تاريخ العبودية، العرق والإسلام 07 : تغريب السود في التقاليد العربية والإسلامية

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.

 

 

يشددالكاتب،على أنه: “لا القرآن ولا الحديث، يقدمان أي تمييز عنصري تقييمي بين البشر أو يوصيان بشن الحرب لإنتاج أسرى للاستعباد”. ومع ذلك، طوال تاريخ الإسلام، كان «التحيز اللوني» جزءا لا يتجزأ من الأسطورة الحامية، والطريقة التي استخدمت بها لتبرير وتوسيع التحيزات الثقافية العربية والبربرية حول العرق التي كانت موجودة قبل الإسلام. يعود السود في أصلهم إلى «حام التوراتي»(ابن النبي نوح)، وكذلك اللعنة والخطاب الحامي، في حين أن»حام»و»اللعنة الحامية»غير مذكورين في القرآن، الذي يؤكد على أهمية البشرية: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ للَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
إن «التحيز العنصري»أو «التحيز القبلي»، كلاهما مدانان بشكل قاطع في القرآن. يقول النبي محمد: “إنَّ للهَ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ , مؤمنٌ تقيٌّ , وفاجرٌ شقيٌّ , أنتم بنو آدمَ , وآدم من تراب, (لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ , إنما هم فحمٌ من فحْمِ جهنمَ, أو لَيكونُنَّ أهونَ على اللهِ من الجِعْلَانِ التي تدفعُ بأنفْها النَّتِنَ)»، ويقول عليه السلام أيضا: “اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة”. ومن الواضح أن «التحيز العنصري»، كما كان موجودا في زمن النبي(عليه الصلاة والسلام)كان مبنيا ثقافيا، إذ كان هذا التحيز مرفوضا بشكل لا لبس فيه من قبل النبي عليه السلام.
مثال آخر على رفض النبي محمد للتحيز العنصري، يمكن رؤيته في تقرير قدمه العالم المصري «السيوطي» (1445-1505) والذي يتضمن حادثة بين «بلال بن رباح»و«أبو ذرالغفاري»(كلاهما اعتنق الإسلام في وقت النبي). تعود جذور القصة، إلى وقت أهان فيه الصحابي «أبو ذر الغفاري» الصحابي «بلال بن رباح» بمناداته: «حتى أنت يا ابن السوداء !»، بعدها غادر الصحابي «بلال بن رباح»المجلس متوعدا بالقول: «ولله لأرفعنك لرسول لله»، وعندما سمع النبي بالقضية وبخ أبو ذر بشدة،وقال له: «يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية»، فلم يجد «أبو ذر الغفاري»غير البكاء والطلب من النبي أن يستغفر لله له، ثم خرج باكيا من المسجد ووضع خده على التراب وقال: «ولله يا بلال، لا أرفع خدي حتى تطأه برجلك، أنت الكريم وأنا المهان»، فأخذ «بلال بن رباح» يبكي واقترب وقبل ذلك الخد وقال: «ولله لا أطأ وجها سجد لله سجدة واحدة»، ثم قاما وتعانقا وتباكيا، وأصدربعدها عليه الصلاة والسلام إعلانا رسميا بأن قيمة المرء لا علاقة لها بنسبه، وإنما بالتقوى من قلبه.
يعكس هذا الحادث، التصور السلبي الموجود مسبقا للون الجسم بين العديد من العرب، والآخذ في الاندثار في النظام الاجتماعي الجديد الذي قدمه محمد، والأهم من ذلك الاعتراف ب «الآخر» وإدماجه في العصر الناشئ للإسلام في شبه الجزيرة العربية. وهكذا، كان إسلام النبي «محمد»(صلى لله عليه وسلم) فيه مساواة ليست فقط بين عرب كقبائل ولكن بين جميع الشعوب، حتى أولئك العرب الذين ينظر إليهم على أنهم مختلفون وأقل مكانة بسبب لونهم مثل «الحبشيين». يتضح من التصور العربي القديم، أن «الحبشيين كانوا ذوي مكانة منخفضة بسبب لونهم”، ومن هنا أصر النبي «محمد» على المساواة بين البشر بإعلانه أنه «لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ».
اتخذ تطور الدولة الإسلامية، في ظل «ثيوقراطية عميقة»تتمحور حول العرب، مسارا مختلفا عن مثل النبي محمد. فبعد وفاته صلى لله عليه وسلم، كان المثل الأعلى للأمة الإسلامية المتساوية أكثر وهما منه حقيقة. تبع ذلك، «الاختلافات العرقية» و«التمييز»و«العنف» نتيجة للأعراف الثقافية الراسخة الواضحة في زمن النبي، والتي عادت إلى الظهور دون عائق كبير بعد وفاته. من الأهمية بمكان، اعتماد الأسطورة الحامية وتطبيقها اللاحق في ما يتعلق بكيفية النظر إلى الدائرة العرقية للمجتمعات والدول.
