خطوات لإقرار النزاهة في مباريات الانتقاء والتوظيف

تنفجر بين الفينة والأخرى قضايا ذات علاقة بالترقيات المهنية وتكون موضوع تداول إعلامي واجتماعي، مما ينبئ بوجود عطل في منظومة الارتقاء، كما تعرف بعض القطاعات، من قبيل التعليم العالي توترات مَعيبة تخلق الشك في الوسط الأكاديمي والجامعي، والذي يجب أن يكون في منأى عن التشويش، وقد صارت هذه المنظومة الانتقائية تستوجب قرارات مفصلية في نهج نزاهة أكثر واحترام حق المواطنين في ولوج التوظيف باعتبارهم سواسية أمام القانون، وذلك تبعا لما ينص عليه دستور المملكة، ووفقا للرسالة الملكية الموجهة لوزير الداخلية سنة 2015 بخصوص احترام مبدأ الكفاءة والاستحقاق في انتقاء رجالات السلطة…
وصار من اللازم أن نتدبر عمل وزارة سيادية بحجم الداخلية في احترام مضامين الدستور والرسالة الملكية وكيفية تنفيذها، وهي تجربة تستوجب بالفعل الدراسة والتتبع، وقراءة نتائجها وآليات اشتغالها…
فقد عملت وزارة الداخلية منذ ذلك الوقت على تجسيد هذه التوجيهات، بواسطة مديرية الإدارة الترابية التي قادت هذا التغيير الهادئ، وذلك عبر إقرار مجموعة من الشروط العلمية المدروسة سلفا لمعايير الانتقاء في دراسة ملفات المترشحين، علما أن هذه الملفات يطلع عليها الرأي العام مباشرة عبر البوابة الإلكترونية، إضافة إلى شروط وضع الامتحان الكتابي والاختبار النفسي للانتقاء واختبار تقييم القدرات وأخيرا المعايير التي يجب أن تتوفر في المرشح، والتي تعتمدها لجنة الانتقاء الأخيرة والمكونة من رجالات السلطة المشهود لهم بالخبرة والمهنية، وهي كلها معطيات أساسية تحدد شروطا متكاملة في انتقاء رجل السلطة، حيث السعي نحو تحقيق المصداقية في انتقاء رجال الإدارة الترابية أصبح تجربة نموذجية في توفير الثقة والطمأنينة داخل رجال هذه الإدارة مع محاربة المحسوبية وطي عهد «باك صاحبي» في تدبير أحد أكبر قطاعات الدولة حساسية، ومن اللافت أن هذه العملية الهادئة في التدبير الهندسي، يقودها شباب في مديرية الإدارة الترابية يتميز بكفاءة علمية عالية واقتدار كبير في التمكين الإنساني، ومن المفيد أيضا أن هؤلاء الشباب يستعينون بكفاءات علمية جامعية ووطنية في علم النفس التطبيقي، ومن باب العدوى النافعة أن صدى هذه التجربة وصل إلى قطاعات وزارية أخرى، منها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، التي صارت على نفس منوال وزارة الداخلية منذ السنة الماضية 2022، مستعينة بدكتورين معروفين بكفاءتهما وتجربتهما في مجال علم النفس العيادي والممارسة النفسية التطبيقية، هذا الانفتاح العلمي والمهني والسلوكي غاية في الأهمية، يساعد على حسن اتخاذ القرار، ويعتبر إضافة نوعية إلى مجهودات التغيير، التي يقف وراءها طاقم الموارد البشرية، وما يضمه من أطر تستحق التحية يسهرون على القطع مع المحسوبية والزبونية والتوارث العائلي الذي كان معروفا في هذه الوزارة…
للتاريخ والحقيقة، تشكل التجربتان عملية مأسسة عهد جديد في القطاعين، أو على الأقل، في إعادة هيكلة نظام معايير الانتقاء والولوج إلى الوظيفة والمسؤولية بناء على مبدأ المعايير العلمية والكفاءة وتكافؤ الفرص، باعتبار ذلك مطلب كل مغربي وإقرارا دستوريا يتماشى مع التحولات الإيجابية التي تعرفها بلادنا.
فإلى أي حد ستحذو القطاعات الأخرى حذو هذين النموذجين الناجحين لحد الآن؟


الكاتب : سعيد الناظري

  

بتاريخ : 29/12/2023