دور الإعلام التنموي في تحقيق التنمية المستدامة في المغرب

بداية للحديث عن الإعلام التنموي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة في بلادنا لا بد من إستعادة الثقة في الإعلام الذي يجب أن يقدم حقائق ويبتعد عن فرض أراء وتنظيرات وبتعد كذلك عن المهاترات والإثارة ويقترب أكثر من المصادر والقضايا الهامة لأقصى ما يمكن من المهنية والموضوعية ، وهذا راجع للتحولات العميقة التي شهدتها حياة الإنسان المغربي في هذا العصر الذي يعرف بالحداثة التي إعترت مختلف المستويات والجوانب .
فلم يكن الإعلام بمنأى من ذلك بقدر ما كان هو العنصر الأكثر حظا من ذلك التحول بمعنى أنه كان نفسه طرفا مشاركا وفعالا في تحول العالم وتغييره ، أي أنه لم يعد مجرد آلية لتوصيل الخبر بل أضحى قوة قوية و مؤثرة بشكل سحري في الملتقى ليساهم في تشكيل أفهامهم وتوجهاتهم ولم يعد بالتالي إعتباره سلطة رابعة و إنما سلطة أولى ، لأن مفهوم الإعلام يتخدد دلالات جديدة تحيل على السلطة و القوة و التأثير والهيمنة و السيطرة و غير ذلك .
أما الإعلام التنموي فأصبح يعتبر أرقى مستوى وصله الإعلام في تطوره التاريخي الذي مر فيه عبر مرحل متعددة و تسلق مستويات مختلفة تنوعت بتنوع الحقول المعرفية التي يشتغل عليها والتوجهات الفكرية و الإيديولوجية ؛ الإجتماعية ؛ الدينية ؛ التربية أو الإقتصادية إلى غيرها من مختلف العلوم والمناهج .
كما أن الإعلام التنموي أضحى له دور فعال في تحقيق التنمية المستدامة في مجتمعنا و في حياة الإنسان المغربي المعاصر حيث تتحدد ملامح هذا الإعلام وهي ملامح أساسية في جل المستويات و ذلك بإجماع العديد من الأكادميين والباحثين المتخصصين في علوم الإعلام ، هذا لا يعني أن هذه المستويات كلها ما عادت تجدي ، و إنما تحضر بشكل لافت في المعادلة الإعلامية المعاصرة ، غير أنها طورت أكثر من قدراتها و منهاجياتها و مقاصدها ، لتواكب البعد التنموي للإعلام ، إلى الباحث « ويليبر شرام « الذي ألف كتابا في وسائل الإعلام والتنمية ، وهو يرى أن الإعلام التنموي فرع أساسي ومهم من فروع النشاط الإعلامي ، « وهو قادر على إحداث التحول الإجتماعي و التغيير و التطوير و التحديث ، يتم فيه وضع النشاطات المختلفة لوسائل الإعلام في سبيل خدمة قضايا المجتمع و أهدافه العامة أو بمعنى آخر هو العملية التي يمكن من خلالها توجيه أجهزة الإعلام و وسائل الإتصال الجماهيري داخل المجتمع بما يتفق مع أهداف الحركة التنموية ومصلحة المجتمع العليا « .
ومن أهم الأدوار التي تؤذيها وسائل الإعلام على سبيل المثال لا حصر لها هي : التوسع من آفاق الناس ، ويمكنها أن تلعب دور الرقيب ، ويمكنها أن تشد الإنتباه إلى قضايا محددة ، وكذلك يمكن أن ترفع طموحات الناس ، ويمكنها أن تصنع مناخا ملائما للتنمية ، ولا يخفى في النهاية ما لوسائل الإعلام من مهمات تعليمية و دور في صناعة القرارات .
كما أن الإعلام التنموي تجاوز الأساليب التقليدية المتمثلة في نقل المعلومة فقط ، إلى المشاركة الفعالة في كافة خطط التنمية ، وتتبع سيرها من مختلف الأنشطة والأشكال الإعلامية .
كما يظهر دور الإعلام التنموي بجلاء أثناء تعرض الواقع إلى أزمات وحالات طوارئ مفاجئة ، من خلال إعتماد الإعلام على إستفزاز الواقع اليومي و خلق جو من الألفة و التفاعل مع الضحايا والمتضررين.
ويساهم الإعلام التنموي كذلك في تلقين الناس المهارات والأساليب اللازمة التي تقتضيها عملية التحديث والتطور ، لا سيما الجرأة و إنتقاد المسؤولين وعدم الخوف منهم .
كما يشارك الإعلام التنموي في تنمية المجتمع مباشرة من خلال شتى الأنشطة و الإسهامات ، كمحو الأمية الهجائية ، وتنظيم الدورات التكوينية ، والتثقيف النسائي ، والتربية ، وغير ذلك .
