شامبانيا سعودية .. ولقاء عابر مع محمد بن عبد الوهاب !

 

في الجولة الأخيرة لوداع الرياض، وثقت الخطوات ما بين المركز المالي الملك عبد الله والقرية الأم، الدرعية التي أنجبت الأسرة الحاكمة. هنا العش، تقرأ في إحدى لوحات الإشهار الكبرى، لنبدأ الهوية الثقافية. هوية من طين، يشبه طين الأسوار في تارودانت أو في تافيلالت، بلون أقل حمرة من طيننا. كان السائق شديد السمرة، لا يرطن بالعربية مما يدل على أنه ليس وافدا على الحجاز، وكان يسأل ونحن نتقدم باتجاه الدرعية، عن »البيوت القديمة«، ومضيفا أن وفدا (كااااع) يود زيارتها ليرى السعودية القديمة أو تحديدا الرياض العتيقة. يدله مخاطبه فنتقدم. تراءى لي سور طيني يبدو أنه حديث العهد بالترميم، بلونه الحليب الشكولاطة. وبمثلثات تزيينية غير بعيدة عما ألفته العين المغربية ما بين المشغولات الأندلسية القديمة وتراتيل الصحراء الترابية. هنا مدينة عربيَّة في الإقليم التاريخي بجنوبي هضبة نجد، التابعة إدارياً إلى الرياض، وهي عاصمة المحافظة الأولى في المملكة، السائق يقول إن المسافة عن الرياض حوالي 20 كلم.
على الأبواب، بعض من لوحات تدل على التاريخ، وغير بعيد عن واد حنيفة، تذكرت أبو حنيفة النعمان، ونطقت اسمه عاليا. السائق لا يولي اهتماما بالموضوع، لكن في حفل البارحة أي الخميس، كانت الدرعية حاضرة بقوة كخلفية لأحداث السعودية، هي حاضنة الذاكرة والسرد التاريخي، وسأعرف من بعد أن تأسيسها يعود إلى منتصف القرن الخامس، على ضفاف وادي حنيفة عام 1446م، إليها جاء مانع المريدي جد الأسرة الحاكمة، واضعًا اللبنة الأولى لتأسيس الدولة، لتصبح هذه المدينة نقطة عبور مهمة لقوافل الحج والتجارة، ومركزا مهمًا للاستقرار.. تم نقطة الارتكاز في السردية الجديدة للدولة.
وهنا في الدرعية ستولد السعودية الأولى : تحت اسم إمارة الدرعية الأولى عندما قام أميرها الخامس عشر محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتأسيس الدولة السعودية الأولى.. هي الآن ومن النظرة الأولى عاصمة السياحة السعودية الأولى ..
عند الوصول وجدنا أنهم وضعوا حواجز، على أبوابها، ويردون كل السيارات على أعقابها. إلا سيارتان اثنتان فقط نجحتا في الدخول الشيء الذي شجع السائق على المحاولة من جديد: قال إن الوفد ضيف على المنتدى الإعلامي في »الآرينا«، أي المنطقة المشهورة باحتضان الأنشطة الكبرى للدولة. طلب الحارس بلباسه الكاكي، القريب من لباس القوات المساعدة المغربية مع تشديد في اللون، وبشعار مذهب الأطراف، الحصول على تصريحات ، لكن إلحاح السائق أقنعه بأن يفتح »للوفد للدخول، تبع السائق السيارتين اللتين كانتا أمامنا، سريان ببطء، كنا نتبع ونتأمل، أو على الأقل كنت أتأمل البنايات وجمال التنسيق بين مكوناتها. والسائق خلف السيارتين الماضيتين. منازل على شكل فيلات، وطرق مزينة بالأزهار والجسور الصغيرة المبنية من الخشب، والألياف، صعدت السيارتان الأماميتين طريقا بمنحى مرتفع قليلا، وفجأة وجدنا أنفسنا أمام بوابة خشبية كبيرة تفتح بشكل أوتوماتيكي، وشيء ما حرك أحسست أن المكان غير عمومي، أبديت ملاحظتي، ولكن السائق كان قد تجاوز البوابة، وجدنا شخصين بدا لي أنهما عاملان في البيت، وبلهجة ونظرة متميزتين سألانا عما نفعله هنا؟ قال السائق نحن سياح والجواب، كان بنبرة لا علاقة لها بعمال منازل عاديين، وجواب جاف بأن المكان خاص وهو قصر لصاحبه ! لست أدري ما الذي دفع السائق لكي يسأل: ومن يكون؟ فما كان من الآخر إلا أن رد عليه بجواب جاف، بأنه ليس له أن يسأل !
كانت نساء من بعيد بلباس المنزل، وأطفال يلعبون، يبدو أنهم اعتادوا على حرية أكبر في المكان، مكان فسيح شاسع ، صار علينا لزاما أن نغادره قبل أن يحصل ما لا يمكن تمنيه، لعل القميص الذي كان يرتديه السائق بما كتب عليه دل على أننا من أهل المنتدى وأنا حاضرون ضمن ثلاثة قرون من ذكرى تأسيس المملكة.
ألححت على السائق بالرجوع القهقرى لنخرج، وصلت سيارة من الخلف، السائق ارتبك قليلا، أسعفته بالقول: “تقدم قليلا حتى تمر السيارة خلفك !” كذلك كان، رجع إلى الوراء، ثم خرجنا ..قطعنا بعض أمتار.. وضحكنا معا، بعد أن أفلتنا من صدفة ملغمة !
زرنا الحدائق في الجوار، ثم المنتجع، واضح أن يوم العطلة أخرج الناس من بيوتها، أغلب زوار المنتجع من الأجانب.. اليوم يوم صيفي.. فبراير هنا هو ماي عندنا …

