الدار البيضاء …تلك المدينة -06- أبواب المدينة وأبراجها…جلها ذهب

ليست الدار البيضاء مجرد مدينة أو حاضرة من الحواضر العادية، بل هي حكاية من حكايات هذا الزمن..مستمرة في المكان والزمان… لم تحكها شهرزاد ولم يتشوق لنهايتها شهريار .. أبطالها ليسوا جان ولا عفاريت، بل هم مجرد أناس عاديون، قذفتهم أقدارهم ليعيشوا وسط دروبها وليصنعوا تاريخها ..مناضلون ومقاومون للاستعمار دافعوا عنها وصنعوا مجدها، وأولياء صالحون حرسوا أحياءها.. سكان من جاليات مختلفة تلاقحت ثقافاتهم وسط أحيائها وأزقتها، أسوار وأبراج وأبواب دكتها مدافع الغزاة لكنها عادت لتقف شامخة تحيط بها، هي ميناء ومصانع ومعامل وعمران وعمارات باسقة وفن معماري متميز، وفرق كرة قدم ومجموعات موسيقية ومسرحية ومؤسسات علمية ومساجد وبيع وكنائس وأضرحة.. يحكون لنا، خلال هذا الشهر الكريم، شذرات من تاريخها التليد وحاضرها الذي يعد بالكثير …

 

