لا يسع الزائر لمصب نهر أم الربيع إلا أن يصاب بالحسرة على ما وصل إليه ثاني أطول نهر بالمغرب من تدهور بيئي خطير ينذر بكارثة طبيعية إن لم يتم إيجاد الحلول السريعة الجديرة بإنقاذه مما وصل إليه. أم الربيع الذي ينبع من جبال الأطلس المتوسط قرب مدينة خنيفرة ويتجه غربا ليصب في المحيط الأطلسي عند مدينة آزمور الماثلة على ضفته اليسرى قاطعا مسافة 555 كم، لم يعد اسمه يدل عليه، فالخريف هو ما يتبادر إلى الأذهان عند التطلع إليه، خريف قاس معتم يمر منه النهر الخالد، الذي حمل في ما مضى الحياة والخصب لكنه اليوم يصاب بالعقم .
إن ما يقف عليه الزائر العادي من تدهور بيئي أصاب مصب هذا النهر يجعله يتساءل عن الأسباب التي أدت إلى ما وصل إليه، لقد أصبح عبارة عن بركة آسنة خضراء اللون، فالنهر الذي كان يصب بسلاسة منذ سنوات في الأطلسي حال تراكم الرمال التي تدفعها الأمواج دون أن يعانق المحيط وأصبحت مياهه الملوثة واقفة مكانها لا تتحرك. كارثة بيئية مؤسفة قضت على الأسماك وعلى التنوع الايكولوجي وعلى كل المظاهر الطبيعية والسياحية التي كانت تجذب إليها الزوار من المدن المغربية القريبة كالجديدة والدار البيضاء …
إن قلة التساقطات المطرية التي تعاني منها بلادنا منذ سنوات إضافة إلى تعدد السدود التي تم تشييدها على طول المسافة التي يقطعها من أعالي جبال الأطلس المتوسط إلى مصبه قرب أزمور من أهم العوامل التي أدت إلى ما يعانيه حاليا من انسداد، وقضت كليا على ما كان يزخر به هذا النهر من جمال طبيعي وتنوع ايكولوجي. لقد استوطنه في ما مضى سمك «الشابل» وأنواع أخرى من الأسماك التي كان الصيادون يبيعونها على جنبات الطرق وفوق القنطرة التي تفصل سيدي علي عن أزمور، لكن شباكهم اليوم أصبحت تعود فارغة دون حمولتها الثمينة، لقد انقرض السمك واستوطنت النهر الأزبال والأكياس البلاستيكية، ولم يعد لهؤلاء الصيادين مورد رزق يقيهم شر الحاجة .
إن من أبرز العوامل التي توصلت إليها مهمة استطلاعية مؤقتة كان مجلس النواب قد أحدثها سنة 2022 للوقوف على حالة الاختناق التي يعرفها مصب نهر أم الربيع، والاطلاع على تأثيراتها الإيكولوجية، لاسيما ما يتصل بمياه الصرف الصحي ، وكذا الوقوف على الاختلالات التي تهدد المنظومات البيئية بهذا المصب، ونفوق الأسماك المختلفة، وكذا الوقوف على تداعيات الوضع على مهنيي الصيد التقليدي، ومشاكل قلة التساقطات المطرية وتشييد السدود المختلفة على طوله بهدف توليد الطاقة الكهربائية والري وتزويد مجموعة من المناطق بالماء الصالح للشرب على رأسها سد المسيرة وسد أحمد الحنصالي. وأورد التقرير النهائي للمهمة أن السبب الثالث يتمثل في أخذ الحصى والصخور التي كانت تشكل حاجزا أمام الرمال موازاة مع تشييد ميناء الجرف الأصفر في إقليم الجديدة؛ وهو ما سمح للتيار البحري بجر الرمال إلى المصب. فيما السبب الرابع يتمثل في لجوء فلاحين كبار إلى إنجاز سدود خاصة لسقي الهكتارات من الأراضي من وادي أم الربيع. ويرتبط السبب الخامس باعتماد حلول ترقيعية غير مدروسة منذ البداية، حيث كان يتم جرف الرمال ووضعها جنبات البحر بدل وضعها في أماكن بعيدة، فتعمل الأمواج على دفعها مرة إلى المصب. حسب ما توصلت إليه تلك المهمة الاستطلاعية.