في حوار مع الدكتور المسعودي حول فيلمه الجديد الأمل قصة «عبد السلام» قصة حقيقية عايشت معها منذ بداية تعرفي عليه في ماي 1989

الدكتور بوشعيب المسعودي، الطبيب المتخصص في أمراض المفاصل والعظام والروماتيزم، له اهتمامات بالسينما والأدب والفوتوغرافيا وفنون أخرى. أصدر مجموعة من المؤلفات الأدبية (مجموعات قصصية) والسينمائية (كتب: «السينما والأوبئة»، «الثقافة الطبية في السينما»، الوثائقي أصل السينما»…) وأخرج مجموعة من الأفلام السينمائية نذكر منها: «أسير الألم» (1914)، «أمغار» (2020)، «دوار العفاريت» (2022)، «الأمل» (2023)…
بمناسبة تنظيم العرض ما قبل الأول لفيلمه الأخير «الأمل» بمدينة خريبكة، أجرينا معه الحوار التالي:

 

– هل يمكن اعتبار فيلمك “الأمل” (2023) امتدادا نوعيا لفيلمك السابق “أسير الألم” (2014)؟.

– أولا شكرا لك على هذا الاهتمام بفيلمي الجديد، الذي يدخل في إطار اهتمامك المعهود بمستجدات الساحة السينمائية الوطنية. بالطبع فيلم “أسير الألم” يشكل مع فيلم “الأمل” قصة واحدة. وبما أن تصوير جزء ثاني للفيلم غير صحي، أدمجت الفيلم الأول (أي الجزء من القصة الذي يتحدث عن الأمل) كفيدباك في فيلم “الأمل” وبهذا أصبحا بمثابة فيلم واحد كامل ومفهوم.. للتذكير ففيلم “أسير الألم” سبق له أن حصل على جائزتين: “جائزة أحسن موضوع”، بالدورة السابعة لمهرجان طنجة الدولي للفيلم سنة 2014، و”جائزة أحسن فيلم وثائفي عالمي”، بالدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بدلهي سنة 2015. كما تم عرضه أيضا بالدورة 10 للمهرجان الدولي للفيلم الإفريقي بكان (فرنسا) وأثناء انعقاد المؤتمر العربي لأمراض الروماتيزم، المتزامن مع الدورة 26 للجمعية المغربية لأمراض الروماتيزم بمراكش سنة 2016.

p هناك مجهود مبذول في الفيلم، إلا أنني لاحظت نوعا من التمطيط في بعض مشاهده، الشيء الذي جعل إيقاعه بطيئا نوعا ما، كيف تمت عملية المونطاج مع فريق رباعي؟

n ليس هناك تمطيط، بل مجرى الأحداث يتطلب ذلك ليحس المتفرج بآلام “عبد السلام” ومعاناة المحطين به وما يطبع معيشهم وحياتهم اليومية من رتابة. أما عملية المونتاج فكانت صعبة للغاية، لأنها تمت مع أربع فرق وليس مع فريق رباعي الأعضاء، لقد كان من الضروري اختيار مشاهد ولقطات دون غيرها وترتيبها وفق رؤية إخراجية معينة، ولا تنسى، وأنت سيد العارفين، بأن ظروف التصوير كانت صعبة، خاصة وأن “عبد السلام” كان في حالة نقاهة بعد ضعفه الناتج عن مرضه المزمن…

– المقطع الغنائي من رائعة مارسيل خليفة “منتصب القامة أمشي…مرفوع الهامة أمشي…”، المسجل من سهرة حية أحياها هذا الأخير بمناسبة تكريمه في الدورة الرابعة لمهرجان خريبكة الدولي للفيلم الوثائقي، كان توظيفه في نهاية الفيلم جد موفق، كيف جاء اختيار هذا المقطع وباقي المقاطع الموسيقية والغنائية وترتيل آيات من الذكر الحكيم على امتداد زمن الفيلم؟