عش الهوية الطيني :…

كان واضحا أن ترميم المدينة العش، «مهيع« الهوية كما يقال في لغة الفقه، هو قرار بأن تحصل على موقع جديد في ضواحي الرياض الجديدة. منتجع مترامي الأطراف ، والعمل على قدم وساق. غادرنا المكان وتقدمنا نحو الخروج. وجدنا بوابة المنتجع قي الطرف الآخر من الطريق الذي قطعناه، سمح الحارسان بدخولي، بالرغم من إجبارية الحصول على تذاكر لذلك. وجدت الأجانب كثرا، والآسيويين العاملين و اهل الشام الزوار أيضا، قطعة فريدة من فضاء سياحي يقل نظيره ولكن : المال والفكرة يصنعان قطعة نعيم وسط جو الرياض الصعب. في بوابة أخرى طلبوا منا التذاكر، ولما سألنا عن الباب، دلونا على فجوة غير بعيدة عن الباب، بها “كودبار”، عليك أن تمسح وتسجل تذكرتك وتدخل !لا شيء أقل ولا أكثر، بطبيعة الحال، هذا المكان الطبيعي الخلاب( ذكرى إنشاء المدرسة !) ذكرني مجددا أنني مقطوع عن العالم. فلأنه ليس لي ربط ، لا يمكنني أن أحجز تذكرتي إلكترونيا، ولا يمكنني الدخول ولا أن أتمتع بخرير مياه في الداخل وبعض أشجار تهب نسائمها عليلة على رجل غريب !
في أعلى نقطة بالمكان، طريقان هادئان، واحد يقود إلى حي الطريف، وهو أحد المواقع الخمسة المدرجة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، يحتوي حي الطريف على قصر سلوى، الذي كانت تدار منه شؤون حكم الدولة السعودية الأولى، ويقصده طلاب العلم، وسفراء المناطق المجاورة..
والأخرى إلى حي البجيري، على الجهة الشرقية من وادي حنيفة، ويضم جامع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومدرسته التي كان يقصدها طلاب العلم.
السير على هذين الطريقين، يعني إيذانا بالعودة.
كنت أتأمل الصدف التي قادتني إلى أماكن كلها تشعرك بالاغتراب، الإلكترونيك، الهاتف النقال، اللهجة المستلَّة من عربية مخضرمة، المسافة.. والوحدة المغربية العالية في ركاب منتدى ضم الآلاف من البشر!
كانت الساعة تشير إلى اقتراب منتصف النهار، واليوم يوم جمعة. سألت السائق عن مسجد قريب، وجاء جوابه سريعا، كمن هيأ نفسه لذلك: “يوجد واحد قريب من هنا”.
كانت الأمور مرتبة في الغيب أن يكون المسجد باسم الرجل الذي قضيت الأيام السابقة أسأل عن مكانه من الإعراب في السعودية الجديدة بعد أن كان مرتبطا بها ارتباط اللون بالبشرة: محمد بن عبد الوهاب.
في خطبة الجمعة، سمعت اسمه لأول مرة طيلة خمسة أيام . لم أسمع اسمه الذي كان دوما لصيقا بأسماء ملوك البلاد، لا في التلفزيون وفي جلسات المنتدى ولا في الأحاديث العامة !
في خطبة الجمعة في مسجد باسمه، تحدث الخطيب عن التأسيس، وعن نعمة الاستقرار التي يجب أن يحمد السعوديون الله عليها، وهم يرون الناس في الدول القريبة يحلمون بالعودة إلى بيوتهم آمنين. وفي المسجد سمعت اسمه أول مرة، وفيها. يذكر الخطيب بأن »الإمام رفع الدعاء إلى الأمير محمد بن سعود بأن يكون أميرا للمسلمين وأن يكون أبناؤه أيضا أمراء للمسلمين« . فقرة في خطبة، كانت كافية لكي تضع التوجه الجديد والرسالة التي تريدها الدولة بفصل اسمها عن اسم المنظر الأشهر للوهابية في العالم !

