حسب إفادات بعض أعضاء اللجنة الاستشارية، فإن اختلاف المواقف والآراء التي عبر عنها المجتمع المغربي من خلال المذكرات التي تقدمت بها عشرات الهيئات والجمعيات، خلق نقاشا مهما داخل اللجنة الاستشارية.
وقد شكلت مسألة مرجعية الإصلاح أهم نقطة في هذا النقاش، وهي نفسها النقطة التي كانت موضوع النقاش حتى خارج اللجنة. ومسألة المرجعية كان لها أثر على مناقشة الجوانب الشكلية، أي الصياغة واللغة والمصطلحات.
وكانت أهم الأسئلة التي طرحت ثلاثة:
هل يجب أن تنطلق اللجنة من مقاربة فقهية ثم تترجمها في أحكام تتماشى مع المشاكل المطروحة على الأسرة المغربية؟ أم تنطلق من الواقع المعيش ومن التحولات التي عرفتها الأسرة المغربية والتحولات التي عرفها المجتمع وطنيا ودوليا لتقترح حلولا لاتتنافى لا مع مقاصد الشريعة الاسلامية ولا مع المبادئ الكونية لحقوق الانسان، والتي تبناها المغرب بمقتضى نص الدستور، ومصادقته على كثير من مواثيقها واتفاقياتها؟ وهي المقاربة التي دعا إليها الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية، وفي عدة خطابات أخرى، ومن المقاربة التي كانت تتماشى مع طبيعة اللجنة بحكم تركيبتها المتنوعة جنسا وتخصصا،على عكس اللجان السابقة التي كلفت بوضع أو تعديل قانون الأحوال الشخصية، وأيضا بالنظر إلى مضامين أغلب المذكرات المقدمة أمام اللجنة، والتي طالبت باحترام المرجعية الشرعية وفي نفس الوقت التعاطي الإيجابي مع روح العصر.
ما وزن الواقع والتحولات التي عرفها أمام التراث الفقهي الذي ينهل منه قانون الأحوال الشخصية؟ هذا السؤال طرح كثيرا داخل اللجنة وخارجها، رغم أن اللجنة لم تكن ملزمة بالتقيد بأي اجتهاد سابق.
ولاشك أن الواقع الذي كان يومها تخيم عليه أجواء أحداث 16 ماي2003 بالمغرب كان له ثأتير على اتجاه اللجنة في الأخذ بكثير من الآراء التي تراعي الواقع دون أن تخالف الشرع.
كيف يجب التعامل مع الاقتراحات المقدمة من طرف هيئات وجمعيات المجتمع المدني من خلال مذكراتها، في علاقة هذه الاقتراحات بالأحكام الشرعية التي يتعين مراعاتها في وضع النصوص؟ علما بأن اللجنة انطلقت من قراءة مدونة الأحوال الشخصية فصلا فصلا وإذا حصل الاختلاف حول مقتضى معين يؤجل النظر فيه إلى المرحلة الأخيرة، فوجدت اللجنة نفسها أمام العديد من القضايا الخلافية والمتعلقة خاصة بالولاية، سن الزواج، القوامة، الطاعة، مسؤولية الأسرة، أنواع ومساطر انحلال ميثاق الزوجية، الحضانة وسكن المحضون وغيرها من القضايا، فتقرر أن تصبح هذه القضايا هي منطلق نقاشات اللجنة عوض تركها إلى المرحلة الأخيرة، فبناء على هذه المنهجية يمكن التوافق حول القضايا الخلافية أولا.
لكن هذا الخيار كان يعني وصول اللجنة مبكرا إلى الباب المسدود نظرا لصعوبة التوافق، ونظرا لذلك وضرورة الوصول إلى نتائج، وأمام ضغط الشارع من خلال ما يكتب في الصحف خاصة حول الاختلافات داخل اللجنة، انتقل النقاش إلى مبدأ التوافق نفسه هل هو وسيلة أم غاية في حد ذاته؟ ام هما معا؟ ما هي شروط التوافق وحدوده؟ هل يمكن للتوافق أن يكون على حساب الهدف العام للجنة وهو وضع مشروع مدونة يؤطر استقرار الأسرة ويضمن إنصاف وكرامة المرأة.
