خمسة عناوين كبرى لإخفاق المنتخب الوطني بالكوت ديفوار

يبدو أن سيناريو البنين في دورة 2019 بمصر تكرر أول أمس بملعب لوران بوكو بسان بيدرو أمام جنوب إفريقيا، ولو أن المباراة الأولى خسرناها بالضربات الترجيحية، بينما خرجنا من دورة 2023 بهزيمة قاسية بهدفين دون مقابل، لكن في المبارتين معا أهدرنا ضربة جزاء، وعجز اللاعبون عن فرض إيقاعهم رغم تفوقهم، نظريا، على الخصم.
لقد ودع المنتخب الوطني المغربي، رابع مونديال 2022، بطولة أمم إفريقيا لكرة القدم من ثمن النهائي، ليفشل في تحقيق آمال الجماهير المغربية، التي كانت تعلق عليه آمالا عريضة للفوز باللقب الثاني، بعد ذلك اليتيم الذي أحرزه جيل 1976 بأديس أبابا.
نعم، فشل المنتخب في مواصلة المغامرة، وعجز عن ترك بصمته في دورة الكوت ديفوار، وهو الذي دخل البطولة مرشحا قويا للظفر بالكأس، بالنظر إلى قيمة لاعبيه ومهاراتهم وكفاءتهم التقنية، بقيادة أحسن مدرب إفريقي لسنة 2023، وكانت كل الظروف مهيأة للفوز باللقب، فماذا كان ينقصهم في هذه المسابقة القارية؟
1 – الالتزام التكتيكي

بدا لاعبو الفريق الوطني خلال دورة الكوت ديفوار أنهم يلعبون بصيتهم العالمي، بعدما بلغوا نصف نهائي مونديال 2022 بقطر، وتعاملوا بنوع من التساهل مع الخصوم.
فرغم الفوز بحصة عريضة على منتخب تنزانيا في أول ظهور لهم بأرض الفيلة، إلا أن النتيجة لم تحسم إلا في الدقيقة 70، بعد طرد نوفاتوس ميروشي لاعب تنزانيا، لحصوله على الإنذار الثاني، عقب تدخل خشن ضد أوناحي، وهو ما استغله لاعبو الفريق الوطني لإضافة هدفين.
وخلال مباراة الكونغو الديمقراطية، نجا الفريق الوطني من الهزيمة، واكتفى بنتيجة التعادل 1 – 1، في مباراة انتهت بصور سيئة، بعد دخول وليد الركراكي في مشادة مع عميد الكونغو الديمقراطية، ميمبا، وما تلاها من شجار امتد إلى الممرات المؤدية إلى مستودعات الملابس، وما رافقها من سجال، كاد يخرج عن السياق الرياضي.
هذه النتيجة ورغم أنها كانت مقلقة، إلا أن كل مكونات الفريق الوطني أرجعتها إلى الطقس والمناخ العام بسان بيدرو، حيث جرت المباراة في الثانية ظهرا بتوقيت الكوت ديفوار، ونسوا أنهم يفتقدون إلى النَّفَس التكتيكي لخلق المتاعب للخصوم.
وفي المباراة الثالثة، اكتفى المنتخب بفوز صغير بهدف واحد أمام زامبيا، ووجد اللاعبون صعوبة كبيرة في هز الشباك، وكان بإمكان المنتخب الخصم أن يفاجئ كتيبة الركراكي، الذي تابع المباراة من المدرجات على خلفية الإيقاف من طرف الكاف، وناب عنه مساعده الأول رشيد بنمحمود، الذي كان يتواصل معه بالهاتف.
وأيضا قيل إن غياب الركراكي عن دكة الاحتياط أثر على اللاعبين، الذين تفاجئوا بقرار الإيقاف قبيل انطلاق مواجهة زامبيا.
هي إنذارات كان يتعين على الناخب الوطني أن يأخذها على محمل الجد، وأن يعيد ترتيب أوراقه، لأن مرحلة خروج المغلوب تتطلب صرامة تكتيكية، وانضباط اللاعبين، وحتى الطاقم التقني، الذي كان عليه أن يقرأ جيدا تصريحات مدرب جنوب إفريقيا، هوغو بروس، الذي أعلن أكثر من مرة أنه سيتغلب على المنتخب المغربي، الذي سبق له أن هزمه في تصفيات أمم إفريقيا بجوهانسبورغ، لكن الركراكي في ندوته قبيل المباراة قلل من الأمر، وقال إن الفريق الوطني تغير عن ذلك الذي هزمه الأولاد بعقر دارهم.
والأدهى من ذلك أن أحد الصحافيين المغاربة نبه الركراكي إلى أن المحلل التقني للمباريات، والذي كلفه الكاف بإنجاز تقارير عن مباريات المجموعة السادسة، هو الجنوب إفريقي مارك فيش، ولا محالة سيضع ما توفر لديه من معطيات رهن إشارة منتخب بلاده، لكن الركراكي لم يأخذ الأمر على محمل الجد، وتعامل مع السؤال بشكل عابر.
2 – اختيارات تقنية
غير موفقة