وفيما يتعلق بتوظيف وسائل الإعلام في التنمية المحلية ينبغي أن ترتبط تلك الوسائل بالبيئة المحلية وثقافة المنطقة ، أي التنسيق الشمولي مع مختلف المؤسسات ، سواء أكانت رسمية أو مدنية و أن يكون المشرفون على تلك الوسائل الإعلامية في الغالب الأعم من أبناء المنطقة ، الذين يستوعبون مشاكل الناس و حاجياتهم .
بناءا على ما سبق ذكره ، و إرتباطا بواقعنا المحلي ، يجب أن نركز على أهم النقاط الأساسية التي تدفعنا للنهوض أكثر بإعلامنا التنموي في تحقيق التنمية المستدامة التي نصبو إليها في مغربنا الحبيب ومن أهمها :
أولا : التنمية هي مسؤولية الجميع ، سلطات و مواطنين ، مؤسسات الدولة و مؤسسات المجتمع المدني ، لذلك ينبغي تغيير تلك النظرة التقليدية التي كانت تربط كل شيء بالدولة .
ثانيا : آن الأوان لتجاوز مرحلة الإعلام التنميطي الوصفي ، المبني على المعارضة من أجل المعارضة ، كما كان سائدا في الماضي، إذ ظل الإعلام مرهونا بما هو سياسي و أدييولوجي وحزبي ، متأثرا به ، و الأن أصبح الإعلام هو الذي يؤثر فيما هو سياسي ، فهو ليس السلطة الرابعة كما كان سائدا في الأدبيات التقليدية ، و إنما السلطة الأولى ، كما سلف الذكر في مقدمتي .
ثالثا: الإنتقال من مرحلة الدعاية والتعبئة والخطابات الأديولوجية ، إلى مرحلة الإنتاجية ، من خلال جمعيات المجتمع المدني التنموي ، و يؤدي الإعلام دورا محوريا في هذه التنمية ، بإعتباره ليس محفزا فحسب ، وإنما محفز وموجه و طرف أساس في صناعة هذه التنمية .
هكذا ينبغي أن تشكل هذه العناصر الثلاثة موجهات أساسية لإعلامنا التنموي المحلي ، حتى ينخرط في تطوير واقعنا المتردي ، ويسهم بقسط وافر في التنمية المحلية ، التي نسعى حثيثا إلى تحقيقها في كل مكونات المجتمع و أطيافه .
كما يجب وضع توجيهات أساسية للكفاءات الإعلامية اليومية ، سواء في الفضاءات العامة ، كالشوارع و الملاعب و المقاهي ، أم في المؤسسات الرسمية ، أم في جمعيات المجتمع المدني ، أم في غيرها من المؤسسات العمومية و الخصوصية ، أم عبر وسائل الإعلام الورقية و الرقمية والنزول إلى الواقع وتوعية العامة .
و المقصود بهذه التوجيهات هو خلق الشعور والإكتواء بهموم الناس ، قبل الكتابة عنها ، إذ لا يقتصر الإعلام على وصف تلك الهموم فحسب ، و إنما يبحث في أسبابها و عواملها الخفية ، و أن لا يكون مجرد وسيلة ، ليواسي الناس ويرثي حالهم ، بل ليكون طرفا مهما في حل مشاكلهم ، و الإجابة عن أسئلتهم الإشكالية و المستغلقة ، ففي الغرب على سبيل المثال :
توجد مكاتب و مؤسسات تتخصص في هذا المجال ، و تقدم لها الميزانيات الهائلة للبحث في مشاكل الناس ومعالجتها، وتقديم التوعية الكافية حول كيفية تجنبها ، أو كيفية التعامل معها .
ومن أهم الأهداف التي يجب أن يسعى لها الإعلام التنموي في تحقيق تنمية مستدامة حقة و جادة ولا يجب أن يغفل عنها لأنها هي مستقبل الشعوب وهي الإعلام التربوي ، حيث يعد الإعلام المدرسي و التربوي مكونا رئيسيا في الإعلام التنموي ، وهو لا يعني فقط المجلات الورقية والحائطية التي تصدرها المؤسسة التعليمية ، ولا المواقع الرقمية الخاصة بالأطفال ، ولا الرسائل الإخبارية الموجهة إلى الأمهات و الأباء ، و إنما هو أكبر من ذلك كله ، إنها التوعية المتدرجة للطفل بقيمة الإعلام في حياته ، فالوعي هو أساس التربية ، أما المعارف والمعلومات فيلطقتها الطفل ويستوعبها بالتكرار والحفظ ، اما الخبرات و إستخدام الأدوات فيكتسبها بالممارسة و التمرن ، ويساهم الإعلام ( إلى جانب المعلم ، البيت ، المحيط … ) ، بقسط وافر في زرع ذلك الوعي و تشكيله .
