المغاربة يحتفلون رسميا بأول رأس سنة أمازيغية بعد اعتمادها عطلة رسمية

2974.. احتفالات وأكلات تترجم عمق الارتباط بالأرض !

 

يحتفل المغاربة، يوم الأحد 14 يناير 2024، بأول رأس سنة أمازيغية بعد اعتمادها عطلةرسمية، حيث أعلن الديوان الملكي في الرابع من ماي الماضي، إقرار رأس السنة الأمازيغية كعطلة وطنية رسمية. وهو ما أعلنه عنه بلاغ لرئاسة الحكومة، في عشت الماضي، حيث تقرر اعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية سنوية مدفوعة الأجر، وذلك تنزيلا لخريطة الطريق التي أعدتها الحكومة بخصوص تكريس الطابع الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
وتتضمن خريطة الطريق 25 إجراءً، تشمل إدماج اللغة الأمازيغية في الإدارات والخدمات العمومية، وفي وزارات التعليم والصحة والعدل، والإعلام السمعي البصري.
واعتبر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المؤسسة المعنية بالمساهمة في الحفاظ على الأمازيغية والنهوض بها وتعزيز مكانتها في المجال التربوي والاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني، أن القرار الملكي «من المحفزات الوازنة لنا جميعا، وذلك من أجل الإسهام الفعال في تحقيق إرادة جلالته الرامية إلى النهوض بثقافتنا الوطنية، وترصيدا لما تحقق من مكاسب حاسمة، بفضل التوجيهات النيـرة لجلالته، وجعل الثقافة من رافعات التنمية المستدامة بوطننا الغالي، تحقيقا لمشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي المنشود، الذي أقر معالمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، منذ انطلاقة العهد الجديد».
وقد ظل مطلب الحركة الأمازيغية في المغرب بإقرار رأس السنة الأمازيغية مناسبة رسمية يراوح مكانه لسنوات، ويثير جدلاً كبيراً في المشهد السياسي بالبلاد.
وقد دأبت الحركة الثقافية الأمازيغية وجمعيات حقوقية على تكرار الطلب اعتماداً على دستور عام 2011، الذي جعل الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، غير أن هذا المطلب الملحّ ظل عالقاً بسبب ما كانت تعده الحركة الأمازيغية غياباً للإرادة السياسية.
وقد تم الاعتراف، رسميا، باللغة الأمازيغية في الخطاب الملكي لعام 2001، وذلك قبل أن ينص دستور 2011 على الاعتراف بها كلغة رسمية في عام 2011، في حين صدر القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيلها في مجالات الحياة في عام 2019.
وتتباين تسميات رأس السنة الأمازيغية في المغرب من منطقة إلى أخرى، ما بين «إيض يناير»، و»إيض سكاس»، و»حاكوزة»، وهذا هو العام 2974 بالتقويم الأمازيغي، وهو يتجاوز التقويم الغريغوري (الميلادي) بـ950 عاماً.
وينقسم المؤرخون حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فريقين، الأول يربطه بالاحتفال بالأرض والزراعة، لذا يحكون عن «السنة الفلاحية»، في حين يعيده الفريق الآخر إلى إحياء ذكرى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الفرعون المصري رمسيس الثاني.
وتختلف مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بالمغرب من منطقة إلى أخرى، إلا أن الجامع بينها هي الصبغة العائلية.
وأكد محمد شطاطو الأستاذ بالجامعة الدولية بالرباط، في تصريح إعلامي، أن «المميز في رأس السنة الأمازيغية عند المغاربة هو احتفال العائلة». موضحا أن «أهمية الاحتفال برأس السنة الأمازيغية تكمن في «زمن الاحتفال وهي بداية السنة الفلاحية أي الزمن الذي تدب فيه الحياة في المزارع والبساتين، باعتبار أن الأمازيغ أغلبهم فلاحين».
