«قناع بلون السماء” لباسم خندقجي .. كتبت خلف قضبان السجون الإسرائيلية ومرشحة لنيل جائزة البوكر

لأول مرة في تاريخ جائزة البوكر العربية ، يتم اختيار كاتب فلسطيني يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي ، للحصول على الجائزة الدولية المرموقة‎ للرواية العربية .
وكان قد حكم على باسم خندقجي (40 عاما) بثلاثة أحكام بالسجن مدى الحياة في عام 2005 بعد إدانته بالمشاركة في التخطيط لتفجير انتحاري في سوق الكرمل في تل أبيب” أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين.
كتب خندقجي – أثناء قضاء عقوبته في السجون الإسرائيلية – ستة كتب: أربع روايات ومجموعتين شعريتين.
روايته الأخيرة “قناع بلون السماء” (التي نشرتها دار الآداب للنشر في بيروت) هي واحدة من كتابين فلسطينيين تم ترشيحهما لجائزة هذا العام (الآخر هو رواية “سماء القدس السابعة” لأسامة العيسى).
قام “باسم خندقجي» المولود في نابلس، بنشر ستة كتب على الأقل خلف القضبان بعد تهريب مخطوطاته من السجن.
«قناع بلون السماء” يحكي قصة عالم آثار فلسطيني شاب يدعى نور (المرادف العربي للضوء) من مخيم للاجئين في رام الله يجد بطاقة هوية إسرائيلية لرجل يدعى أور (المرادف العبري للضوء) ويقرر أن يتظاهر بأنه أور لينضم الى بعثة علم الآثار في مستوطنة إسرائيل في الضفة الغربية، ويبدأ منها رحلة الى إسرائيل لم يكن بإمكانه القيام بها كفلسطيني. وليلتقي هناك بالفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل لأول مرة في حياته. ويدخل متاهة الصراع مع هويته هو ذاته.
ولد “خندقجي» في نابلس عام 1983 في ما وصف بأنه أسرة فلسطينية “نموذجية وعاطفية”. كان‏ عمه عضوا نشطا في الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري. وقد أسس “خندقجي» الشاب أول صحيفة مدرسية في مدرسته الثانوية، ثم التحق لاحقاً بجامعة النجاح الوطنية في المدينة، حيث درس الإعلام والصحافة. وقيل إنه كان ناشطاً سياسيا واجتماعيا ويشارك في المنظمات الخيرية فضلا عن مساهمته- مع مجموعة من أصدقائه الأوروبيين – في تشكيل مجموعة حماية دولية للفلسطينيين.
ويروى أنه تأثر بشدة بمقتل المراهقة الفلسطينية “إيمان الهمص» على يد الجنود الإسرائيليين في عام 2004 ‏ في حادث وقع في قطاع غزة، واعترفت به محكمة إسرائيلية في ذلك الحين واصفة إياه بانتهاك صريح للقانون الدولي. ضاعت “الهمص» (البالغة من العمر 14 عاما) أثناء توجهها إلى المدرسة وأطلق الجنود النار عليها عدة مرات في نقطة للجيش أثناء فرارها منه.
وفي نونبر من عام 2004 فجر فلسطيني يبلغ من العمر ستة عشر عاما نفسه في سوق الكرمل فى وسط تل أبيب. وألقي القبض على “خندقجي» في اليوم التالي واتهم بالمشاركة في التخطيط للتفجير ومساعدة المفجّر. ثم أدين في العام التالي. وظل في السجن منذ ذلك الحين. حصل “خندقجي» على شهادة في العلوم السياسية من جامعة القدس أثناء وجوده خلف القضبان، وتخصص في الدراسات الإسرائيلية.
وأوضح “يوسف خندقجي» ( شقيق باسم) في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية أنه يتسلم المخطوطات المهربة من شقيقه ويقوم بتدقيقها قبل نشرها.
عندما أتلقى مخطوطة باسم أراها كرضيع قادم الى هذا العالم بعد آلام الولادة. وغالبا ما أقضي أياما عديدة أتأمل بإعجاب ودهشة هذه الأوراق المهربة إلى خارج السجن عبر عملية متقنة”.
وعندما سُئل عن طقوس كتابة أخيه، قال يوسف خندقجي: إنه لا يوجد شيء آخر غير الكتابة من الساعة 5 إلى 7 صباحا: “هذا ما أخبرني به باسم في إحدى الزيارات الشهرية، والتي استمرت 45 دقيقة فقط”. وتابع: «يكتب باسم عادة حوالي الصفحتين تقريبا. وغالبا ما تتعرض أوراقه للمصادرة من قبل الحارس والإتلاف “. وأضاف شقيقه أن ظروف الكتابة لدى أخيه تختلف عن ظروف أي روائي آخر، بسبب كثرة نقله من سجن إلى آخر، وفقدان ‏ بعض المعلومات بحكم إتلاف حارس سجن لها بمجرد العثور عليها.

