معالم تاريخية تعيش “أرذل العمر” 2 : مآثر «الجديدة» تحتضر بسبب إهمال بعضه ظاهر والآخر «مستتر» 1

في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…

اختارت جريدة الاتحاد الاشتراكي، إعادة فتح ملف الإهمال الذي تعرفه العديد من الآثار التاريخية بمنطقة دكالة، في ظل غياب شبه تام للمسؤولين المفروض فيهم الاهتمام بآثار تم تصنيفها تراثا عالميا، وأخرى لا تنتظر سوى التفاتة بسيطة تقودها حتما إلى التصنيف العالمي، لكون دكالة تتوفر على العديد من المآثر التاريخية التي تعتبر من بين الأهم على الصعيد الوطني، كالحي البرتغالي بالجديدة، وأزمور، قصبة بولعوان، مدينة المجاهدين، عين الفطر أو تيط الغربية، ومغارات الخنزيرة، التي تعد من بين أهم وأبرز المآثر التي تزخر بها هذه المنطقة، التي تضم اليوم كلا من عمالتي، الجديدة وسيدي بنور، إلا أنها تعرف وضعية مزرية جراء الإهمال “المقصود” من طرف الجهات المفروض فيها الصيانة والإصلاح، مما أدى إلى تعرض بعضها للتلاشي والاندثار، فيما لا يزال البعض الآخر صامدا في وجه التعرية البشرية والطبيعية.
يتذرع عدد من المسؤولين من مختلف الرتب والمسؤوليات بغياب الإمكانيات المادية، للقيام بالواجب، فوزارات الثقافة والسياحة والداخلية، جميعها تشكو ضيق ذات اليد، وغياب الموارد المالية والبشرية، للقيام بعمليات الترميم والإصلاح، فيما الجماعات الترابية لا تخصص أي مبلغ مالي للصيانة، رغم أن بعضا منها، هو من تقدم بتصنيف هذه المآثر التاريخية. وبالتالي تشكو أغلب المواقع الأثرية والسياحية بمنطقة دكالة من إهمال وإقصاء وتهميش صارخ يشكل القاسم المشترك بينها.
يؤكد أبو القاسم الشبري، المختص في التراث والباحث التاريخي، بشكل مستمر وفي كافة تدخلاته إن على المستوى المحلي أو المركزي، أن تراث دكالة غني ومتنوع ومواكب لكل مراحل تاريخ المغرب من عهود ما قبل التاريخ إلى اليوم. فالمواقع الأثرية والمآثر التاريخية، عديدة ومتنوعة، وتتوزع بين مدن، ورباطات، وقلاع، وحصون، وأبراج، وزوايا، ومساجد، ومغارات، وكلها تشمل المدينة كما القرية، وهذا الغنى والتنوع لم تواكبه بما يلزم من عناية، الدراسات والأبحاث، إذ يسجل أن هناك شحا في الدراسات والتوثيق كلما كان الأمر يتعلق بدراسة تراث دكالة، ولا تتوفر أية مدينة بالإقليم على متحف ولا على خزانة متخصصة تعنى بتاريخ وتراث وأعلام المنطقة.
لقد عمل الاستعمار الفرنسي على تصنيف غالبية المباني التاريخية والمواقع ضمن التراث الوطني بنصوص قانونية. كما عرفت فترة الحماية بعض الحفريات الأثرية وأوراش ترميم المباني التاريخية وكما هائلا من الدراسات، لكن في مغرب الاستقلال تجمدت تلك الحركية بشكل أقرب إلى الشلل. ويؤكد أبو القاسم الشبري، في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي»، أن حالة التراث المغربي بدكالة اليوم، ليست بمعزل عن القاعدة الوطنية فيما يتهدد التراث من نسيان وإهمال وغياب كلي لأية استراتيجية لكل الأجهزة المعنية الحكومية والمنتخبة، لأن كل مشاريع الترميم التي عرفها الحي البرتغالي من 1994 إلى حدود أشغال 2008 – تاريخ آخر ترميم – أنجزت بدون استراتيجية، وإذا كانت قد أعطت نتائج حسنة تقنيا، فإنها لم تنعكس على إشعاع القلعة البرتغالية وعلى حياة ساكنتها، اللهم حدوث تغيير طفيف في الوضعية العقارية الذي انعكس إيجابا على بعض العائلات، لكنه ينعكس سلبا على النسيج السوسيولوجي لهذا الحي ذي الميزات الخاصة والمتفردة، وهو ما سيمس من دون شك الخصوصيات المعمارية والعمرانية للحي البرتغالي، ولم يشفع للقلعة تصنيفها في لائحة التراث العالمي .
( يتبع )


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 13/03/2024