عادت مسألة اختيارات اللاعبين لتطرح بقوة عقب الإقصاء، وكان اسم نصير المزراوي في مقدمة الأسماء التي طرحت بشأنها علامة استفهام كبيرة، وهو الذي غاب عن المباريات الثلاث للنخبة الوطنية بداعي الإصابة، حيث التحق بالمنتخب الوطني يوم عاشر يناير الماضي بالكوت ديفوار، حاملا معه تقريرا طبيا، يتضمن برنامجا تأهيليا خاصا وضعه الجهاز الطبي لفريق بايرن ميونيخ.
وظل المزراوي يتدرب منفردا لمدة طويلة، ولم ينخرط في التداريب الجماعية إلا قبل ستة أيام من مواجهة «البافانا بافانا». ورغم أنه غاب عن المباريات لمدة ستة أسابيع، إلا أن الناخب الوطني أصر على إشراكه في مركز الظهير الأيسر، على حساب يحي عطية الله، الذي خاض مباراة زامبيا وقدم أداء جيدا، وحتى محمد الشيبي، الذي لعب اللقاءين الأولين، وكان أداؤه محترما، رغم أنه في الأصل ظهير أيمن، شأنه في ذلك شأن المزراوي.
والأدهى من ذلك أن المزراوي لعب في أكثر من مركز بالمنتخب الوطني، حيث أخذ حتى مكان سفيان أمرابط في خط الارتكاز، ولم يبلغ أداؤه حدود المتوسط.
بالتأكيد نحن لسنا أصحاب اختصاص تقني كي نناقش اختيارات المدرب وليد الركراكي، لكن أبجديات كرة القدم، تقول إن اللاعب الغائب عن التنافسية لمدة شهرين لا يمكنه خوض تسعين دقيقة، كما لا يمكن إشراكه في مباراة مصيرية، ينبغي تقليل هامش الأخطاء فيها، لأنها مهما كانت صغيرة قد تحول مسار المباراة.
وسُجل على الركراكي في مواجهة جنوب إفريقيا عدم منح الفرصة من البداية لصانع الألعاب أمين حاريث، ومنح الثقة لأمين عدلي، الذي مازال يكتشف أجواء المنتخب الوطني، ولم يكن فعالا. وقد لاحظ الجميع كيف أن حاريث منح جرعة أوكسجين للمنتخب الوطني، بعدما أخذ مكان لاعب بايرن ليفركوزن الألماني.
ومن الأسئلة التي ستظل دون جواب، سبب إصرار الناخب الوطني على تهميش سفيان رحيمي لاعب العين الإماراتي، الذي يقدم أقوى العروض بالدوري الخليجي، وتوجيه الدعوة لسفيان بوفال، الغائب لمدة أربعة أشهر عن فريقه الريان القطري بداعي الإصابة.
وظل الركراكي يجد لنفسه المبررات الواحد تلو الآخر لتفسير سبب استبعاد لاعب الرجاء الرياضي سابقا، والذي يعتقد أغلب المتتبعين أنه مظلوم، وأنه لو حصل على الفرصة لقدم أحسن من أداء سفيان بوفال، الذي عاودته الإصابة في التداريب.
3 – إصرار على نهج تكتيكي واحد

بدا واضحا أن الطريقة التي اعتمدها الناخب الوطني في مباريات كأس العالم، وحتى في مواجهة البرازيل في طنجة، لا تجدي أمام المنتخبات الإفريقية، التي فطن مدربوها لأسلوب لعب المنتخب الوطني، ونجحوا في إبطال مفعوله.
إن طريقة 4 – 1 – 4 – 1 التي يحبذها الركراكي أصبحت مكشوفة لدى الخصوم، وجهزوا لها السلاح التكتيكي المضاد.
والغريب أن هذا الأمر انكشف للعيان مباشرة بعد العودة من المونديال خلال المباراة الودية أمام الرأس الأخضر يوم 12 يونيو بالرباط، والتي انتهت من دون أهداف، وأيضا خلال الهزيمة أمام جنوب إفريقيا 2 – 1 في ملعب سوكر سيتي يوم 17 يونيو. لكن الركراكي لم يغير طريقة لعبه إلا بعد استقبال الهدف الأول لجنوب إفريقيا، أول أمس الثلاثاء، بعدما أشرك الكعبي إلى جانب النصيري، ليتحول أسلوب اللعب إلى 4 – 4 – 2 ، وهو أمر لم يكن مجديا لأن اللاعبين لم يسبق أن تدربوا عليه، ولم يألفوه داخل المنتخب الوطني.
4 – التخوف المبالغ فيه