– بالفعل، منذ أن أجرى “عبد السلام” العملية الجراحية وقررت مع نفسي أن أنجز فيلما وثائقيا عن حالته الثانية، وهو يمشي مرفوع الرأس، لم أفكر إلا في الفنان مارسيل خليفة والجزء الأول من أغنيته “منتصب القامة أمشي…مرفوع الهامة أمشي…”، حيث قمت باستغلال فيديو حفل تكريمه، كما ذكرت، يظهر فيه عدد كبير من الأصدقاء الحاضرين في هذا الحفل البهيج، لتبقى صورهم في الذاكرة…
أما بالنسبة لتلاوة القرآن الكريم واختيار مقاطع موسيقية شعبية وأخرى تصويرية مصاحبة، فهي تمثلني وتمثلك وتمثل جل مكونات الشعب المغربي.. فأعظم وأعز شيء هو كرامة الإنسان.. وهذه الكرامة تتجسد في حرية تفكيره الداخلي والتعبير عنه بكل حرية.. وطبيعتنا، كمغاربة، أن ديننا الإسلام وأغلب المغاربة مسلمون ممارسون للدين بشدة أو متدينون.. حقيقة الدِّين بطبيعة الحال تختلف عن مفهوم التديُّن، وكما يقول يوسف زيدان فالدينُ أصل إلهي والتديُّنُ تنوعٌ إنساني… والقرآن شفاء كما قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (الإسراء/82)،
وهذا يعم الأمراض الحسية والمعنوية، وقد كان النبي صلى عليه وسلم يقرأ على نفسه، وعلى المريض من أهله: المعوذات وشيئا من القرآن الكريم، فلولا أن ذلك ينفع لم يفعله. والدين في الطب الحديث علاج للنفوس قبل الأبدان، وكذلك الاستماع أو قراءة القرآن كما الموسيقى…
“عبد السلام” متدين كأي مغربي، وينتمي إلى جهة الشاوية ورديغة المحبة للدين والعلم والعلماء والعاشقة كذلك للموسيقى والعيطة الشعبية خاصة… كل هذا جعلنا في حيرة من أمرنا لاختيار موسيقى تليق بالفيلم ويحبها الجميع بما فيهم “عبد السلام”.
تصوير سفر “عبد السلام” إلى الدارالبيضاء على متن سيارة كان يصاحبه ترتيل آيات من القرآن الكريم من قبيل: “وإذا مرضت فهو يشفين..” حيث كان لهذه الآيات تأثير إيجابي على نفسية “عبد السلام”. يكفي أن أذكر بما قاله “عبد السلام” قبل العملية: ” حتى أنا في السنوات التي عشت فيها كنت أفكر في الإنتحار، لن أقول لك أو أكذب عليك لقد فكرت في هذه القضية كثيراً، لأنني قلت إذا عشت هكذا فهي حياة فاشلة وليست كما هي، لأنك ترى أصدقاءك منهم من توظف، من اشتغل، مثلا من هاجر، كل واحد وكيف بنى مستقبله، ولكن أنت خرجت من تلك الطريق التي رسمتها، حياتك انتهت وتفكر في أشياء فظيعة، في الانتحار…”.. ” ولكن بالإرادة والعزيمة والأمل في الله مع الأسرة والإخوان والأصدقاء، المريض ينسى… وكذلك قراءة القرآن الذي يذكرك بالأنبياء الذين ابتلاهم الله بالأمراض.. الإنسان يحاول أن ينسى مرضه.. يجب أن تعيش اليوم وغذا ضاحكا، تتساعد بالراديو لنسيان المرض وترتاح نفسيا”.
أما الأفراح فلها طقوسها الخاصة حسب المناطق: الأغنية الشعبية والزغرودة… مع الحليب والتمر والحلويات وكؤوس الشاي…

– هل تدخل المشاهد المصورة بمختلف شوارع خريبكة وفضاءاتها الرئيسية في سياق نوع من الإحتفاء بهذه المدينة التي أنت من مواليدها؟

– مدينة خريبكة، كما تعلم، لم تأخذ حقها الكامل سياسيا واجتماعيا وثقافيا وسياحيا.. توجد تحث أرضها أكبر الثروات في المغرب، ويعيش بين أحضانها عدد كبير من الشخصيات الثقافية المعروفة محليا ووطنيا ودوليا.. خير دليل على ذلك تكريمي وتسلمي الدرع من طرف المدير الإقليمي للثقافة السيد الطالب بويا لعتيك.
فعلا، أنا ولدت في هذه المدينة ودرست بها إلى حدود حصولي على شهادة الباكالوريا، وعشت بها منذ تخرجي كطبيب، رافضا العيش بفرنسا، فكان لابد أن أن أكون وفيا لها ولو بشيء بسيط. ومن هنا جاء كلام “عبد السلام” في الفيلم يمدحها ويمجد ازدهارها، خصوصا وأنه لم يشاهد معالمها وتطورها منذ مدة طويلة (أسير الألم). كما جاءت مشاهد ولقطات من شوارع المدينة معززة بصور جوية بواسطة الدرون. أتمنى أن أكون قد نجحت في التقاطها…

-هل يمكن اعتبار الأمل في الشفاء وأنسنة العلاج بمثابة أهم ما يرغب الفيلم في إيصاله إلى المتلقي؟

– الفيلم يرغب في إيصال عدة أمور من بينها ،
أولا، الأمل، وهو أهم شيء، لكن وفق شروط أساسية من بينها: ضرورة التشخيص المبكر عبر زيارة الطبيب، صرامة العلاج لتفادي المضاعفات والإعاقة كما شاهدنا في الفيلم…
ثانيا، رغم كل التعقيدات والتأخرات في التشخيص والعلاج هناك دوما أمل.
ثالثا، رغم قلة الإمكانيات وضعف الميزانية المخصصة للصحة العمومية، هناك علاجات في المستشفيات العمومية وإيجابيات كثيرة لمستها بنفسي.
رابعا، هناك تعاون في المصالح الطبية بين عدد من الأطباء من مختلف التخصصات لصالح المريض.
خامسا، أنسنة العلاج، موضوع مهم قديم/جديد، لكنه حاضر دوما في التعلم والتعليم الطبي ويجب أن يكون حاضرا في التعاطي اليومي للطبيب مع مرضاه.

– حضورك متعدد في هذا الفيلم، فإلى جانب كونك طبيبا متخصصا في الروماتيزم أشرفت على تتبع الحالة المرضية لعبد السلام، شخصية الفيلم الرئيسية، فأنت مخرج ومنتج الفيلم وصاحب فكرته، إلى أي حد أفاد هذا الحضور المتعدد فيلم “الأمل” شكلا وموضوعا؟

– قصة “عبد السلام” قصة حقيقية وواقعية عشتها وتعايشت معها منذ بداية تعرفي عليه في ماي 1989. لقد عاش “عبد السلام” منذ ذلك الوقت مراحل في تطور مرضه وعلاجه. ووجودي أنا كطبيب مرتبط بوجود المرض، فما دام المرض موجودا فالطبيب واقف أمامه.
ازداد ارتباطي به درجات منذ أصبح اهتمامي منصبا على السينما، إخراجا وإنتاجا، وعليه فحضوري المتعدد هذا ضروري وأساسي لإضفاء الصبغة الوثائقية الواقعية والحقيقية على الفيلم، ولتبليغ رسالة إلى المتلقي مفادها أن المعلومة علمية وصادقة.


الكاتب : أجرى الحوار أحمد سجلماسي

  

بتاريخ : 10/01/2024