رمضان شهر التضامن والتآزر

عبد السلام الموساوي

رمضان، الشهر الفضيل، أحسن الشهور وأفضلها. شهر العودة إلى الله والبحث في دواخل الذات عن مكامن النقص وهي كثيرة .
شهر رمضان، الشهر الفضيل، شهر التضامن والتآزر، شهر التعاطف الوجداني والتلاحم الإنساني، شهر التفكير في الآخر / الفقير، الإحساس بمعاناته وحاجته، شهر التعاطف المادي والدعم الغذائي…
والذين يسخرون من الدعم الغذائي المقدم في هذا الشهر الفضيل للمعوز والمحروم، هم من طينة أولئك الذين لا يحسون أصلا بوجود الآخرين، ومن طينة أولئك الذين يسرقون الخبز من أنامل الصغار ويسعدون بدموع اليتامى وبكاء الأرامل …
إن التضامن في هذا الشهر الفضيل يستمد وجوبه من قيمنا الإسلامية الأصيلة ومن ثقافتنا المغربية العريقة .
العبادة في نهاية المطاف ليست تزاحما فرجويا في ليل التراويح، وهي ليست سجادة جديدة وسبحة جديدة ومصاحف جديدة وجلاليب جديدة نقتنيها مع اقتراب رمضان وننساها العام كله، العبادة هي أن تحسن معاملتي وأحسن معاملتك، في الحي بين الجيران، في المكتب بين زملاء العمل، في الشارع بين الناس، في كل مكان .
لا معنى لما نقوم به من طقوس دينية كثيرة إذا لم تنعكس هذه الطقوس على معيشنا اليومي، وعلى علاقتنا الدائمة بالناس .
رمضان يمنحنا، أو هذا هو المفترض، فرصة الجلوس قليلا مع النفس لمساءلتها عوض الانشغال السهل بمساءلة الآخرين  .
شهر رمضان لمن ينسى أو يتناسى ذلك، فرض من ديننا الإسلامي، الغرض الأول منه الإحساس بالضعيف، لا البقاء جوعى وعطشى اليوم كله قبل التفاخر بالأكل والملابس وصور الذهاب إلى الصلاة .
وشهر رمضان لمن ينسى أو يتناسى ذلك فرضه رب العباد على العباد، كي يحسوا بمن هو أقل منهم، وكي يطبقوا الآية الكريمة عن الذين في أموالهم حق للسائل والمحروم .
وشهر رمضان لمن ينسى أو يتناسى ذلك كان دوما وأبدا لدى المغاربة شهرا مقدسا حد عدم القبول المساس به وبتقاليده وشعائره، وحد جعله لحظة توبة للجميع بمن فيهم العاصي الذي يمضي سنته كلها في التهاون في تطبيق الفرائض والسنن  .
لا مفر من تذكر الفرض الديني في طبيعته الأولى . لا مفر من التخلص من التظاهر المتفاخر بأشياء لا تفاخر فيها وتمس جوهر هذا الفرض المقدس .
لا مفر من تذكر ضعفائنا خصوصا في هاته اللحظة الحرجة بالنسبة لأغلبيتهم .

لا مفر من العودة إلى ذواتنا والانكباب على إصلاحها وانتقاد أنفسنا عوض شغل البال بطوله في انتقاد الآخرين، وفي تتبع عوراتهم وعيوبهم مما يحبل به مجتمعنا المعطوب نفسانيا .
معروف على سكان المغرب حرصهم الكبير على الالتزام الديني، وحرصهم الكبير جدا على أداء وممارسة الشعائر ذات الطبيعة الدينية .
ولقد منح الإسلام أهل المغرب وسيلة لتأكيد هويتهم الثقافية وهي الوسيلة التي تحولت في نهاية المطاف إلى محرك رئيسي للحركة الوطنية .
كان المغرب دائما ذا بنية جماعية متماسكة، وذا توجه مذهبي واحد، وكان أهله وما زالوا متآزرين معتزين بدينهم وهويتهم ووطنهم، لهذا كانوا وسيظلون وطنيين صادقين، أبطالا ساهموا في تحرير البلاد من الاستعمار ويساهمون الآن في البناء والتنمية. ..
هذا هو جوهر التدين المغربي قبل أن يفسده الذين تعرفوا على الدين فقط عبر القنوات المشرقية.
اليوم مظاهر التدين الخارجية والمهيأة للنشر عبر الفيسبوك والانستغرام والتويتر متوفرة بكثرة، بالمقابل الدين / المعاملة الذي يعني للمسلمين كل شيء لم يعد له أثر إلا نادرا ….
حضرت المتاجرة بالدين وغاب الدين، وهذه كارثة حقيقية …
إن الدين المعاملة، وأن إماطة الأذى عن الطريق أمر مستحب في الدين، وأن درء المفسدة – مثلما علمنا فقهاؤنا الحقيقيون وعلماؤنا الفعليون – مسبق على جلب المصلحة، وأنه لا يحق لك – لكي تؤدي طقوس عبادتك – أن تمس إنسانا آخر أو أن تضر به بأي شكل من الأشكال….
الله مصدر للطمأنينة في حالة الخوف، ومصدر القوة في حالات الضعف…
لكن الله لا يأمر عباده بأن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، لقد وهبهم كل ظروف التيسير في عبادته؛ أجاز لهم إفطار رمضان، وأجاز لهم تقصير الصلاة، وفرض الحج على من استطاع إليه سبيلا …في طقوس عبادته التي هي واجبات غير قابلة للإسقاط بكون الله رحيما، فكيف لا يكون أكثر رحمة لمن يطرقون أبوابه طلبا لرحمته .
اليوم حاجتنا للإنصات لفقهاء ديننا من بني وطننا، أي المتشبعين بإسلامنا المغربي الوسطي المعتدل الخالي من مظاهر الغلو والتطرف، السليم النية، الصافي التوجه للخالق عز وجل، هي حاجة ماسة لأننا أمضينا ردحا من الزمن استكان فيه بعضنا للأجنبي وأسلمه قياده .
فقدنا أو كدنا نفقد المرتكزات التي أسست علاقة المغربي بدينه وأتانا خوارج كثر بدين لا علاقة لنا به فرضوه علينا قسرا بديلا للإسلام الذي جبلنا عليه .
هؤلاء المغالون يتلقون اليوم الدروس تلو الدروس من المغرب والمغاربة أننا نعرف علاقتنا بخالقنا مباشرة دونما وسيط، وأننا نعرف مصالحنا الدنيوية ونسيرها أفضل من المتطرفين، ووفق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين : أنتم أعرف بشؤون دنياكم .
علينا أن نستعيد ثقتنا بعلمائنا وفقهائنا وأن نفهم أخيرا أن كثيرا مما حرك في السابق « فقهاء « الحركات والجماعات إياها لم يكن من الدين في شيء بل كان السياسة كلها … فقط لا غير .

الكاتب : عبد السلام الموساوي - بتاريخ : 12/03/2024