«الثقافة الشعبية: من الشفهي إلى التدوين»

يوسف توفيق:مخزون هائل من تراثنا الشعبي تحفظه الجامعات الغربية
مصطفى يعلى: تدوين الحكاية يحنطها في صورة واحدة ثابتة
العالية ماء العينين : «لمردة» و «لغنا» ساهما في بقاء اللغة الحسانية على قيد البقاء

 

 

في مداخلة للكاتب يوسف توفيق، وهو يقارب حضور الحكاية في الثقافة الشعبية المغربية، وخاصة الحكاية الأمازيغية، اعتبر أن قوتنا كمغاربة لا تكمن في مواردنا الطبيعية، بل في هذا التعدد الذي انصهرت مكوناته عبر التاريخ وفي رأسماله الرمزي، ممثلا في تراثه اللامادي.
وعاد صاحب «أكدالوس» خلال ندوة «الثقافة الشعبية من الشفهي إلى التدوين»، خلال فعاليات المهرجان الوطني الأول للحكاية الشعبية بالمحمدية والذي انعقد أيام 23،24،25 فبراير الجاري من طرف الاتحاد المغربي للثقافات المحلية»، وسيرها الشاعر والإعلامي سعيد عاهد، عاد إلى جذور الحكاية الأمازيغية ودور المستشرقين الفرنسيين والألمان في تدوينها والحفاظ عليها أمثال الفرنسي إميل لاووست صاحب «حكايات بربرية من المغرب»، وأوي توير في «حكايات البربر الشعبية» خاصة في الريف، ثم روني باسيه، وهاري شترومر الذي درس الحكاية في الجنوب، وكتب «أنطولوجيا الحكايات الشعبية بتاشلحيت « قبل أن يتجه اهتمام الباحثين المغاربة إلى البحث والتدوين بخصوصها أمثال محمد اليوبي، ومحمد أقضاض، عبد الرحمن بلعياشي، رشيد الحسين…
ولفت توفيق إلى أن مخزونا هائلا من هذا التراث اللامادي المغربي يوجد في جنوب فرنسا وبجامعة ليدن، بسبب جهود المستمزغين الأوربيين الذي درسوا التراث الإنساني غير الغربي بكل لغاته ولهجاته، متوقفا عند بعض خصائص الحكاية بالريف ومنها التركيز على علاقات القرابة بين الأزواج والأبناء وزوجات الأب، وهي العلاقة التي تكاد تنسحب سماتها على مجموع شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط، سمات تمثلت في سيادة الهيمنة الذكورية وتشويه صورة المرأة في الحكاية، ما يقتضي من دارسي الحكاية امتلاك عين ناقدة تجاه هذه الظواهر وتجاه هذه العيوب النسقية التي يجب تجاوزها لبناء المستقبل، مضيفا أنه لفهم طبيعة هذه العلائق والمبنية في جزء كبير منها على العنف، يجب العودة إلى هذه الحكايات وتحليلها بآليات النقد الثقافي حتى يمكننا فهم وتحليل مظاهر التوتر والصدام المجتمعي.
الدكتور مصطفى يعلى، قارب موضوع الندوة انطلاقا من مفهوم القَصص الشعبي، متوقفا عند أهم سماته والمتمثلة في مضامينه الإنسانية التي تصارع فيها الخير والشر، وعنصر الشفاهة الذي مثل لعصور أداة تعبير وتواصل وذاكرة فكر، وما ساهمت به الشفاهية من دور حضاري في حفظ ذاكرة التراث الإنساني، وما شكله الراوي كحاجة استراتيجية ضمن هذا الدور، هذا الراوي الممتلك للغة نوعية وحاسة مسرحية وكفاءة فنية قبل أن تظهر الكتابة والطباعة وتهدد الشفهي بالانقراض ومحدودية التداول..
د. يعلى أثار أيضا إشكال اللغة في ترجمة الحكاية الشعبية، معتبرا أن ترجمة الحكاية نوع من الكتابة التي تحدث نوعا من التغيير في لغة النصوص بسبب اختلاف اللغات والثقافات. كما أن الكتابة تجمد الحكاية في صورة واحدة ثابتة عكس الحكي الشفهي.
ولأن الثقافة المغربية، متعددة الروافد بما يخصبها ويبرز غناها، فقد لفتت د. العالية ماء العينين وهي تعرض لصور الحكاية في الشعر الزجلي المغربي، خاصة في الشعر الحساني «لْغْنا»، إلى أن الشعر الحساني لا يستقيم نظمه إلا بتحقق زواج ثلاثي الأطراف: الشعر، الحكاية، الغناء. فالقصيدة الزجلية الحسانية يطلق عليها اسم «لغنا»، أما الحكاية فهي طريقة إنشاد «لغنا»، حيث لكل شعر مقام موسيقي يقبل الإنشاد في واحد من المقامات الموسيقية ومن يقوم به بإنشاده أي «لْمْغَنّي» عليه أن يكون متمكنا من أوزان الشعر حتى لا تنقص قيمته الأدبية، مقدمة نماذج من الشعر الحساني الذي توسل بالحكاية الشعبية من أجل إيصال خطابه. واعتبرت ماء العينين أن الحكاية الشعبية أو «لْمْردَّة» تلتقي حتما مع الشعر، وكلاهما ساهما في بقاء اللغة الحسانية على قيد البقاء والإبداع.


الكاتب : ح. الفارسي

  

بتاريخ : 28/02/2024