل مكوناتها وخصائصها وشروط وكيفية بلوغها . كما حث على اعتماد أجرة ملائمة للشركة مع ربطها بالنتائج ومؤشرات الأداء والنجاعة، مع تجنب البنود المتضاربة وتلك التي تمس بمصالح الجماعات الترابية المعنية ، من قبيل تكليف شركة التنمية المحلية بتحديد مبلغ العقد أو الإشراف على المراقبة .
التوصية الرابعة، أكد فيها التقرير على ضرورة العمل على مواكبة الجماعات للرفع من أدائها على مستوى الجمعيات العمومية والمجالس الإدارية وصياغة الاتفاقيات وتتبعها.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 27/12/2023