لقد ضم سور أنفا أبوابا وأبراجا ساهمت في تحصين المدينة من الغارات البرية والبحرية، وبلغ عدد الأبراج المشيدة على سور المدينة، كما ذكر المؤرخون والباحثون، سبعة أبراج أطلق عليها أسماء مختلفة قد تحيل على أمكنة تواجدها، وهكذا كان البرج الأول يوجد قرب ضريح سيدي بليوط ويسمى «برج الوداية»، وسمي آخر «برج السبع» وكان يوجد قرب باب مراكش، أما البرج الكائن بملاح اليهود قرب جامع السوق فكان يسمى «برج الملاح» و»برج بوخويمة» داخل درب بوخويمة، ثم البرج الخامس «برج العرائش» بالتناكر قرب عرصة الزرقطوني، والسادس قرب باب المرسى ويسمى «البرج الصغير» أما السابع فكان هو «البرج اليزيدي» بفسحة سيدي علال القيرواني، قرب الزاوية الدرقاوية، وحسب «كتاب عبير الزهور في تاريخ الدار البيضاء وما أضيف إليها من أخبار أنفا والشاوية عبر العصور» لصاحبه هاشم المعروفي، فإن هذه الأبراج جلبت لها مدافع من جزيرة مالطا، ونقل نحو ألف من العبيد البخاريين لحراسة المدينة، وتعزيزا لهؤلاء الجنود نقل إليها جزء من قبيلة حاحا الأمازيغية التي كان يرأسها قائد يسيرها وينظمها فإذا مات عوض بواحد آخر، وكان لهم في المدينة العتيقة حي يسمى «درب الشلوح» ومسجد يسمى «جامع الصومعة المكرجة»، و»المكرجة» كلمة دارجة تعني غير المكتملة البناء، وذلك لأن قائد سطات كانت له دار مجاورة للمسجد فمنعهم من إتمام الصومعة بدعوى أنها ستطل على أهل بيته، لكن بعد وفاته أكملوها.
إلى جانب الأبراج ضمت الدار البيضاء إبان حكم سيدي محمد بن عبد الله بين 1757 و1790 ما بين 6 أو 8 أبواب، لكل واحد حراسه إضافة إلى من يقوم بخدمته وخدمة السكان. وكانت تلك الأبواب تتوفر على بابين صغيرين لكل واحد منها، باب على الشمال والآخر على اليمين، بعد صلاة العشاء يخرج «البراحة» لدعوة الناس إلى دخول مساكنهم قبل إغلاق الأبواب»بالزكروم «، لكن الأبواب الصغيرة لا تقفل إلا بعد أن يتم التأكد من دخول الجميع، ولا تفتح حتى الصباح، ليعود الناس إلى فضاء السور الخارجي حيث يمارسون أنشطتهم المختلفة والمعتادة، والتي تتراوح بين صيد في المحيط أو فلاحة الأراضي والبساتين المحيطة بالمدينة أو تجارة وبيع وشراء وتبادل السلع الآتية من مناطق بعيدة عن الدار البيضاء، وتشمل الماشية والحبوب والصوف والجلد والخضر والفواكه وغيرها.
لقد كانت ثلاثة من تلك الأبواب مقابلة للبحر، الباب القديم الذي يطل على شاطئ البحر يؤدي طريقه، حسب ما جاء في مؤلف «المدينة القديمة بالدار البيضاء»، إلى ضريح سيدي بوسمارة وجامع المخزن وتوجد قربه القنصلية الفرنسية، ويوجد بجانبه ضريح سيدي بليوط، يعود تاريخه إلى نهاية القرن19، وكان يستعمل كممر للعربات، وقد تم اختراقه من قبل القائد الفرنسي «ديسيني»، لأنه كان يوجد بجانب البحر، في بداية تشييده كان يطلق عليه «باب الحد» ثم سمي «باب الخوت» ثم تهدم بالكامل.
باب الزرع، وكانت تعرض بساحته المحصولات الزراعية، بجانب البازارات حاليا، وعندما تم إنشاء طاحونة عصرية سمي «باب الرحى»، وهناك من كان يطلق عليه «باب الرخا» بسبب ما كان يعرض فيه من محصولات زهيدة الثمن، الآن لم يعد لهذا الباب أي أثر.
الباب الكبير على الجهة الشرقية للمدينة محاذ للسور على ساحة فرنسا سابقا ناحية «لبحيرة» يؤدي إلى داخل المدينة بجانب جامع السور وزنقة كناوة ويعد الباب الرئيسي لها.
باب المريسى، وكان يطل على ميناء صغير له أدراج تؤدي إلى ساحة الأميرال فلبير، ويسمى أيضا باب الميناء أو باب البحرية، يوجد به مكتب صغير كان مخصصا لإدارة الميناء وعلى اليسار المخازن الجمركية، وكان إذا أقفل الميناء بسبب سوء الأحوال يتم رفع العلم الأحمر أما إذا وفد مسؤول الصحة على متن سفينة فيرفع العلم الأصفر، وهو ينتمي إلى النظام الدفاعي للمدينة الذي تم تشييده على الطراز البرتغالي إبان حكم السلطان سيدي محمد بن عبد الله بين 1757 و 1790، وهو الباب الأكثر قدما من الأبواب التي تطل على المحيط، بجانبه كانت ترسو المراكب الصغيرة والمتوسطة التي تجلب السلع أو توصلها إلى السفن الشراعية والبواخر البخارية القادمة من دول أوربا وأمريكا، حسب ما ذكر حسن لعروس في كتابه «المدينة القديمة بالدار البيضاء»، والتي كانت ترسو بعيدا حيث كانت تتوقف على بعد ميل بحري من الشاطئ في مكان يسمى الصحن بسبب قعره الذي يشبه الصحن، لعدم وجود ميناء كبير ترسو به. سنة1907 انطلقت عملية تشييد رصيف بطول 325 متر توفر سنة 1912 على جناح بطول 120 مترا شكل نواه الميناء، بجانب باب البحرية كان مركز للجمارك يشرف على السلع المستوردة والمصدرة لأخذ الجبايات «التعشير» يشرف عليه مغاربة وفرنسيون، ومن هذا الباب دخل الفرنسيون واحتلوا المدينة.
يوم 13 ماي1912 في الساعة الحادية عشرة صباحا سيصل المقيم العام الفرنسي ليوطي على متن «جول فيري» ويدخل البيضاء من باب البحرية.
باب الكباص، ويحمل اسم أحد رجال الدولة في العهد الحفيظي واليوسفي، محمد الكباص، وتم فتحه تسهيلا لدخول السكان إلى منازلهم.
باب مراكش، وهو من أقدم الأبواب، لكن تغييرات كثيرة مرت عليه وأدت إلى تغييره بشكل كلي، وسمي بهذا الاسم لأنه كان نقطة انطلاق القوافل إلى مدينة مراكش، يخبرنا حسن لعروس، أن المسافرين كانوا يجتمعون بساحته وبعد أن يكتمل الجمع يسافرون جماعات وقوافل حماية وخوفا من اعتراض اللصوص وقطاع الطرق، في زمن كان معروفا بالسيبة وانعدام الأمن، دون أن نغفل ذكر باب السقالة المجاور لضريح سيدي علال القيرواني، وكانت مهمته هي مراقبة البحر وحماية المدينة من أي هجوم أو غزو خارجي، وتحول محيطه اليوم ومدخله إلى مطعم سياحي يقدم الأطعمة الشعبية للسياح والمغاربة كما أن ساحته المقابلة لا تزال تحتفظ ببعض مدافعها الموجهة إلى البحر الذي كان يصل إليه دون أن يعيقه شيء بل حتى المراكب الخشبية كانت ترسو أمامه، وكانت مهمتها نقل البحارة إلى «المريسة» قبالة باب الديوانة.
لقد كانت مهمة هذه الأبواب والأبراج والسور الذي يضمها تحصين المدينة وحمايتها من الغزو الأجنبي لكنها اليوم تهدمت إلا من بعضها الذي تم تجديده وترميمه كباب مراكش والسقالة، وأصبحت المدينة القديمة التي كانت محمية داخل الأسوار سافرة مفتوحة من كل الجهات…


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 18/03/2024