سر السائق عمران

تعددت في ما يبدو علاقتنا بعد الصلاة، أنا والسائق . بدون الحديث عن الجمعة، يحدوني فضول تجسسي لأعرف رأيه، لم يزد عن ترديد ملاحظتي بأنه كان إماما للدولة. أعاد على مسامعي سيرة الدرعية، »عاصمة الدولة الحاكمة«. وقتها كشف لي السر الجميل:وقتها ربما عن له بأن يفصل المقال في ما بينه وبين السعودية من مقال. فأخبرني قائلا: »أنا لست سعوديا..«، كدت أجازف بالقول: “هل أنت بنغالي أو يماني”. لكنه سارع إلى القول:» “أنا نيجيري مستقر هنا في السعودية«”.
دهشت، لا بسبب اندماجه أو عدمه بل اندهشت لأن عربيته بلهجتها السعودية سليمة للغاية ولم أجد معه أدنى تعب أو مشكلة !
أعدت عليه ملاحظتي، فقال إن والده جاء إلى السعودية وأستقر بها، وأنه ولد بها وترعرع وأن دراسته أيضا كانت بمؤسساتها.
وتحدث بدون أن أسأله” أحلم أن أزور ذات يوم نيجيريا للقاء العائلة،الفرصة الوحيدة هي عندما يأتون إلى العمرة أوالحج«”.
قلت له: “أنت إذن من شمال البلاد؟”
قال: “نعم، من المنطقة الفقيرة، أما الجنوب فهو منطقة المسيحيين”، قال لي: “إذا زرت نيجيريا فاذهب إلى الفنادق الآمنة والمناطق السياحية، ولا تجازف بالخروج” وضحك كما لو كان يقوم في بلاده!
تحدثنا عن المغرب ونيجيريا وعن أنبوب الغاز طبعا، عن علاقة المغاربة بالنيجيريين. هو أيضا قال “أحب المغاربة ، شعب طيب وودود، »كان لي صديق مغربي درسنا سويا ، اسمه ياسين ، حاصل على شهادة جيدة ، درس في الخارج ثم عاد إلى السعودية “.
طلبت منه التوجه إلى محلات العود أو المسك، للوفاء بالتزام، رد علي أنه يوم الجمعة والناس لا يفتحون محلاتهم قبل الغروب، وأن الوقت الآن غير مناسب !
كان علي بدوري أن أستعد للعودة إلى الفندق ثم ترتيب أمتعتي للمغادرة. ودعته وداع صديق قديم…

الغذاء الأخير،
بشمبانيا سعودية !!