معرفة “مذهلة”

نشر أول كتاب لـ «خندقجي» (وهو عبارة عن مجموعة شعرية بعنوان «طقوس المرة الأولى») في عام 2010 وقال محامي خندقجي (حسن عبادي) لوكالة الأناضول إنه عندما أخبر موكله أن العديد من الطلاب من جامعات شمال إفريقيا والشرق الأوسط يقرأون عمله، فوجئ ولم يكن يتخيل – على ما يبدو – مدى شعبية كتاباته.
وقالت عائلة الكاتب في دجنبر الماضي إنهم لا يعرفون ما إذا كان على علم بترشيحه للجائزة الدولية للرواية العربية، إذ لم يتمكنوا من الاتصال به في الأشهر الأخيرة، فيما أشارت الصحفية اللبنانية “لانا مدور” – وهي تناقش الكتاب على حسابها على إنستغرام – إلى أن وصف خندقجي المفصل للمواقع الأثرية التي لم يزرها قط ومعرفته بالتاريخ المسيحي هو: “مدهش” بكل بساطة».
وقد قدمت العديد من المراجعات على موقعgoodreads ‏ تقييمات صريحة للرواية. وفي حين أثنى كثيرون على الكاتب لمثابرته في نشر عمله على الرغم من التحديات الجسام التي واجهها، انتقد آخرون افتقار ما كتب إلى الحبكة والاتساق داخل السرد. ويتكهن البعض بأن احتمال فوز الكتاب بالجائزة قد يعود إلى عوامل سياسية، والرغبة بإظهار التضامن مع الأحداث المأساوية الحالية في غزة والمجتمع الفلسطيني.
ورأى أحد مراجعيgoodreads» أن “ سرد هذا العمل ضعيف للغاية، ويظهر عيوباً في هيكله في العديد من النقاط. ويبدو كما لو أن الكاتب يتمتع ‏ بأفكار واضحة في ذهنه، لكنه يعاني في نقلها بشكل فعال على الورق”.
أعضاء لجنة تحكيم الجائزة هم نقاد أدبيون وكتاب وأكاديميون من العالم العربي مع اختيار عضو غير عربي دائما للتأكيد على الطبيعة الدولية للجائزة، ومن بين هؤلاء نجد: الكاتب السوري نبيل سليمان ، والأكاديمية الفلسطينية سونيا نمر والأكاديمية التشيكية فرانتيشيك أوندراس .
وبحسب بيان للبروفيسور “ياسر سليمان” (رئيس مجلس أمناء المجموعة): فـ»هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجائزة التي تصل فيها رواية (حرفياً) من وراء جدران سجن إسرائيلي إلى القراء على الجانب الآخر».
من جانب آخر ، قال بيان صادر عن جمعية الأسرى الفلسطينيين نشر في وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا” إن التقارير المتعلقة بترشيح خندقجي للجائزة في وسائل الإعلام الإسرائيلية هي “جزء من الحرب على الرواية الفلسطينية التي سلطت الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي”.
وأضاف البيان أن “إبداع المعتقلين الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية كان هدفا دائما للسلطات، وتضمن ذلك مصادرة أعمالهم، وفرض عقوبات على المعتقلين الذين تركوا أثراً واضحا على الأدب الفلسطيني».
للإشارة سيتم الإعلان عن الفائز في 28 أبريل القادم في حفل يقام عشية معرض أبو ظبي للكتاب.


بتاريخ : 02/03/2024