وقد أجمع الباحثون على أن الاحتفال بـ «انّـاير» (بالتعبير الأمازيغي) أو «حاﯕوزا» (بالتعبير المغربي الدارج ببعض المناطق) هو ممارسة طقسية مرتبطة بالحياة الفلاحية لسكان الأرياف بشمال أفريقيا ومنضبطة بدقة مع بداية السنة الفلاحية بالتقويم اليولياني الشمسي (الذي يتأخر عن التقويم الغريغوري بـ 13 يوم)، مما يجعل منها طقسا فلاحيا بامتياز له دلالات اجتماعية (الارتباط الشديد بالأرض) وعقائدية (ترجيّ الخصوبة)، مع تميُّز يتجلى في كونها ممارسة عائلية بالدرجة الأولى باعتبار أن المحيط الأسري و العائلي وعاء لهذه الممارسة.
وقد أثبتت الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية أن الاحتفال بـ «انّاير» تعود جذوره إلى قرون عديدة، وكان متجذرا في شمال إفريقيا وامتداده الصحراوي، بل ثبت وجوده خارج الفضاء الشمال-إفريقي مثل بلاد الأندلس بفعل الوجود الأمازيغي في هذه الرقعة الجغرافية سياسيا واجتماعيا وثقافيا. ولكن هذه الطقوس الاحتفالية عرفت في فترات متأخرة (خصوصا في القرن الـعشرين) تراجعا كبيرا على مستوى الممارسة بل يمكن الحديث عن ««شبه قطيعة» جعلت الظاهرة مجهولة لدى فئات عريضة من المجتمع المغربي، بل حتى من المجتمعات المغاربية.
ويحتفل أمازيغ المغرب بالسنة الأمازيغية، بإعداد أكلة «تاكلا» التي تصنع من دقيق الشعير في الغالب وكميات من الماء وبعض زيت الزيتون أو زيت أركان الشهير، وتقدم في إناء خشبي أو طيني، ووسط الأكلة يتم حفر حفرة صغيرة يوضع فيها السمن مذاباً مع الزعتر أو زيت الزيتون قبل تقديمها ساخنة لأفراد الأسرة. كما تعم أجواء من الفرح والاحتفال بالرقص على إيقاعات المجموعات والفرق الأمازيغية المحلية، حيث ترتدي النساء أجمل الحلي والثياب المحلية الصنع.
وأبرز أسمهري المحفوظ، الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن «المجموعات البشرية بمنطقة شمال إفريقيا كانت تقوم بطقوس واحتفالات في مطلع شهر يناير، إذ يغلب عليها الطابع الرمزي، لأنها مرتبط أساسا بالفلاحة. مشيرا إلى أن «الأكلات الجماعية مثل «الكسكس» و»وركيمن» و»العصيدة» تُعد أساس الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، حيث يتم وضع نواة تمر داخل الأكلة، ويعتبر الشخص الذي يصادف هذه النواة خلال الأكل الأوفر حظا خلال السنة المقبلة من ناحية المحصول الفلاحي وسلامة وتكاثر الماشية التي يمتلكها، كما يتم وضع مفاتيح المؤونة تحت تصرفه تيمنا بأن الموارد الاستهلاكية المخزنة ستكفي طيلة السنة».
وتابع أنه في بعض المناطق، يحرص الأمازيغ على عدم تقديم الخبز في مائدة الأكل، خلال رأس السنة لكونه «يابسا»، مما يجعله فأل شؤم ليلة استقبال السنة الجديدة التي يأملون أن تكون سنة حافلة بالأمطار».
وتابع أن «الاحتفالات الشعبية برأس السنة الأمازيغية شهدت تطورا كبيرا مع مرور السنين، بفعل ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية، كما تأثرت بالتمدن، وبالاحتكاك بالثقافات الأخرى، مثل احتفالات رأس السنة الميلادية؛ وعلى العموم فهناك حرص على صون تقاليد رأس السنة الأمازيغية المتوارثة عبر الأجيال خاصة الأكلات التقليدية».


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 13/01/2024