الغذاء الأخير، كان في تمام الواحدة، والنصف، بتوقيت الرياض، ولأول مرة في المطعم سأجد أن من حق الزبون يومها أن يأخذ عصائر عنب أو ابنانا********* ومن المقترحات أيضا شمبانيا سعودية !
هو اللون نفسه !
هي الرغوة الخفيفة نفسها..
والمذاق …….. الحلال نفسه !
كنت أجمع حقيبتي وأفكر في ما أرسله إلى الجريدة ، الطريقة القديمة التي تعود إلى القرن الماضي: كتابه بالقلم الجاف على الورق، تصوير بالهاتف النقال، إرسال بالواتساب … إلخ إلخ.
كتبت وأرسلت .. وجمعت حقائبي. انتبهت أن المنتدى انتهى وأنا لم أحصل على … البادج!
وأن الجمع والمنتدى والحضور انتهوا وأنني لم التق بمن كان أو كانت مكلفة بالوفد – الشخص. المغربي الوحيد الذي جاء. وأن التكنولوجيا الرقمية لم تحول الوثائق والأوراق والملفات إلى أشياء لا مادية بل الإنسان نفسه تحول إلى فكرة افتراضية تتحدث إلى مخاطبه عبر التطبيقات.
لن تنتهي متاعبي هاهنا.
السائق الذي أوصلني إلى المطار، ودعني بكل حب وابتسامات وأريحية.. لكنه تركني في المحطة الخطأ !
كان علي أن استدعى حمال أمتعة، عرفت من بعد أنه بنغالي، شاب دلف معي المطار، وعند البوابة كان لزاما علينا أن نمتثل للوقوف أمام شابة تحمل جوالا بين يديها وخاطبتني أن علي أن أدفع ثمن الخدمات !
قلت نحن ما زلنا أمام الباب،! ولكن كان إجباريا قلت لها أنني لا أحمل معي عملة سعودية ( لا ريال… ولا بارصا يا سيدتي!!).. عرفت من حركة حاجبيها أنها لا تعير للأمر أهمية، قلت لدي دولار فقط لأني سأغادر إلى بلادي الحبيبة.
نفس حركات الحاجبين.. دفع البنغالي ما طلبته: 25 ريالا. وفهمت أن علي أن أعوضه بالدولار.
دخلنا، ثم لم نجد المحطة الخامسة التي توجد في التذكرة!!!
تطوع الحمال البنغالي الطيب لمرافقتي إلى الأوتوبيس ( الباص يقول هو ) ..انتظرنا قليلا. قلت له كم بحركة من يدي اي مقابل ما دفع للخدمات : فقال ما معناه 8 دولارات ، بحثت في المحفظة فما وجدت سوى … 20 دولارا!
اندهش فقلت له:”حلال عليك لوقوفك معي”.
زاد ذلك من همته ولما وقفت الحافلة أنبرى، بشهامة بنغلاديشية لا مثيل لها، يشرح للسائق، الذي تبين أنه من الهند، مشكلتي .. فابتسم السائق وطمأنني، وأنا في حالة قرف وغضب ليلي من درجة منخفضة !
حمدت الله أنني ما اقتنيت عودا للأهل ولا مسكا للجوار، وأني أبقيت بعض الدولارات من الخزينة العائلية العامة!
سأفهم من بعد أن هناك خدمات مسعرة وواجبة…
عند السفر لمن هم في حالة جهل مثلي، ومن ذلك أن مطار الملك خالد بن الوليد ، »يمكن للحمالين مساعدتك في حمل ونقل أمتعتك بمقابل 25 ريال سعودي (شاملاً ضريبة القيمة المضافة) لمدة 40 دقيقة..«.!
ركبت الحافلة. وتوجهنا إلى المحطة الخامسة حيث علي أن أحجز وأدفع المتاع وأنتظر ثلاث ساعات.
تطلب ذلك قرابة عشرين دقيقة. ومن حسن الحظ لم يكن جوالي يشتغل بدون شحن ولا رابط اتصال وإلا كنت سأتصل بالمسؤولين وأتسبب في حادثة ديبلوماسية !
أو من حسن الحظ أن ذلك كان ضرورة نظرا لما سأعرفه في المطار نفسه..!
بعد الحجز، انتظرت قرابة ساعة لأدخل إلى بهو المطار ، اجتزت نقطة الشرطة الأولى، ولم أكن أحمل سوى حقيبة صغيرة للغاية “صاك” ، وفي يدي جواز سفري والتذكرتان، من الرياض إلى جدة ومن جدة إلى الدار البيضاء.
اجتزت نقطة التفتيش الإلكتروني، وكان علي أن أنزع» جاكيتتي»، لكي أضعها في الشبكة المعدة لذلك. ولما اجتزت وكنت ألملم أشيائي انتبهت إلى أن التذكرتين ليستا مع الجواز، قلبت كل جيوبي وكل الحقيبة،لا شيء، رجل الأمن لا يعيرني اهتماما عندما طلبت منه البحث لعلهما فقدتا أثناء التدقيق عبر السكانير المحدد لذلك.
جاءت سيدة أخرى طلبت مني الابتعاد.
اعترف بغير قليل من الارتباك والغضب. دخلت »واللي ليها ليها! ولطالما ينفعنا نحن المغاربة هذا »اللي ليها لينيزم»