هل يمكن اللجوء إلى التصويت داخل اللجنة لحسم الخلافات داخلها في كل نقطة لم يحصل حولها الاتفاق؟
وأمام صعوبة الاتفاق على كثير من المقتضيات، تمت صياغة الفصول المختلف حولها عددا من الصياغات بعدد وجهات النظر حولها داخل اللجنة.
وبتاريخ 20 يناير2003 استقبل رئيس اللجنة السيد ادريس الضحاك من طرف جلالة الملك وقدم له المشروع الأولي للمدونة وطلب مهلة للحسم في القضايا الخلافية داخل اللجنة، وفي 22 يناير أعفي ادريس الضحاك من مهمة رئاسة اللجنة وكلف بها امحمد بوستى.
لكن هذا الإجراء لم يفض إلى حسم الخلافات داخل اللجنة، فتمت صياغة المشروع والإبقاء على نقاط الخلاف العالقة، وتم تقديم ذلك على أساس طلب التحكيم الملكي بخصوص النقاط المختلف حولها. وهو ما تم فعلا إذ قدمت مقتضيات مشروع المدونة بخطاب ملكي أمام البرلمان يوم 10 أكتوبر2003 .
وهي المرة الأولى التي يقدم فيها قانون الأحوال الشخصية أمام البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه.
وقد عرف المشروع مناقشة جديدة أمام البرلمان حيث قدم 162 تعديلا سواء في المقتضيات أو في الصياغة.
وبتاريخ 6 يناير 2003 تم التصويت بالإجماع على مشروع القانون
وبالرغم من كل المجهودات المبذولة خلال هذا المسار من أجل إخراج نص متوافق عليه،يحقق جزءا كبيرا من مطالب المرأة المغربية في تحقيق الكرامة وضمان استقرار الأسرة، رغم كل ذلك فإن جزءا من الحركة النسائية لم يكن راضيا على ما انتهى إليه هذا المسار الذي بدأ بمشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية وانتهى بمدونة جديدة للأسرة.
لكن كثيرا من الفاعلين الجمعويين والسياسيين وبعض الفقه يرون أن المدونة الجديدة شكلت أهم حدث قانوني واجتماعي عرفه المغرب في بداية الألفية الثالثة، فهي تعد ثورة اجتماعية تعكس التطور الحاصل بالمغرب على مستوى الأخذ بمبادئ حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص. إذ جاءت المدونة بكثير من الأحكام والمقتضيات الجديدة وشملت التعديلات الزواج والطلاق والأهلية والنيابة الشرعية وغيرها من المواضيع، ويرى هذا الفقه أن المدونة الجديدة تتميز بعدة خصائص على مستوى الشكل والمضمون، لكن أهم هذه المميزات هي طابعها التضامني والاجتماعي وسعيها نحو المساواة.
لكن مع ذلك يسجل هذا الجانب من الفقه، إدخال بعض صور الطابع المدني في أحكامها عوض استمرار الاحتكام في كل المقتضيات إلى الشريعة، ولاشك أن هذه المواقف مما انتهى إليه إصلاح قانون الأحوال الشخصية أي المقتضيات التي ضمتها مدونة الأسرة، هذه المواقف استمرت منذ ذلك التاريخ وتعززت بعد دستور2011 الذي أكد على حقوق الإنسان وانخراط المغرب في منظومتها، وأن الخيار الديمقراطي لا رجعة فيه مؤكدا في نفس الوقت على أهمية الأسرة في المجتمع المغربي وعلى التزام الدولة بحمايتها.
اختلاف مرجعية الإصلاح داخل اللجنة الاستشارية في المدونة السابقة
الكاتب : النقيب علال البصراوي
بتاريخ : 08/03/2024