نتيجة للهيمنة العربية وانتشار الإسلام، حدث استيعاب للتقاليد الثقافية والمقدسة للسكان المسيحيين واليهود. يوجد بعض الالتباس، ليس فقط حول ما إذا كانت «لعنة الحامية»تنبع من الثقافة العربية أو من الأدب اليهودي، ولكن أيضا ما إذا كانت اللعنة تنطوي على العرق، أي ما إذا كانت العقوبة التي تنقلها اللعنة هي «السواد». يبدو أن بعض المؤرخين، مثل «برنارد لويس»، ينسبون الجانب العنصري ل”لعنة الحامية”إلى الثقافة العربية ولا يجدون أي علاقة بين عقاب اللعنة والعرق في التلمود. وفقا للويس: «ومع ذلك، لا يوجد شيء في النص [التلمود] يشير إلى أن اللعنة الوراثية، قد امتدت من العبودية إلى السواد أو أنها انتقلت من كنعان الذي كان أبيض ، إلى كوش الذي كان أسود».
لم يتم ذكر كوش ولا السواد العرقي، ولا يوجد أي شيء يظهر أن السواد على هذا النحو كان ينظر إليه على أنه عقاب، غير أن لويس مخطئ في كلتا الحالتين، حيث يمكن العثور على إشارة إلى هذه اللعنة في الأدب اليهودي المبكر (قبل الإسلام)،والتي تجلب العرق أي السواد، إلى الواجهة كعقوبة مفروضة على أحفاد «حام». ستتبنى الثقافة العربية، الجانب العنصري من لعنة الحامية بطريقة تربط العرق بالعبودية. في هذا الفصل، يأمل الكاتب أن يبين كيف تداخلت لعنة الحامية مع الوضع الاجتماعي والتحيزات العنصرية الموجودة مسبقا لتبرير التمييز العنصري الذي يتعارض مع مبادئ الإسلام.
إن»حام»بالعبرية والعربية (كلتا اللغتين الساميتين)، أحد اشتقاقاتها العربية هو «يحموم» (yahmum)، ويعني «أسود جدا»، وهو مصطلح يستخدم بشكل أساسي فيما يتعلق بالدخان.يجد الكاتب،أنه من المشكوك فيه أن «ديفيد غولدنبرغ»الباحث في التاريخ اليهودي، ينكر إمكانية استخدام لحم الخنزير»ليعني الأسود في العبرية. تقدم الموسوعة اليهودية العديد من الاختلافات في الأسطورة الحامية، من بينها، «يمثل التلموديون حام كواحد من الثلاثة الذين مارسوا الجنس مع زوجاتهم في التابوت، وبالتالي عوقبوا من حيث أن نسله، الإثيوبيين هم من السود. كتب خبير في الأدب الحاخامي: “قال نوح لحام: يكون أولادك مظلمين وسودا”. هؤلاء هم الإثيوبيون والزنوج، الذين ينحدرون من حام بسبب اللعنة. يناقض «ديفيد غولدنبرغ» نفسه عندما يجادل «أنه في الأوساط الحاخامية، سواء في أرض إسرائيل أو في بابل، لم تكن تفضل البشرة الداكنة».
يمكن العثور على دليل على قبول القصة الحامية، في أعمال العلماء المسلمين الأوائل، ومن حقيقة أن غالبية العبيد في شبه الجزيرة العربية كانوا من «الإثيوبيين السود»الذين تم تبرير إخضاعهم بسبب سوادهم والتصورات الثقافية السلبية التي يحملها السواد للعرب. ومن المثير للاهتمام، أن أحد الكتاب العرب الأوائل الذين تناولوا قضية العرق كان باحثا ضليعا في التقاليد اليهودية – المسيحية، وكان «وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار» (المتوفى 728أو 732) من أصل فارسي من اليمن، يمكن إرجاع العديد من التقاليد الكتابية إلى كتاباته وتأثيره.
أشار «ابن النديم محمد بن اسحاق المعتزلي»(المتوفى 994)، مؤلف كتاب معروف «الفهرست»(The Fihrist) (فهرس الكتب العربية)، إلى أن «وهب بن منبه كان شخصا من الكتاب اعتنق الإسلام». كتب «أبو محمد عبد لله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِيُّ» (المتوفى 889) من بغداد، أن «وهب بن منبه يعتقد أن حام بن نوح، كان أبيض كنوح الرجل الأبيض ذو الوجه والشكل الجميلين، لكن لله (سبحانه وتعالى) غير لونه ولون نسله بسبب لعنة أبيه..رحل حام وتبعه أطفاله إلى ما يعرف اليوم بالسودان».
قدم «أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب»(الشهير بالإمام الطَّبَرِي) (المتوفى 923)، أحد أكثر العلماء المسلمين تأثيرا وغزارة في عصره، تصنيفا عرقيا واضحا للأمم مأخوذا من نفس مصدر عمل «بن قتيبة الدِّينَوَرِيُّ»، وكلاهما مقتبس من كتابة»وهب بن منبه»، مع تفاصيل إضافية تستند إلى ما جاء به العبرانيون القدماء الذين أعطوا أسماء لجيرانهم المختلفين والشعوب الأخرى التي واجهوها أو سمعوا بها، إذ توجد قائمة بهذه الأسماء، في السفر الأول من الكتاب المقدس (سفر التكوين ، الفصل 10). يعكس الوصف، الجغرافيا السياسية في ذلك الوقت مع إدراج «كنعان»تحت «أبناء حام»: «ولد حام كل أولئك الذين هم سود ذوي شعر مجعد، بينما ولد «يافث»جميع أولئك الذين لهم عيون صغيرة، وولد «سام»كل من هو وسيم الوجه بشعر جميل..دعا نوح ألا ينمو شعر نسل حام خارج آذانهم، وأينما التقى نسله بأبناء سام، كان الأخير يستعبدهم..»..


الكاتب :   ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 19/03/2024