من شاهد الجولة الأولى من مباراة المنتخب الوطني أمام جنوب إفريقيا، سيكون قد وقف بالتأكيد على معطى أساسي وهو عدم مبادرة الفريق الوطني إلى الأمام، واكتفاؤه بمجاراة الإيقاع الذي فرضه المنتخب الجنوب إفريقي، الذي نجح في شل حركة اللاعبين المغاربة من خلال تحصين خط وسط الميدان، وفرض الحراسة اللصيقة على مفاتيح اللعب المغربي، وخاصة في الرواقين، للحد من انسلالاتهم على الجهتين اليمنى واليسرى.
لم يكن المنتخب الوطني جريئا أمام جنوب إفريقيا، وتراجع إلى الوراء، فكانت أغلب التمريرات تتم في الخلف، لأن اللاعبين وجدوا صعوبة في خلق الممرات، بعدما سد الأولاد كل المنافذ، وراهنوا على الحملات المرتدة، التي ضربت الفريق الوطني في مقتل.
لقد بدا أن غياب حكيم زياش بداعي الإصابة أصاب الطاقم التقني الوطني بالدوار، وأربك حساباته، لأن طريقة اللعب كان تقوم على مهارة لاعب غلطة سراي التركي، الذي كثيرا ما منح الحلول في أصعب الأوقات.
5 – ضعف الأداء الجماعي

كشفت مباراة جنوب إفريقيا عن الوجه الحقيقي للمنتخب الوطني، الذي بدا فاقدا للشجاعة، وراهن مدربه على الحلول الفردية، في وقت كان يتعين عليه توظيف المنطق الجماعي، في ظل الغياب المؤثر لحكيم زياش، ضابط إيقاع الفريق الوطني، ففشل في استغلال تراجع المنتخب الخصم إلى الوراء، وهو ما كان يجب أن يتفطن إليه الناخب الوطني منذ البداية، لأن المنتخب الجنوب إفريقي لا يملك حلولا فردية يمكنها أن تقلق راحة الحارس ياسين بونو، وبالتالي لجأ إلى الانكماش، وانتظار اللحظة المناسبة لمفاجأة العناصر الوطنية التي لم تكن تتوقع هذا السيناريو.
لا أحد يمكن أن ينكر الجو العام الجيد جدا داخل المنتخب الوطني، الذي يتوفر على توليفة جيدة، تزاوج بين الفتوة والتجربة، لكن ما ينقص هو زرع روح جماعية، حتى يكون الأداء الفردي لصالح المجموعة وليس العكس، وهو ما افتقدناه في دورة الكوت ديفوار.
ماذا بعد؟

لا يمكن حتى لأكثرنا تشاؤما أن ينادي «بقلب الكروسة» وإقالة الطاقم التقني، لأن هذا القرار قد تكون سلبياته أكثر من منافعه، فوليد الركراكي، الذي قَبِل التحدي قَبْل ثلاثة أشهر من مونديال قطر، والملحمة التي صنعها في كأس العالم، والفرحة التي قدمها للمغاربة ملكا وشعبا، تشفع له بمواصلة مهمته على رأس الفريق الوطني حتى مونديال 2026.
فهذا المنتخب تنتظره استحقاقات كبرى تتطلب الاستقرار، وفي مقدمتها نهائيات أمم إفريقيا 2025، التي ستنظم على الملاعب المغربية.
لكن ورغم كل هذا يتعين على وليد الركراكي وفريقه التقني أن يعيدوا حساباتهم، خاصة وأن الجامعة لا تدخر جهدا في توفير الأجواء والظروف المثالية للنخبة الوطنية، التي ينبغي أن تجتهد أكثر، وتحسن طريقة تدبيرها للمباريات، وأن تستخلص الدروس والعبر من نسخة الكوت ديفوار، التي غيرت وجه كرة القدم الإفريقية، حيث صعدت إلى الواجهة منتخبات كانت إلى عهد قريب مغمورة، لكنها كبرت أمام الكبار، وأوجد لنفسها مكانا بين الكبار.


الكاتب : إبراهيم العماري

  

بتاريخ : 01/02/2024