بالمباشر : «جالوقة» للتكريم !
عزيز بلبودالي
كان اسما كبيرا في مجالات مختلفة ومتنوعة، أبدع فيها كلها بنفس المستوى، وبنفس التوهج والتميز، وهب لها حياته، اشتغل مربيا، لاعبا، مدربا، مكونا، إعلاميا، مسيرا، محللا، كاتبا.
عقود من الزمن، عاشر خلالها أجيالا وأجيالا من اللاعبين والمدربين والمسيرين، ناب عن الجماهير، ناب عن الجميع في رفع رسائل النهوض بالأوضاع، في المطالبة بالإصلاح، رفع حلمنا جميعا حتى رأينا جزءا كبيرا منه وقد بدأ يتحقق، تاركا حلمه وأحلامه هو في دائرة «غير المهم»، بل نسي، وهو منكب على رفع رسائل أحلامنا، أن ينتبه إلى أن في بيته هناك، أحلام أطفاله، متطلباتهم، حاجياتهم، فالأهم كان هو خدمتنا نحن..وطنه.
انكسر عوده اليوم، حولته السنون الطويلة التي قضاها خدوما وخادما لنا نحن الوطن، إلى خيال ظل انكمشت تضاريس بدنه، وعجزت أطرافه عن حمله، وبقي من كل شيء عينان تنظران وتبصران، وعقل يتفحص.
قيمة إنسانية تعيش بيننا، مبدع ومتميز في كل المجالات التي حظيت بوجوده وخدماته، هرم كبير، يداه ظلتا ممدودتان للجميع، كان من المفروض، أن نبادر جميعا للوقوف أمامه ونقول له شكرا جزيلا ، فالقول يقول بأن يكون التكريم حليف المتميزين والمبدعين.
المصيبة أن ثقافة الاعتراف عندنا، أو هي هكذا أصبحت، أضحت مناسبة لالتقاط الصور والمرور في نشرات الأخبار أكثر من أنها حفلات تكريم حقيقي للمكرم. والأخطر، والمصيبة، أن تقام الدنيا ولا تقعد، تبسط الموائد وترفع الفواتير مضخمة بالأرقام تتسلل ل»تريتورات» ولجيوب البعض، في الوقت الذي تلتقط كاميراتهم تذكارا أو «جالوقة» تسلم ليد ترتعش للمحتفى به، لن تؤمن له ولن تضمن له حتى مصروف تاكسي أو عربة مجرورة للعودة إلى بيته.
حكاية مؤلمة وفضيحة بطلها أحد من يزعمون، وهو يقود جمعية «تتصادق وتتريض» مدعيا أنه يدافع عن قدماء اللاعبين والمدربين والمسيرين والحكام. تقول الحكاية، إن رئيس الجمعية وجه دعوة لتكريمه، رفض صاحبنا في البداية تلبيتها، لا لسبب سوى لعجزه عن التنقل، وهو الذي أضحى كرسي متحرك رفيقه في التحرك داخل بيته، ولأن التكريم برمج في حفل يقام في الحي الذي ولد ونشأ فيه، فقد اضطر للموافقة و الحضور. رئيس الجمعية، ولأنه دعا كبار مسؤولي الشأن العام، ودعا كاميرات التلفزة لحضور حفل تكريم مخصص لهذا الاسم الكبير، بادر بإرسال سيارة تنقله من بيته إلى مكان الحفل.
إلى هنا كل شيء يبدو تقريبا عاديا.
ما ليس بعادي، وما يعتبر فضيحة حقيقية، أنه وبعد أن سلم للمحتفى به تذكار عبارة عن «جالوقة» وبعد أن انطفأت الكاميرات، وبعد أن تفرق الجمع وامتطى الحاضرون سياراتهم وتوزعوا على مختلف الجهات، التفت ليجد نفسه وحيدا إلا من كرسيه المتحرك.
حكاية أخرى من حكايات عديدة، يروي صاحبي المهتم بأخبار الفن والفنانين، أن مسرح محمد الخامس بالرباط سيظل شاهدا على الاستهتار بكرامة أناس خدموا الوطن في غياب التغطية الصحية، بدون مال وبدون تقاعد، هرموا وشاخوا، ليتحولوا من مبدعين أدخلوا الفرح والسعادة لقلوبنا، إلى معوزين يحتاجون الدفء ودريهمات تعيلهم وتضمن لهم كسرة خبز. فنان من بين هؤلاء، لبى دعوة منظمي أحد المهرجانات الفنية بالمسرح المذكور، انتقل بكرسيه المتحرك وبجسد يرتجف من ندوب زمن قهره، وأمام أضواء المسرح وكاميرات التلفزيون ونظرات كبار المسؤولين والشخصيات، وبعد أن تناوب الكثيرون من محبي الأضواء على تناول كلمات « جميلة» في حقه، سلم شهادة تقديرية ورقية، تقول له شكرا.
أمسكها والدموع تنفجر من عينيه، ليس فرحا بتكريمه، ولكن لتذكره أنه لا يملك لحظتها دراهم يوفر بها وسيلة نقل تعيده لبيته، وتذكر أنه مطالب في صباح اليوم الموالي باقتناء دواء لا مال له لتوفيره، ولا مال أيضا لأداء ما يتطلبه واجب الكراء وفاتورة الكهرباء والماء.. وزع نظراته على الحضور، وفهم أنه مجرد جزء من ديكور مسرحية تافهة تجارية في المقام الأول، أمسك بشهادة التقدير ولم يتردد في تمزيقها فوق خشبة مسرح شهدت في أيام خلت إبداعاته وتميزه في عالم الفن.
رجاء.. لنحتفي ولنكرم نجومنا وروادنا أحياء، معنويا نعم، ولكن ماديا بالخصوص..فكم من أسمائنا الكبيرة تغلبها عفتها عن مد اليد وطلب العطف..
رجاء.. أوقفوا مهازل حفلات تكريمكم . فالمبدع أكان رياضيا، فنانا، أو متميزا في أي مجال، يستحق منا التقدير الحقيقي الذي يضمن له الكرامة.. لا تجعلوا من نجومنا السابقين، أثاثا تزينوا به ديكوراتكم!
رجاء، لنحافظ على كرامتهم ونخوتهم!
الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 05/10/2017