على هذا الأساس يتحتم على المدرسة أن تؤذي دورا رياديا في توعية الطفل بقيمة الإعلام ، ليس نظريا فحسب ، و إنما ميدانيا كذلك، عبر إشراكه في مختلف الممارسات الإعلامية ، عن طريق تنظيم ورشات إعلامية ، تتضمن مجلات وجرائد ورقية ورقمية ، مسرحيات ، إذاعة الطفل ، رسم كاريكاتوري ، معرض الصور الفوتوغرافية ، إعلاميات ، ونحو ذلك .
ولا يجب أن ننسى كذلك دور الإعلام التنموي لتحقيق التنمية المستدامة في مجتمعنا ، وذلك من خلال ركيزة أساسية وهي رقمنة الإعلام و يقصد بهذه الرقمنة تأهيل الأشكال الإعلامية المحلية لتواكب التحولات الجديدة ، التي أحدثتها الثورة الرقمية في وسائل نقل المعلومة والتواصل والإعلان وتبادل الخبرات و الإنفتاح على التجارب الوطنية و الدولية، ويتوجب على مختلف المؤسسات العمومية و الخصوصية، من مصالح الدولة ، و مكونات المجتمع المدني ، و مؤسسات التعليم، وأبناك ، وشركات ….. أن تخوض هذه التجربة ، التي أصبحت من مستلزمات المرحلة الراهنة ، لا سيما و أن ذلك أصبح لايتطلب إمكانيات مادية هائلة ، إذ أنه يمكن أن تكتفي في البداية بتجربة المدونات و المنتديات المجانية ، فتعرف بمكونات المجتمع المحلي، على مختلف المستويات .
لا سيما أن حضور واقعنا المحلي على صعيد الشبكة العنكبوتية يظل محتشما وخجولا، ولا يمثل بتاتا القيمة البشرية والعمرانية والمؤسساتية و الثقافية للمنطقة ، التي يقطنها عشرات آلالأف من الناس، وتتضمن مختلف المؤسسات الحكومية و التعليمية و الجمعوية والبنكية و الدينية و الرياضية و الخدماتية، وغير ذلك، و مقبلة على تحديات هائلة ، ولا تملك إلا بضعة مواقع إلكترونية هزيلة معدودة عل أصابع اليد الواحدة !
لذلك يجب التركيز على المكون الرقمي في تنمية الواقع ، حيث أصبح أمرا لازما ينبغي للجميع سلطة ومنتخبين و مجتمعا مدنيا مواطنين ، التفكير فيه بجدية و إستراتيجية وبعد نظر ، لأن الإنترنيت أصبح الوسيلة الأهم للتواصل السريع والبليغ ، خصوصا و أنه إكتسح أغلب البيوت ، فأصبح في متناول المرأة والطفل و المثقف ….. والجميع .
ولا يتحقق هذا الدعم إلا بواسطة تظافر جهود مختلف المكونات التي يتشكل منها واقعنا المحلي ، كمساهمة الجماعات الحضرية و القروية ، وذلك عندما تتحقق لها الموارد المادية الكافية ، أو أنها توجه بعض الموارد المخصصة للمجتمع المدني في هذا المضمار، وتفرض على المستفدين منها رقمنة أنشطتهم و إسهاماتهم، إذ ينبغي لكل جهة تتلقى الدعم أن تفتح واجهة إلكترونية خاصة بها، وتخدم من خلالها الواقع المحلي .
وأيضا لا ننسى مساهمة المؤسسات البنكية و الوكالات الخدماتية ، إذ تساهم هذه الجهات في تمويل وسائل الإعلام المحلية ، وتقديم يد العون إلى الصحافيين و الإعلاميين ، في شكل تعويضات مادية مقابل خدمات الإشهار والدعاية مثلا .
و أخيرا وليس آخرا مساهمة السادة المحسنين إذ يلاحظ أن هذه الفئة غالبا ما تساهم فيما هو ديني محض فحسب ، فقد آن الأوان لتغيير هذه العقلية ، وتوزيع مساعداتهم المادية بشكل شمولي ، يشمل كل ما هو ثقافي و إجتماعي و إعلامي، فالمجتمع لا يصلح فقط بالخطب والوعظ ، و إنما بالخدمات التي يقدمها المجتمع المدني عامة كذلك، كالتوعية، التعليم، الحملات البيئية والصحية، وغير ذلك.


الكاتب : صفاء أحمد آغا

  

بتاريخ : 12/02/2024