في المغرب، كما في كندا وفي دول أخرى، البرد خلال فترة الشتاء يكون قارسا، بل أنه يكون أشدّ قساوة على الأجساد في مناطق مقارنة بأخرى، سواء تلك التي تنعم بدفء البيوت أو التي تعيش في الشارع العام، التي يكون وقعه عليها أشدّ، فالتشرد واحد لكن تدابير التعامل معه ومعالجة مشاكل المعنيين به تختلف بالضرورة من مكان لآخر، حسب السياسات والإمكانيات وغيرها من التفاصيل الأخرى.
وأنت تتجول في شوارع مونتريال الفسيحة وسط العمارات الشاهقة التي تكاد تناطح السحاب، وما أن تجد نفسك في شارع سان كاترين، حتى تطالعك جحافل من المشردين والمشردات، الذين اتخذوا من الأرصفة المسقوفة مقرات لـ «سكناهم». مشردون تبدو على ملامحهم علامات التخدير المباح تعاطيها في كندا بكميات محددة، هم يفترشون بعض الأغطية المهترئة غير مبالين بالمارّة، يتبادلون الحديث فيما بينهم، وهم يتجرعون ما في القنينات التي بأياديهم أو حولهم، ومتى أفرغوها رموها حيثما كان، غير عابئين بتلويثهم للشارع؟
اقتربت من بعضهم، وأنا أجسّ نبض قدرتهم التواصلية، وبالفعل تأتى لي الحديث مع أحدهم، حول ظروف العيش في الشارع، بعيدا عن الدوافع التي أدت به إلى ذلك، وعن التدابير المتخذة والمطالب، فعبّر عن مطلب أساسي بالنسبة له قائلا « لست راضيا على هذه الحياة .. وعلى الحكومة بناء مساكن خاصة بنا، تأوينا وتقينا من التشرد».
مطلب فردي، يعبر عن رغبة خاصة، بعيدا عن المطالب الجماعية التي اعتدناها في بلدنا وفي مناطق أخرى، حيث يكون الترافع من أجل توفير دور الرعاية لهذه الفئة، تأويها وتتكفل بها على مختلف المستويات. سكن، يظهر ومن خلال ما دار من حديث، أن عدم توفره يعتبر من الأسباب الرئيسية التي دفعت هؤلاء المشردين والمشردات إلى الحياة في الشوارع، والذين يبلغ عددهم 10 آلاف مشرد حسب إحصائيات سنة 2022، ضمنهم 2900 مشرّدة، أي ما يمثل نسبة 29 في المئة، إذ أن أسعار الكراء هي جد مرتفعة، مقارنة بحجم الدعم الحكومي المخصص لكل شخص والذي يقدّر بحوالي 10 آلاف درهم، بحسب العملة المغربية، شهريا؟
مشرّدون في مونتريال الكندية، تتنوع وتتعدد الظروف التي ساقتهم إلى الشارع، منهم من والج إلى عالم التشرد نتيجة تعاطيه للمخدرات والإجرام منذ المراهقة، وهناك من يرفض نمط الحياة العادية والطبيعية واختار له حياة مفتوحة على كل شيء، تقوم على غياب «العقلنة»، وما يأخذه من أموال من الدولة باليمنى يصرفه باليسرى، وتلك فلسفة خاصة ببعض المثقفين الذين حبذوا عالم التشرد، كما أكدت للجريدة إحدى المتطوعات في هذا الميدان.
واقع، لا يلغي أن الحكومة الكندية لا تدّخر جهدا لمعالجة هذا المشكل، من خلال بناء مساكن جديدة تأوي هذه الشريحة الاجتماعية، علما بأن كلا من الحزب الليبرالي الفيدرالي الحاكم في كندا ومنافسه الحزب الديمقرطي يضعان في أولوية برامجها الانتخابية الاجتماعية، حل مشكلة السكن بصفة عامة، نظرا لكون القيمة الكرائية للشقق تستنزف الحيز الأكبر من ميزانية الموظفين والأجراء.
إن الحديث عن التشرد والمشردين، يجعلنا نستحضر أعداد المغاربة الذين يعيشون هذا الواقع في مدننا كالدار البيضاء، وفاس، ومراكش، وغيرها … التي يتواجد بها عدد مهم منهم، وهو ما يجعل المعنيين بالشأن الاجتماعي يطرحون أسئلة حول ما أعدته الحكومة من برامج لإعادة هذه الفئة للحياة الطبيعية وانتشالهم من واقعهم، بعيدا عما تقوم به بعض جمعيات المجتمع المدني لإخراجهم من شرنقة التشرد، في الوقت الذي تنتظر فيه كل يوم هذه الفئة، الذي يأتي والذي لا يأتي؟
مشردون بمطالب نوعية : كندا .. تشرد واحد وتدابير مختلفة
الكاتب : مونتريال: محمد بوهلال
بتاريخ : 09/01/2024