قال شاب من العاملين في المطار بأن علي أن أعرف الرحلة ورقمها والبوابة التي أدخل منها لكي اتصل بالعاملين فيها. من حسن الحظ أن شركة السعودية لها طاقمها الخاص، وبل مكانها الخاص في أرضية المطار نفسه ربما.
البوابة 39 A كانت توجد في أقصى المطار. وكان التعب قد بدأ يأخذ مأخذه مني، حاولت السير ببعض السرعة، لكن القلب كاد يخونني وشعرت بالتهاب حاد في الصدر مما اضطرني إلى الجلوس. ثم واصلت السير إلى البوابة ..
انتظرت حتى تقدمت شابة سمراء ، بحجابها الرمادي من الحاجز المخصص للمسافرين، كنت وحدي، رفقة أسرة لبنانية
أو سورية كما عن لي من لهجة الحديث مع طفليها. كانت الشابة لطيفة، طمأنتني بأن الموظفين سيأتون بعد قليل، وأنهم سيجدون لك حالا:»”لا تشيل هم” « قالت وهي تبتسم لعجوز مغربي تائه وسط مطار حديث يلهج بكل اللغات.
انتظرت ثم جاء رجل كهل بلحية سوية، ولباس العاملين: نفس السيناريو . انتظر حتى يأتي موقف الكومبوتير وأحجز لك تذكرة جديدة: أوووووف ..
جاء الأب، قال بأنه سيعطيني تذكرة المطار القادم بجدة وعلي أن اتصل هناك..
المهم أصل جدة واللي ليها ليها من بعد ..
»الليليهالينيزم«، الجميل لم يحصني ولكنه قد قلص من مسافة الشك التي تفصلني عن الدار البيضاء.
لا أذكرشيئا عن الرحلة حقا!! كنت وأنا اركب الطائرة من الرياض ، أوجد شعوريا وعقليا في ..جدة!
كيف سيكون عليه الأمر هناك. ما أن حطت الطائرة حتى خرجت ، لكي أجد أمامي سيدة تحمل رضيعا وتجر حقيبة تبدو ثقيلة، تطوعت كما كان سيفعل أي مغربي آخر مثلي في هاته الحالة وعرضت خدمة نقل الحقيبة إذا ما كانت تسير بنفس اتجاهي نحو مواصلة الرحلات “ترانزيت” أو نحو تسليم البضائع. لا رد، سوى السير خلفي إلى أن وجدنا رجال أمن المطار يدلون الزوار حسب ما يبتغي كل واحد.
طلبت السيدة حقيبتها وتوجت جهة تسليم البضائع في حين دلتني سيدة خدمة إلى الطابق الثاني. كان السلم الإلكتروني أو الكهربائي معطلا وكان علي أن أضع قلبي وأصعد.. ثم أصعد وأقف لأتنفس زفيرا زفيرا..
ثم من جديد عبر السلم المشغل هذه المرة.
كان رجل البوليس يطلب مني التذكرتين، وأنا ألهث وأقول بأنني أضعتها وأن عمال المطار بالرياض حلوا نصف المشكلة.. وقبل أن أتمم رفع الحاجز من أمامي وأشار بيده “إذهب للحصول على »البورضينغ *«”، تذكرة الدخول !
أتقدم ، وقيل لي بأن السيبيرفيزور، المفتش المكلف يوجد في أقصى البهو الواسع. من جديد سير على الأقدام والتهاب وحرائق في الصدر.. ثم عند الشاب الذي نظر إلى جوازي، والى بطاقة السفر الخاصة بالرحلة من الرياض .. إليه. قال :تقولون عنها بييت billet قلت نعم عن الفرنسيس ونقول أيضا التذكرة عند الحاجة!!!
أخذت الحجز وعدت إلى الحاجز.( لا للقرابة اللغوية والنفسية بينهما في عز الحصْلة!!!)
عبرت ، ومشيت وركبت .. وتنفست صعداء… . طويييلا ،
هي أول مرة أشعر فيها بأني كنت أمام بروفة تمثيل الموت: أن تكون وحيدا بدون روابط. وأن تسير وتفكر فقط في رحلة عمرة، وأنه لن يكون هناك سائق ولو بنغالي لكي يتحدث إليك بعد ركوبك الرحلة. ولست تعرف عنوانا.
وأنك كنت في حاجة إلى عمرة لم تحصل عليها.
هنا حاولت أن تحقق سلاما عابرا مع الذات. وعدت بغير قليل من الحكمة …
لقد رأيت قطعة صغيرة من الزمن السعودي الجديد. ولعلي سأحتفظ. بدروس عديدة، حول المهنة وحول ما يجب أن أدبر به ما تبقى لي في الخدمة وفي العمر.
وأن السفر قطعة من الجحيم كما هو في الأثر النبوي
وأنه معرفة قد تكون مُرْة، كما في أثر الشاعر بودلير..
وأنه في التجربة الخاصة فرصة لكي تترك بعضا من مخاوفك بعيدة في البلاد، وتذهب من أجل أخرى جديدة.
ولعلي كنت أتلصص هنا، في محا ولة حداثية على مستوى التطور الرهيب في عالم قادم من المستقبل.
أو لعلي كنت تلصصت أيضا على الجنة في محاولة مني للوصول إلى نبع الروح كما ربَّتها أيادي جداي ووالداي..


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 26/02/2024